أظهرت نتائج الإنتخابات البلدية في مرحلتها الأولى في بيروت والبقاع فوز الأحزاب السياسية، وكرّست نتائج هذه الإنتخابات الإحتلال الحزبي والسياسي للعمل البلدي في لبنان الذي من المفترض أن يخضع فقط لحسابات إنمائية وإجتماعية بعيدا عن أي تدخل سياسي . وبعيدا عن النتائج التي خرجت بها صناديق الإقتراع فإنّ ثمّة قراءة أخرى لهذه النتائج بعيدا عن منطق الربح والخسارة بالأصوات، تتوقّف هذه القراءة عند الآثار التي تركتها العملية الإنتخابية هذه والتي ستلازم البلدات والقرى لسنوات طويلة ربما تمتد الى نهاية عهد هذه البلديات نفسها . في تعقب الآثار السلبية للإنتخابات البلدية التي فاز بها حزب الله نلامس الكثير من السلبيات التي ترتدّ على حزب الله نفسه وتجعل منه الخاسر الأكبر، بالنظر إلى ما تركته اللجنة الإنتخابية للحزب على أرض الواقع، ولئن فاز الحزب بالأصوات إلا أن الهزيمة كانت كبيرة في جوانب أخرى كثيرة نذكر بعضاً منها.
نسبة التصويت . لقد جاءت نسبة التصويت المتدنية في معظم القرى والبلدات لتؤكد حالة الرفض التي رافقت عمليات التحضير للإنتخابات البلدية, وعبرت نسبة التصويت المتدنية هذه عن حالة اعتراضية على الواقع السائد الذي رفضته معظم القرى والعائلات من خلال عدم التصويت وهذا يشكل خسارة لخيارات حزب الله في معظم القرى والبلدات .
العلاقة مع العائلات . لقد تركت الخيارات البلدية في حزب الله واللوائح التي فرضها الحزب حالة امتعاض لدى العائلات ما أدى إلى تهديد علاقة الحزب بهذه العائلات الأمر الذي سيعمل عليه الحزب في الفترة اللاحقة، وهو الأمر الآخر الذي يشكل هزيمة كبيرة للحزب في هذه القرى . الخلافات العائلية . تركت التحضيرات التي رافقت العملية الانتخابية في البقاع آثارا سلبية كبيرة بين العائلات ستؤدي الى خلافات عائلية على المدى الطويل، وذلك على خلفية الإعتبارات التي تم فيها اختيار الأشخاص من هذه العائلة أو تلك، مع العلم أن ترك الأمر للعائلات كان سيخفف من الآثار السلبية للإختيار الحزبي، وهذا ما يشكل أيضا هزيمة من نوع آخر سيدفع ثمنها حزب الله لاحقاً .
تكريس الإمساك الحزبي بالعمل البلدي إن الإمساك الحزبي بالقرار البلدي وتسخير البلدية لإرادة الحزب وخياراته سيؤدي حتما إلى استمرار الشلل بالعمل البلدي على مستوى القرى والبلدات الخاضعة للوصاية الحزبية، وخصوصا في اختيار العمل والموظفين على قاعدة الولاء للحزب والتنظيم دون النظر إلى الكفاءة والجدارة العلمية والوظيفية، وهذا يشكل أيضا خسارة كبيرة للبلديات وهزيمة إضافية للحزب.
الإبقاء على المحاسيب والأزلام في البلديات الحزبية. ويشكل الإمساك الحزبي بالعمل البلدي الإبقاء على الحاسيب والأزلام، بعيدا عن العمل بمبدأ الرقابة والمحاسبة، وهذا ما يشكل أيضا هزيمة جديدة لأي عمل بلدي يقوم وفق هذا المنهج الحزبي .
إن معيار الربح والخسارة في العمل البلدي ليس في صناديق الإقتراع وحدها، لأن الفوز الحقيقي هو بالبقاء إلى جانب الناس وخياراتهم، إلى جانب القرى وإرادتها ورغباتها، وإن الفوز الحقيقي هو بالحصول على رضى الناس وقبولهم بالخيارات التي تؤدي الى تطوير العمل البلدي وتجديد روح العمل البلدي على كل صعيد وهو الأمر الذي لم يكن متوفرا في ظل الإمساك السياسي والحزبي بالعمل البلدي وهو بحدّ ذاته هزيمة للقرية والبلدية والحزب معاً .