انفجار سياسي أم انفجار طائفي؟ الانتخابات البلدية التي تصور الكثيرون انها قد تعيد الحياة، أو بعض الحياة، الى العملية السياسية، ان باتجاه الانتخابات النيابية او باتجاه الانتخابات الرئاسية، كشفت ان «انفلونزا الطائفية» لا تزال منة في نظام اللبنانيين...
رئيس وزراء سابق قال لـ«الديار» «حين يكون السنّة والشيعة مذهبيين الى هذا الحد، ويكادون يلتحمون بالسلاح الابيض، وربما بأظافرهم، كيف يؤخذ على المسيحيين، وقد عانوا ما عانوه في العراق وسوريا وصولاً الى باكستان، ان يتوجسوا وأن يبحثوا عن ملاذ؟
اما ماذا يقال داخل «الغرفة المسيحية»، فثمة تعليقات حادة على كلام الرئيس سعد الحريري عصر الاثنين، واسئلة من قبيل «ألم تظهر كل المؤشرات على ان الشيخ سعد تعامل مع بلدية بيروت على انها احدى مؤسسات الحريري». وتأكيد لدى قاعدة التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» وحزب الكتائب على «ان المناصفة ليست «مكرمة» ما دمنا نعيش في زمن المكرمات، بل هي في اساس الميثاقية التي كرستها وثيقة الطائف».
لا بأس ان يعتبر أحد مطارنة العاصمة «ان خطأ تقنياً حصل في كيفية تشكيل اللائحة حين بدا وكأن بيروت التي هي اختزال، بصورة او بأخرى، لكل لبنان، تدور حول بيت الوسط، اذا كانت هناك مناصفة، فأين كانت لدى تسمية جمال عيتاني رئيساً للائحة مع كل احترامنا للرجل ولكفاءاته ولتعهداته».
المطران الذي يرفض ان تذهب الامور الى أبعد من ذلك اذ «تكفينا المصائب التي نحن فيها» لا يشك لحظة في «النوايا الطيبة» للحريري، لكنه يلاحظ «ان الطريق الى الجحيم مرصوفة بالنوايا الطيبة»، ليشير الى المناخ العام في لبنان وفي المنطقة «المسيحيون متوجسون من الحاضر ومن المستقبل، وهم يعتبرون انهم عوملوا في ما يتعلق بتوزيع المقاعد المسيحية في اللائحة كم لو أنهم اهل ذمة».
وسأل «من كان الآمر الناهي في تشكيل اللائحة»، داعياً الى عدم المضي في «الهاب المشاعر»، والى حد التحذير من ان تستغل الانتخابات البلدية في مدينة زحلة للترويج لصراع ماروني - كاثوليكي، وربما يشارك فيه الارثوذكس ايضاً بعدما سمعت اصوات في عاصمة البقاع تقول ان الاحزاب المارونية ابتلعت عاصمة الكثلكة في الشرق».
والمفارقة هنا ان الذين اتفقوا وأتلفوا في العاصمة الكاثوليكية افترقوا في جونيه، وهي العاصمة المارونية، ويخوضون مواجهة ضارية في ما بينهم.
اما مصادر الرئيس تمام سلام فتقول ان اللبنانيين هكذا، حين تكون هناك انتخابات يصبح لبنان لبنانيين او أكثر، حتى اذا ما استقرت الامور عاد البلد واحداً، ولا مصلحة لأحد في ان يكون اكثر.
غير ان السؤال الذي يطرح في بعض الاوساط السياسية هو «اذا كان المسيحيون يشعرون بأنهم هامشيون في تشكيل اللوائح، وفي تشكيل الحكومات، وحتى في اختيار رئيس للجمهورية، فلماذا ارتضى قادتهم المشاركة في الائتلاف وروجوا له؟».
والمثير هنا ان يقول بعض اصحاب الرأي في الاشرفية «هل تعلمون لماذا رشح الدكتور سمير جعجع العماد ميشال عون؟ فقط ليقول للرئيس الحريري ان المسيحيين هم مَن يختارون مرشحهم ورئيسهم لا كما فعلت انت، ومن منزلك في باريس».
استطراداً، الاجواء الاحتفالية في معراب، وكانت أشبه ما تكون بالاحتفالات الكنسية، كانت مقصودة، سيامة رؤساء الجمهورية مثل سيامة الكهنة لا يمكن ان تكون الا بأيد مسيحية وبطقوس مسيحية.
والسؤال التالي «هل لاحظتم ان المسيحيين هم من يختارون رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب؟ الواقع ان المسيحيين بلغت بهم الحساسية حد الخوف من ان يصلوا الى ذلك اليوم الذي يختار فيه المسلمون بطاركتهم».
كل هذا الكلام يصل الى مرجع سياسي، وهو اذ يستغرب كيف ان الانتخابات البلدية جعلت الامور تأخذ ذلك المنحى، لا سيما في بيروت التي تعني ما تعنيه بالنسبة الى الوضع اللبناني ككل، يسأل كيف يمكن، في هذه الحال، التوصل الى قانون انتخاب؟».
ـ القانون الارثوذكسي... وفاة للبنان ـ
هذا ليؤكد انه لن يقبل بـ«القانون الارثوذكسي» أياً تكن الظروف لأنه بمثابة اعلان وفاة للبنان من خلال فتح الباب أمام كونفديرالية قابلة في اي لحظة للانفجار».
الى حد بعيد، بدا خلط الاوراق، اثناء الانتخابات البلدية، ما قبلها وما بعدها، وقد ذهب في بعض الاماكن الى اكثر مما ينبغي، وراء الضوء كلام عن أزمة علاقات بين «حزب الله» والتيار الوطني الحر بعدما افترقا عند اكثر من نقطة، اي ان هذه العلاقة لم تعد ذات ابعاد استراتيجية كما في اوقات سابقة.
لا بل ان هناك من يجري جردة حساب حول العائدات السياسية لورقة التفاهم منذ شباط 2006 وحتى اليوم، والى حد الحديث عن ان «حفل الزفاف» بين التيار و«القوات اللبنانية» في 18 كانون الثاني المنصرم دفع بالجنرال باتجاه قصر بعبدا اكثر مما دفعته ورقة التفاهم على مدى 1 ـ0 سنوات.
ـ حين يتكلم «حزب الله» ـ
الحزب يلزم الصمت، ينصت الى كل الكلام الذي يقال، لديه اجوبته الدقيقة، والموثقة، على كل سؤال او على كل تحفظ، لكن القرار هو ان البلد في خطر، والاولوية للتحصين الداخلي «ولو على حسابنا»، وغداً في «الديار» «حين يتكلم «حزب الله».
لعل الاخطر ما يقال الان ضد «حزب الله» انه عقد صفقة سرية مع تيار المستقبل بعدم المشاركة لا في الترشح ولا في الاقتراع. عدم الترشح كي لا يحرج الحريري لا أمام مرجعيته الخارجية ولا أمام قاعدته الشعبية، وعدم الاقتراع لأنه كان يعلم، ولدى الحزب اجهزة الرصد الدقيقة، انه اذا صبّت اصواته لمصلحة لائحة «بيروت مدينتي» لكانت النتيجة كارثية بالنسبة الى رئيس الحكومة الأسبق مع ما لذلك من تداعيات في ظل الاحتقان المذهبي الراهن.
لا صفقة على الاطلاق بل قراءة دقيقة، وواعية للمشهد، وبالتالي «صبّ الماء البارد على الاشباح التي تقيم داخل الجدران وتظهر في الوقت المناسب». هذا ما يقوله لـ«الديار» قطب في 8 آذار، مضيفاً أن خلاصة ذلك الموقف هو الذي حال دون اي انفجار طائفي وسياسي...
اكثر من جهة سياسية تعتبر ان كل الاطراف التي شاركت في لائحة «البيارتة» انها فعلت ذلك كي لا تتحول «الداون تاون» الى خط تماس بين ما كان يدعى في الايام السوداء «الشطر الشرقي» و«الشطر الغربي» من بيروت.
وبالرغم من ذلك، كان هناك على الضفة الاسلامية من لا يقبل بالمناصفة في المجلس البلدي ما دام المحافظ الارثوذكسي يمتلك صلاحيات مؤثرة على عمل المجلس، كما كان هناك على الضفة المسيحية من يستغرب أن تكون هناك 3 دوائر انتخابية في بيروت، وتكون هناك بلدية واحدة.
في نظر هؤلاء ان المناصفة الحقيقية هي في ان تكون هناك بلديتان لا بلدية واحدة بجناحين لا يمكن ان يكونا متكافئين في حال من الاحوال.
ـ بلديتان جمهوريتان ـ
هذا الكلام لا يقبل به لا العماد ميشال عون ولا الدكتور سمير جعجع. حين تنقسم بيروت الى بلديتين ينقسم لبنان الى جمهوريتين، حتى داخل 8 آذار، وحيث الود المفقود مع بيت الوسط، ثناء على جمع الاضداد تحت خيمة واحدة، وان كان الكثيرون يعتبرون ان اللائحة المصنعة قيصرياً كانت مصطنعة وهذا ما ظهر من خلال حالة العصيان داخل التيارالوطني الحر، فيما «القوات اللبنانية» تلعب دون ضجيج.
الصقور داخل تيار المستقبل يقولون ان ما حصل في الاشرفية اقفل كل طرقات القصر امام الجنرال. هل كان الحمائم يقولون، وقبل الانتخابات، غير ذلك؟
براغماتية نقولا صحناوي واجهت مثالية او (راديكالية) زياد عبس داخل التيار الوطني الحر، الاول اوضح «اننا ذهبنا الى اللائحة المشتركة مع تيار المستقبل من دون «حماس»، لكن بالواقع الديموغرافي في بيروت، وفي ظل القانون الانتخابي الحالي لا يمكننا ان نوصل ممثلينا الى البلدية بقدراتنا، لذا، ارغمنا على الاتفاق».
ـ لا ضوء في النفق ـ
اضاف «نحن حزب ديموقراطي، والمشكلة هي في الالتزام بالقرار الحزبي الموحد الذي يقوينا»، ليخلص الى «ان ما يراه العماد عون صحيحا نحن نقبله فهو قائدنا».
واستطراداً، الانتخابات البلدية زادت المشهد ضبابية، لا ضوء في النفق الذي يوصل الى قصر بعبدا، ومن باريس بدا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وكأنه يرد على مانشيت «الديار» (البطريرك رئيساً للجمهورية)، اذ اكد رفضه ان يشغل هذا المنصب، وهو ما يثبت ما اشارت اليه «الديار» حول طرح الموضوع في الآونة الاخيرة.
اما قانون الانتخاب فينام على أيدي اصحاب السعادة اعضاء اللجان المشتركة، والنائب علي فياض قال «ان على اللبنانيين ان يدركوا مدى خطورة معضلة قانون الانتخاب اذ منذ سنوات عدة لم تستطع القوى السياسية الوصول الى قانون الانتخاب».
فياض لم يرَ نفسه متفائلا بالتوصل الى حل وشيك لقانون الانتخاب، والصراع لن يقتصر على تنازع المقاعد، فالموضوع، في نظره، يندرج في لائحة المسائل الاستراتيجية وفي خانة الامور الجوهرية في البلاد.