يدفع الرئيس رجب طيب أردوغان، حسب متابعين للشأن السياسي التركي، ثمن ضغطه على رئيس حكومته وحزبه الحاكم أحمد داود أوغلو للاستقالة بسبب قراءته لنية انقلاب ربما يقوم به أوغلو على رئيسه في المستقبل. ويظهر ذلك من خلال ورود العديد من التقارير التي تتحدث عن تحول المعارضة داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم من حركة علنية داخل الحزب إلى حركة سرية لا تريد فضح خياراتها كي لا تنتهي خارج السلطة حسب تلك الآراء.
ترتكز المعارضة داخل حزب العدالة والتنمية، والتي كان أوغلو أحد أركانها، إلى نقطة هامة تتناقض مع طموح أردوغان الرئاسي، هذه النقطة هي التحول تماما إلى تطبيق نظام رئاسي تنفيذي تكون الصلاحيات الهامة فيه في يد رئيس الدولة. فبعد أن كان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو من أبرز صقور الجماعة المحيطة بأردوغان، أصبح الرجل مغضوبا عليه لدى أردوغان وحلفائه في الحزب الحاكم خاصة وأن أوغلو بصفته رئيسا للوزراء قام بعدد من الإجراءات مع دول أوروبية في ملف اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين لم تحض برضاء رجب طيب أردوغان الساعي إلى تسليط ضغط عال على الأوروبيين في شكل ابتزاز لقبوله في الاتحاد الأوروبي.
جاء إعلان داود أوغلو أنه لن يرشح نفسه مرة أخرى كزعيم للحزب في المؤتمر الذي يعقده في 22 مايو الجاري، ومن ثم سيتنحى عن رئاسة الوزراء ليعزز قبضة أردوغان في سعيه للحصول على التأييد للنظام الرئاسي الكامل. ولئن كان ذلك حسب محللين أتراك أنه خضوع كامل لإملاءات أردوغان، إلا أن الأمر يعني في سياقه العام أن الاستراتيجية الأردوغانية في التحول إلى السلطة المطلقة أمر واقع على الجميع التعاطي معه. وتضيف تقارير أن قوة أردوغان نافذة في الحزب إلى درجة أن المعارضة الداخلية تمارس نشاطها سرا وتتبادل وجهات النظر خارج الأطر.
خبر إعلان أوغلو استقالته يسلط الضوء أيضا على شروخ خلف الواجهة التي تظهر الوحدة لحزب العدالة والتنمية الذي أسسه أردوغان قبل 15 عاما وحكم تركيا منذ ذلك الحين وشهدت البلاد في سنواته الأولى زيادة واضحة في ثروة البلاد التي تعد عضوا في حلف شمال الأطلسي فتعاظم نفوذها، الأمر الذي أوهم أردوغان أن الطريق أمامه سالكة ليكون أول “إمبراطور” ينضم إلى النادي اليورو.
وقال مسؤول رفيع بالحزب طالبا عدم نشر اسمه “ثمة فريق داخل الحزب غير مرتاح لمسار الأمور وهذا واقع”. وأضاف أنه لا توجد احتمالات تذكر لحدوث انقسام علني على المدى القصير، مشيرا إلى الخطاب الذي ألقاه داود أوغلو الأسبوع الماضي والذي دافع فيه عن سجل أعماله خلال رئاسة الوزراء، طالب فيه أيضا بوحدة الصفوف في الحزب وتعهد ألا يذكر إردوغان بسوء.
وتابع المسؤول “أردوغان هو الزعيم الأوحد دون شك”، لكنه أضاف أن التذمر قد يعود ليؤرقه داخل الحزب. وقال “إذا لم تسر الأمور على ما يرام فربما تتجدد الخلافات وتكتسب الأصوات المعارضة دعما جديدا”. وقد أغضبت الخطوات الأخيرة التي اتخذها أردوغان خصومه من خارج حزب العدالة والتنمية واتهموه بمخالفة الدستور وبالانخراط في السياسة الحزبية رغم أنه من المفروض ألا يكون رئيس الدولة منتميا لحزب.
وما زال أردوغان يواجه مسارا صعبا لتأمين التعديل الدستوري الذي يريد أن يحول به نظام الحكم في تركيا من ديمقراطية برلمانية إلى نسخة تركية من النظام الأميركي أو الفرنسي الذي يملك فيه رئيس الدولة السلطة التنفيذية. ولتحاشي ضرورة إجراء استفتاء وإجراء التعديل الدستوري المطلوب مباشرة يحتاج الحزب الحاكم إلى تأييد ثلثي أعضاء البرلمان المكون من 550 مقعدا، أي ما يزيد على مقاعد الحزب البالغ عددها حاليا 317 مقعدا. وسيكون التصويت في البرلمان بالاقتراع السري أي أنه يمكن لبعض نواب حزب العدالة والتنمية التصويت برفض التعديل، وهذا ما يرجح القيام به في إطار سياسة العمل السري التي يقوم بها المعارضون داخل الحزب.
وقال في السياق زعيم المعارضة القومية التركية، دولت بهجلي، إن مساعي حزب العدالة والتنمية الحاكم لتطبيق نظام رئاسي تنفيذي “باطلة”، نافيا بذلك صحة التكهنات بأنه قد يدعم دستورا جديدا يغير النظام السياسي للبلاد.
وأضاف زعيم حزب الحركة القومية متحدثا لأعضاء حزبه من نواب البرلمان “بنهاية الفصل بين السلطات يبدو واضحا ما هي التطورات التي ستُحدث تحولا في الاتجاهات الاجتماعية والسياسية وفي أي اتجاه. والقول بأن النظام الرئاسي هو انعكاس طبيعي لتطلعات قومية باطل وينطوي على مبالغة بالنسبة إلينا”. وأضاف أن تهيئة الأجواء لانتخابات مبكرة بعد إعلان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو تنحيه الأسبوع الماضي تصل إلى حد “الخيانة”.
صحيفة العرب