المناصفة في المقاعد البلدية لا غير، في الزعامة لا مناصفة ولا مثالثة. قالها النائب سيرج طورسركيسيان «سعد الحريري هو الزعيم الاوحد لبيروت»، ولو كان حكم الاقلية التي لا تتجاوز الـ20 في المئة.
التوصيف اتى من نائب مسيحي وارمني، اين هو ميشال عون وسمير جعجع وسامي الجميل؟ حين يكون هناك زعيم اوحد لا يكون هناك الى جانبه نصف زعيم او ثلث زعيم.
التوصيف ازعج وزيراً بارزاً من تيار المستقبل، ليس فقط لان المصطلح لا يطلق عادة الا على الديكتاتور، وانما ايضا لان هذا اللقب الذي حمله الديكتاتور العراقي عبد الكريم قاسم، بطل انقلاب تموز 1958 على الملكية (وحيث ابيدت العائلة الملكية باسرها)، قاده الى نهاية تراجيدية، دون استعادة تلك اللحظات الاخيرة والهائلة.
في الجانب المسيحي، كان هناك انزعاج من نوع آخر، ما حدث من تظاهرات، وما صدر من تصريحات، اظهر ان رئيس تيار المستقبل هو المنتصر الوحيد، وهو الناطق الوحيد باسم بيروت، كما انه الوصي (السياسي) على المجلس البلدي بحيث تبقى المناصفة في اطارها الشكلي.
الشيخ سعد لم يعترض على توصيف طورسركيسيان، ولم يعلق. بدا وكأنه يثبت التوصيف من خلال غضبه على الحلفاء. قال بعد ظهر امس «نحن فخورون اننا عملنا مع كل البيارتة (وقصده المسلمين والمسيحيين) على حماية وصية المناصفة. وهذا عنوان اساسي في المعركة. ومع الاسف، بعض القوى السياسية لم تفهمه، وبعض الجهات وصلت فيها المزايدة الى المسخرة السياسية وغير السياسية على اهل بيروت.
واكد «ان هذا مرفوض ومردود لاصحابه» مشيراً الى «ان لائحة البيارتة» على صورة بيروت ولبنان. هناك حلفاء التزموا معنا وصوتوا للائحة البيارتة وآخرون فتحوا خطوط حساب مرشحين خارج اللائحة، ما هدد المناصفة وهذا لا يشرف العمل السياسي والانتخابي.
وكانت معلومات بيت الوسط قد اشارت الى ان الحريري «الذي خاض غمار المناصفة» صدم من الارقام التي وضعت امامه والتي تظهر ان لائحة «بيروت مدينتي».. تقدمت على لائحة «البيارتة» في المناطق المسيحية، وتحديداً حيث التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية».
في زحلة قرعت الاجراس، عند المسيحيين «الكنيسة تناديكم»، لبوا نداءها وتجاوزت نسبة الاقتراع الـ40 في المئة، في بيروت قرع الطبول لم يأت بالنتيجة المماثلة، بالرغم من هاجس المناصفة، بقي الاقبال على الصناديق تحت خط الديموقراطية مثلما هو تحت خط النصر...
وزير العمل سجعان قزي ربما تأثر بالفرنسي موريس دوفرجيه الذي اعتبر ان الديموقراطية تكون حين تكون صناديق الاقتراع حتى النصف او اكثر. ماذا حين تكون النسبة دون الـ20 في المئة؟
النتائج كانت ملتبسة في زحلة، صحيح ان الاحزاب (وكل يغني على ليلاه) اكتسحت المقاعد الـ21، ودون ان يكون لبلدة تعنايل عضو واحد، لكنها لم تكتسح لا زعامة آل سكاف، ولا زعامة النائب نقولا فتوش.
في عروس البقاع، ثمة كثيرون يلقون باللائمة على «السادة المستشارين» الذين قالوا للسيدة ميريام ان فتوش «لا يؤمن له». دماغ قانوني وثروة طائلة، حتى اذا ما تعاونت معه انتخابياً، وهو الكاثوليكي، فلا بد ان يضع يده على الزعامة.
امس، كان هناك من يرى ان ارملة الوزير الراحل الياس سكاف، تعوزها البراعة التكتيكية والرؤية الاستراتيجية، من برجها العالي، علو مسقط رأسها بشري عن سطح البحر، خاضت الحرب ضد فتوش وضد الاحزاب التي ورثت كراهيتها ربما عن زوجها، وربما اكثر عن ابيها النائب السابق جبران طوق.
حساب بسيط اذا ما جمعت الاصوات التي نالتها لائحة يوسف سكاف مع الاصوات التي نالتها لائحة موسى فتوش، لكانا الاثنان تجاوزا لائحة الاحزاب باكثر من 5 آلاف صوت...
حصيلة الارقام اظهرت ان الاحزاب فشلت في الغاء سكاف وفتوش. كان يفترض ان تتجاوز الاصوات التي نالتها اصوات الاثنين. هذا لم يحصل بانتظار الانتخابات النيابية حيث الظروف مختلفة، وقد تكون التحالفات (والمعادلات) مختلفة حتى اشعار آخر، جارة الوادي في ... المتاهة.
في رأس بعلبك والقاع، وعلى الجرود ينتشر مسلحو تنظيم الدولة الاسلامية، ليس غريباً ان تسمع رأي استاذ جامعي «لو اخذنا هنا بتعبير الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران «منطق الاشياء» لوجدت «القوات اللبنانية» و«حزب الله» في خندق واحد، وعلى لائحة واحدة.

ـ مسيحيون في «حزب الله»؟ ـ

ونسأل ما اذا كان هناك مسيحيون في «حزب الله»، وفي البقاع الشمالي كما في لبنان الشمالي، تأتي الاجابة السريعة بـ «اننا في مواجهة «داعش» كلنا حزب الله».
في القاع، خسرت اللائحة المدعومة من الوزير السابق البير منصور، ومن «حزب الله» مع ان كل سكانها مسيحيون، امام لائحة «القوات اللبنانية» التي اثبتت انها الرقم واحد في البلدات والقرى المسيحية هناك.
عرسال ظهرت امس بحلة جديدة، انقلاب على «ابو عجينة» في الانتخابات البلدية، وعلى «ابو طاقية» في الانتخابات الاختيارية، وباسل الحجيري هو رئيس البلدية الآن لا علي الحجيري الذي يتهم تيار المستقبل وآخرين بالتآمر عليه. احد اقربائه يقول «لن نرضى ان يكون كبش محرقة» في اي صفقة او في اي سيناريو حول وضع البلدة.
كثيرون يتهمون «ابو عجينة» بانه هو والشيخ مصطفى الحجيري، من دفعوا بالبلدة الى الاتون السوري.
في كل الاحوال، كان «الانقلاب» على كل الالسن في عرسال، حتى ولو كان الرئيس الجديد من «الجماعة الاسلامية» وبعدما حصل نوع من الانشقاق بين تيار المستقبل في بيروت وتيار المستقبل في البلدة.
في بريتال التي لم يدخلها «حزب الله» انتخابيا من قبل، ربما بسبب «تشابك البنادق»، بدت الصورة مختلفة هذه المرة، الى حد كبير، بالاوراق فقط، بالاصوات فقط، أُخرج الشيخ صبحي الطفيلي من اللعبة؟
انتخابات بعلبك كانت دقيقة وحساسة، منذ البداية، تعليمات قيادة«حزب الله» ان مدينة الشمس يجب ان تكون فوق المعادلات المذهبية، اذا هل ذهب الشيخ نعيم قاسم الى هناك لادارة العملية الانتخابية، وفي ظل الهياكل الرومانية، بشخصية يوليوس قيصر ام بشخصية ابو عمر عبد الرحمن الاوزاعي، الفقيه الشهير وابن المدينة؟
العيون الى الامام، الاحد المقبل في جبل لبنان. النائب وليد جنبلاط في قضاء الشوف بين الصحوة السنية والصحوة المسيحية. بقدر ما هو لاعب تكتيكي، لا تعوزه البراغماتية ابداً، يتكيف بسرعة، وان كان واضحاً ان ظروف عام 2016 هي غير ظروف عام 2010، على الصعيد السني حيث «الجماعة الاسلامية» خططت لتكون فاعلة على الارض، وتتقدم كل القوى الاسلامية، او على الصعيد المسيحي، وحيث التحالف بين عون وجعجع بتأثيرهما الكبير في المنطقة، ومن دير القمر الى الدامور...

ـ المواجهة في جونيه ـ

لكن الحليفين المسيحيين واللذين وصلا، في احيان كثيرة، الى تشكيل ثنائي مسيحي، على غرار الثنائي الشيعي، سيتواجهان في عاصمة المارونية، والمارونية السياسية، جونية بكل تشابكاتها السياسية والعائلية وما شاكل.
اما في جبيل، فلا احد يواجه زياد حواط الذي حول بيبلوس الى«مدينة عالمية» الكل ابعدوا اصابعهم، وحتى قفازاتهم، عن المدينة البعض يقول ان المعارك البلدية في جبل لبنان لا «تطل» فقط على الانتخابات النيابية، بل وعلى الانتخابات الرئاسية، الكثيرون يستذكرون الحلف الثلاثي (كميل شمعون وبيار الجميل وريمون اده) في عام 1968 الذي كسر كل القواعد وكل التدخلات ليوصل ابن الشمال سليمان فرنجية الى سدة الرئاسة. الآن، تغيّرت الصورة كثيراً، الظروف ايضاً، وان حاول عون وجعجع اعادة ذلك «المجد» من خلال ترشيح لا يزال يراوح مكانه لان الرئاسة باتت في مكان آخر...
حتى النائب ميشال المر الذي كان احد طباخي رئاسة الجهمورية، ويومياً في الضوء، لم يعد يظهر الا لماماً. مراقصة السياسة مسألة عادية، مراقصة الزمن عملية عبثية، ابو الياس يشكو الزمن للزمن..