فوز بطعم الهزيمة. هكذا هي حال تيار المستقبل وفريقه في بيروت. جمع التيار كل حلفائه، وجزءاً كبيراً من خصومه، لخوض معركة في العاصمة. لكنهم جميعاً لم يتمكنوا من حشد اكثر من 20 في المئة من الأصوات. ربح الرئيس سعد الحريري المجلس البلدي في العاصمة، لكنه خسر الناس.
في الكثير من دول العالم، تُعاد الانتخابات امام هذا الإقبال الهزيل الذي عبّر عن رفض 80 في المئة من الناخبين للخيارات المطروحة، أو للنظام الانتخابي برمته. صحيح ان الرئيس سعد الحريري يمكنه أن يفاخر بأن نسبة الاقتراع لم تختلف عن مثيلتها في الانتخابات البلدية عام 2010، إلا أن هذه المفاخرة لا تُخفي استياءه. مقربون منه تحدّثوا عن خيبته من الإقبال الضعيف أمس. فبحسب ماكينته، اقترع من «السنة البيارتة» نحو 55 ألف شخص. ما يعني ان زعامة الحريري، ورغم قيادته الحملة الانتخابية لـ»لائحة البيارتة» بنفسه، تبيّن أن 80 في المئة من أهل العاصمة لا ينجذبون لشعار «المناصفة» الذي رفعه، ولا هم معنيون بالعنوان العنصري الذي حمل لواءه الشيخ سعد ومرشحه لرئاسة البلدية جمال عيتاني، ألا وهو «بيروت لأهلها». كان بمقدور حزب الله «إيذاء» الحريري لو انه حرّك ماكينته يوم الانتخاب، وصبّ كتلة ناخبيه لخصوم «لائحة البيارتة». لكنه لم يفعل. ورغم ذلك، لم يتجاوز تأييد «لائحة السلطة» اكثر من ثلثي المقترعين.
لكن النتيجة تعكس أيضاً أن الاحتجاج على القوى النافذة كبر كثيرا خلال السنوات الماضية، إلا انه ظل موضعياً. وأن خصوم «قوى النظام» ليسوا اكثر من اصوات احتجاجية لا تقدر على التغيير. ففي مقابل «لائحة البيارتة»، تقف لائحتا «بيروت مدينتي»، و»مواطنون ومواطنات في دولة». الأولى كانت صاحبة الحضور الأكبر بين الجمهور، افتراضياً على الأقل. قدّمت نفسها في صورة «ناصعة» وعصرية، مستفيدة من الزخم الذي حظي به الحراك المدني الصيف الماضي. والمفارقة أن النتيجة التي حصدتها أمس بدت كنتيجة الحراك نفسه. وظروف معركة هذه اللائحة كانت ملائمة للغاية لها: قوى اللائحة المنافسة غير متراصة (مثلا، الخلاف القواتي ــ المستقبلي والخلاف العوني ــ العوني وعدم مشاركة حزب الله في «لائحة البيارتة» والموقف الملتبس للنائب وليد جنبلاط)؛ راعي «لائحة السلطة، أي الحريري، لا يملك القدرة على الانفاق الانتخابي كما في السابق؛ المجلس البلدي السابق موغل في «الارتكابات»، وآخرها محاولة تهريب صفقة الرملة البيضاء المشبوهة؛ ازمة النفايات التي أوصلت جماهير القوى التقليدية إلى مرحلة غير مسبوقة من «القرف» والاحتجاج لم تُحل بعد، فروائح النفايات لا تزال تصل إلى منازل سكان العاصمة والضواحي، رغم رفع «الزبالة» من الشوارع. يُضاف إلى ذلك أن التكتيك الذي اعتمدته لائحة «بيروت مدينتي» كان يهدف إلى عدم استفزاز الكتل الطائفية والسياسية الكبيرة، من خلال تجنّب الكلام السياسي الصريح. فعلى سبيل المثال، تعمّد البرنامج الانتخابي للائحة «المجتمع المدني» عدم الإشارة إلى شركة «سوليدير»، لا من قريب ولا من بعيد، رغم ان هذا البرنامج مبني في الجزء الأساسي منه على «التخطيط المدني» للعاصمة. ورغم ما تقدّم، لم تتمكّن «بيروت مدينتي» من الوصول إلى عقل الجمهور العريض وقلبه، مع كل الدعم الإعلامي الذي تلقته. «المجتمع المدني»، بكل نسخه، عاجز عن مخاطبة الناس. ثمة فئة من الجمهور تقبل بهذا «المجتمع» متحدّثاً باسمها في قضايا جزئية، لكنها لا ترى فيه قائداً لها أو ممثلاً سياسياً لها.
بدورها، بدت لائحة «مواطنون ومواطنات في دولة»، كـ»رئيسها» شربل نحاس، «حالة شغب» في وجه النظام.
تبقى عبرة أساسية من انتخابات بيروت أمس، سترفضها قوى نظام ما بعد الطائف أو ستتجاهلها: فضلاً عن أن نجاح مؤسسات الدولة في تنفيذ الاستحقاق، صار بحد ذاته حجة على السلطة نفسها التي تمنع الانتخابات النيابية، فإن نتائج الجولة الاولى من الانتخابات المحلية، تظهر مرة جديدة عقم النظام الاكثري في الانتخابات العامة، وضرورة الذهاب جدياً نحو النظام النسبي، بدل صراخ السياسيين وتأنيبهم الجمهور بسبب عدم إقباله على الاقتراع؛ إلا إذا كان ضعف المشاركة في التصويت في العاصمة امس تعبيراً عن استسلام المواطنين للامر الواقع أكثر منه مظهراً من مظاهر لامبالاتهم بالانتخابات.
خارج بيروت، كانت زحلة الاختبار الاول للتحالف الجديد بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. وكانت النتيجة ايجابية لهذا التحالف. لكن خسارة لائحة الزعامة المحلية التقليدية المتمثلة بآل سكاف، لن تقفل بيتاً، كما ان نسب الاصوات الكبيرة التي حصلت عليها لائحة آل فتوش لن تنقل الراية من منزل الى آخر.
في بقية البقاع، لم تظهر مفاجآت، لكن تصويتا لافتا في الهرمل، اعطى اشارة قوية عن مواقف قواعد حزب الله من الترشيحات المفروضة عليه، تمثل بإسقاط ابرز الوجوه البلدية هناك مصطفى طه، بينما ثبت الحزب المعادلة في وجه محاولات الشيخ صبحي الطفيلي «التسلل» من بريتال.