لم يكن عادياً يوم الانتخابات البلدية والاختيارية في محافظة بعلبك – الهرمل التي تخوض الاستحقاق محافظة للمرة الأولى. فالأجواء التي سبقت الثامن من أيار، والتي أوحت أن المعركة التي كان مفترضاً أن تكون إنمائية، ثبت أمس أن السياسية طغت عليها أكثر مما كان متوقعا.
ففي مدينة بعلبك، كانت المنافسة بين ثلاث لوائح: لائحة "حزب الله" التي تحمل اسم "التنمية والوفاء" المكتملة برئاسة العميد المتقاعد حسين علي اللقيس، ولائحة "بعلبك مدينتي" برئاسة رئيس البلدية السابق غالب ياغي، وترك فيها مقعد شاغر، ولائحة "مواطنون ومواطنات في دولة" وتضم ثلاث نساء، إضافة الى ثلاثة مرشحين منفردين.
نسبة الناخبين صباحا كانت ضعيفة جدا في أقلام الشيعة، ويعود السبب الى التباسات في أماكن الأقلام، إذ إن عددا من الناخبين لم يعثروا على أقلام الاقتراع المخصصة لهم، "غفرة، ريش شرقي، ريش غربي، الصلح"، بعد تغيّر مراكزها، مما أدى الى ارتباك.
وجاء المؤتمر الصحافي الاستثنائي لنائب الامين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، ليشكل حافزاً أساسياً للناخبين كي يتوجهوا بكثافة إلى الصناديق، مما رفع نسبة الاقتراع الى 25 في المئة ظهرا، خصوصا في قلم النبي انعام المختلط (سنة وشيعة)، حيث بلغت عند ناخبي السنة 20 في المئة وعند الشيعة 25 في المئة.
في المقابل، كانت أقلام اقتراع السنّة في المدينة تشهد إقبالا واسعا، بلغت نسبته 20 في المئة التاسعة والنصف صباحا.
في حي الريش الشرقي، جلس خمسيني مقارناً بين لائحتين أعطيتا له بالطبع، لا ليختار، كما يقول، بل ليطمئن الى أن لا لوائح ملغومة. ويعلّق: "ثمة لائحة أخذتها على الطريق، وأخرى من أخي". والى جانبه يحمل الثمانيني رفيق لقيس حلمه بالتغيير، ويأتي متكئاً على حفيده الشاب، للاقترع للائحة "بعلبك مدينتي"، ويقول: "انا مع المنيح، أحلى عالم عنا بالبلد وأنا أؤمن بهم".
المجنّسون "الفاعلون" في انتخابات بعلبك مع كل استحقاق انتخابي نيابي أو بلدي كانوا حاضرين في أقلام الاقتراع، والامور كانت تسير بانتظام كلي، رغم أن كثيرين من العجزة وذوي الحاجات الخاصة تعذر عليهم الصعود الى الطبقتين الثانية والثالثة، في مركزي النبي انعام وغفرة والريش شرقي للادلاء بأصواتهم، مما استدعى حملهم اليها. وداخل مركز النبي انعام، تخاطب امرأة المندوبين: "من فضلكن خدوا بالكم من الناس". وما أن تنهي جملتها، حتى يخرج من مركز الاقتراع مندوبان يحملان أحد المعوقين، بعدما أدلى بصوته في الطبقة الثالثة، فتبتسم مرحبة بهذه المبادرة.
وأمام مركز غفرة، ازدادت زحمة المقترعين نظراً الى ضيق مساحة المبنى الداخلي لمدرسة النور، مما سبب ازدحاماً شديداً، اضطر الناخبين الى انتظار دورهم طويلاً في الباحة.
ولوحظ وجود عازل واحد في عدد من الغرف في مركز ريش الشرقي، مما فاقم الازدحام، ودفع الناخبين الى الوقوف في طوابير. ومن المفارقات، أن عدداً من الناخبين وضعوا مظاريف المرشحين الاختياريين داخل صناديق المجالس البلدية.
ومن جهة أخرى، استغل مواطنون انشغال القوى الأمنية بضبط مراكز الانتخابات، وعمدوا الى استحداث ورش بناء ممنوعة ضمن نطاق بعلبك.
بريتال
وفي بريتال، دخل عامل التشطيب أكثر المعارك حماوة، بل "أم المعارك" البعلبكية، إذ أبت العائلات والعلاقات الشخصية إلا أن تسجل حضورها، حيث التنافس بين لائحتين متضادتين سياسيا هما لائحة "التنمية والوفاء لشهداء بريتال" المدعومة من "حزب الله"، ولائحة "إنماء بريتال" التي يترأسها رئيس البلدية عباس زكي اسماعيل القريب من الامين العام السابق لـلحزب الشيخ صبحي الطفيلي والمتحالف مع العائلات. ولكن ذلك لم يمنع العديد من الناخبين من القول إنهم "لم يستطيعوا تخطي المعرفة الشخصية لمرشح ما، حتى وان كان على لائحة منافسة"، فكان التشطيب. فيما اعتبر آخرون أن المعركة في هذا الاستحقاق "مختلفة وتأخذ منحى كسر عظم سياسي بين الفريقين"، اللذين
استحضرا كل عناصر المعركة من التحدي والحضور اللوجيستي للمرشحين وماكينة "حزب الله". لذلك نزل كل طرف باكراً الى أرض المعركة، متسلحا بأعداد كبيرة من أفراد الماكينة الانتخابية الذين تولوا توزيع اللوائح وقسائم البنزين، ونقل المقترعين ولا سيما منهم المجنسين، من القرى المجاورة وبيروت وضواحيها، فاصطفت "الفانات" لافتة أمام المراكز، إضافة الى التمركز في الساحات لمساعدة الناخبين، وخصوصا المسنين، حتى فاق عدد أفراد ماكينة الحزب في أحد مراكز الاقتراع العدد المسموح به قانونا، مما دفع قوى الأمن الداخلي الى مطالبتهم بالمغادرة، وترجم هذا التأهب اقتراب نسبة الاقتراع ضمن المراكز الخمسة من 40 في المئة في جميع أقلام بريتال قبيل الحادية عشرة قبل الظهر، وخصوصا لدى أقلام الإناث، وسط ازدحام شديد واعتراض 1500 ناخب لم ترد اسماؤهم ضمن لوائح الشطب.
يونين ونحلة وشعت
الحضور الأمني كان على مستوى المعركة، وأسدل ستار الانتخابات دون حوادث أمنية تذكر، غير أن الفوضى دبت في مركز بلدة يونين الوحيد، حيث ازدحام وتدخلات من المندوبين داخل الاقلام، والقيام بمهمات هي من صلاحيات رؤساء الاقلام وقوى الامن، بعيدا من أعين المراقبين الذين يبحثون عن مخالفات، مما شكل ضغطا على رؤساء الاقلام ومعاونيهم. كذلك وضعت بوفرة لوائح للمرشحين داخل العازل، وخصوصا في الغرفة الرقم 8 وإحداها باسم المرشح المختار علي رامح درة، فيما تنافس المرشحون خارجاً على استضافة الناخبين وتقديم القهوة المرة اليهم.
أما جارتها نحلة، فموقع مركز الاقتراع الوحيد فيها يقع ضمن أعلى نقطة في البلدة، والوصول اليه يتطلب سلوك طلعة قوية وضيقة، مما أثار استياء الناخبين. ونحلة التي تخوض معركة تنافسية بين الاحزاب والعائلات سادها التشطيب، وشهدت لوائح ملغومة. وليس بعيدا منها في بلدة شعت السنية والشيعية، كانت نسبة اقتراع السنّة أكثر.
تفاوت إقبال المسيحيين
"منازلة" يوم الاستحقاق كانت باردة عند الناخبين المسيحيين في القضاء، حيث تفاوتت المشاركة المسيحية بين أدنى مستوياتها في مدينة بعلبك، حيث بلغت 5 في المئة، نظرا الى تزكية المختارين. وبدت مقبولة في دير الاحمر التي استيقظت باكرا على وقع تحرّك آليات الجيش التي توزعّت في أحيائها، لكنّها لم تجد نفسها مستعجلة للتوجه إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بصوتها، وتأخر فتح أقلام الاقتراع حتى الثامنة والنصف، نظرا الى عدم وجود مندوبين للمرشحين. كذلك في إيعات حيث لم تلحظ أقلام اقتراع المسيحيين حضورا. وسجلت ارتفاعا في القاع ورأس بعلبك التي تميزت بمجيء ناخبيها كافة من بيروت والمناطق.
غرب بعلبك
انتخابات بلدات غرب بعلبك ساخنة، فلكل بلدة خصوصيتها وتقاليدها الانتخابية الملوّنة ببعض المحسوبيات العائلية. وبدا جليا انتظام عناصر ماكينتي "حزب الله" وحركة "أمل" معا، خلافاً للبلدات الاخرى. ونسبة المشاركة فيها حتى العصر راوحت بين 30 في المئة و70 في المئة في بلدات أخرى.
النائب كامل الرفاعي، شدد بعد الإدلاء بصوته في متوسطة بعلبك الرسمية الاولى، على "إنماء مدينة بعلبك والتمسك براية المقاومة وسيدها، والعمل لرفع الغبن والحرمان عن المنطقة".