ورقة التوت سقطت.. أين قانون الانتخاب؟
الانتخابات البلدية التي جرت امس دون تفاعلات او انفجارات او حتى هزات امنية، اثبتت ان الحيثيات التي تم الاستناد اليها للتمديد للمجلس النيابي مرتين، لجهة هشاشة الوضع الامني واحتمالاته لم تكن واقعية ولا منطقية.
حتى عرسال التي طالما ننظر اليها على انها «مركز الانفجار» شهدت، في ظل الاجراءات الامنية، انتخابات هادئة، بل وفي منتهى الهدوء، حتى ان وزير الداخلية نهاد المشنوق قال ان «احلى قلم اقتراع رأيته كان الذي ذهبت اليه في عرسال».
ولائحة «البيارتة» التي هي عبارة عن كوكتيل يضم ممثلين لكل الاحزاب فازت بكل اعضائها، مع فارق ضخم بينها وبين «بيروت مدينتي»، حتى ان احد اعضاء اللائحة الفائزة لم يتورع عن وصف اللوائح المنافسة بـ «الاكسسورات»
هذا لا يحجب نقطة الضعف في ذلك الفوز اذ ان عدد المقترعين بقي دون الـ 18 في المئة وهو ما افسح في المجال للمناوئىن القول ان اكثرية اهل بيروت انتقموا من الطبقة السياسية التي عجزت حتى عن معالجة النفايات التي تكدست في المدينة وحولت حياة سكانها الى جحيم.
وما ان عرفت ارقام بعض اقلام الاقتراع التي اظهرت الفارق الكبير مع اللائحة المنافسة حتى توجه عدد من الشبان الذين حملوا اعلام تيار المستقبل الى «بيت الوسط» حيث استقبلهم الحريري بالتأكيد «اننا ابتداء من الغد سنبدأ العمل لصالح بيروت».
وكان تعليق من النائب وليد جنبلاط الذي قال «ليس المهم الانتصار انما المهم ماذا بعد» ملاحظا ان «الحفل جميل ولكن كما يقولون راحت السكرة وجاءت الفكرة».
وكان جنبلاط قد علق بالقول «حتى الشيخ سعد غير مقتنع بلائحة البيارتة» قبل ان يغرد عبر تويتر بعبارة «بيروت البيارتة خلصونا طلعوا النتيجة وروحوا ناموا».
في زحلة بقيت الارقام تلعب حتى منتصف الليل تقريبا، وميريام سكاف التي تدعم لائحة «زحلة الامانة» صرحت بأن النتائج الاولية ايجابية قبل ان تبدأ الارقام بالتدهور لمصلحة لائحة الاحزاب بعد فرز نحو 50 قلما من اصل 114 قلما وكان الفارق بألوف الاصوات.
وفي كل الاحوال لم تظهر النتائج النهائىة حتى الثانية بعد منتصف الليل وان كانت مصادر «القوات اللبنانية» قد اكدت ان لائحة الاحزاب يمكن ان تفوز بالمقاعد الـ 21 اذا ما بقيت الارقام في التصاعد.
والواقع ان البانوراما الانتخابية في مدينة زحلة بدت امس مشوشة جدا لينعكس ذلك مساء اي بعد اقفال اقلام الاقتراع والمباشرة في الفرز وقبل ان تبدأ التظاهرة السيارة للائحة «انماء زحلة» في شوارع المدينة.
كما لم تظهر النتائج في بلدة رياق وحوش حالا حيث المنافسة بين لائحة «حزب الله» ولائحة «امل» فيما فازت لائحة الحزب بكامل اعضائها الـ15 في بلدة علي النهري برئاسة رئىس البلدية الحالي احمد المذبوح.
وفي بلدة ايعات فازت لائحة غازي عبد الساتر في مواجهة لائحة «حزب الله».
وفي بلدة النبي شيت فازت لائحة «بلدتي امانتي» المدعومة من «حزب الله» وحركة «أمل».
وفي بلدة راشيا، اعلنت ماكينة الحزب التقدمي الاشتراكي فوز لائحة الحزب على لائحة زياد شبلي العريان بفارق 500 صوت.
وفي عيناتا فازت لائحة ميشال نصر رحمة بـ8 أعضاء ليفوز بالمقعد التاسع وائل رحمة من اللائحة المنافسة. كما فازت بلدة برقا اللائحة المدعومة من «القوات اللبنانية» برئاسة غسان جعجع.

ـ بسرعة السلحفاة ـ

وكانت الانتخابات في بيروت تسير بسرعة السلحفاة، قلق كبير في بيت الوسط من ان تبقى نسبة المقترعين دون الـ20 في المئة، وان كان الرئيس سعد الحريري قد تجاوز بسهولة التداعيات السياسية والاعلامية والشعبية لنسبة المقترعين في بيروت في انتخابات عام 2010 حين توقفت عند 18 في المئة.
واذا كانت اوساط تيار المستقبل تتحدث عن عدم وجود اي علاقة بين الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية، فان معارضي التيار يشيرون الى ان الحريري نفسه من اضفى البعد السياسي على انتخابات الأمس وبذل جهوداً شاقة من اجل استقطاب الناخبين، من خلال التركيز على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين التي كان يراهن عليها لحمل الناخبين المسيحيين على التوجه، بكثافة الى صناديق الاقتراع.
ضآلة الاقبال في بيروت صدمت رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع الذي وصف النسبة بانها غير مقبولة، داعياً الناخبين الى تأدية واجبهم في صناديق الاقتراع، ولكن لتبدو لا مبالاة اكثر من ثلاثة ارباع ناخبي العاصمة، وكأنها رسالة الى الطبقة السياسية التي اغرقت المدينة في القمامة لاشهر طويلة، فيما الخلافات بينها جعلت القصر الجمهوري فارغاً ولمدة سنتين قابلتين للاستمرار الى ما شاء الله وما شاءت القوى الاقليمية.
لكن جعجع، الفخور بكونه لبنانياً كما قال لأنه بالرغم من الظروف الدراماتيكية في المنطقة، تشهد البلاد انتخابات بلدية، بدا قلقا من المشهد الانتخابي في مدينة زحلة حيث بدت لائحة الاحزاب المسيحية (التيار الوطني الحر و«القوات اللبنانية» والكتائب) في مواجهة مزدوجة مع ميريام سكاف، ارملة الوزير الراحل الياس سكاف، والنائب نقولا فتوش.

ـ اتركوا كأس العرق ـ

ودعا رئىس «القوات» الزحليين الى «ترك كأس العرق» والتوجه الى مراكز الاقتراع.
وعكس مدى القلق ان عناصر من «القوات» قرعت الاجراس في بعض من كنائس المدينة لحمل الناخبين على التصويت، ودون التوقف عن توجيه الاتهام الى سكاف وفتوش بشراء الاصوات، وهو الامر الذي نفاه وزير الداخلية نهاد المشنوق.
وتعتبر «عروس البقاع» وعاصمة الكثلكة في المشرق، منطقة بالغة الحيوية بالنسبة الى «القوات اللبنانية» التي تتمثل فيها بـ3 نواب من اصل 7 نواب، وان كان تيار المستقبل، حيث الكتلة السنية «الهائلة» في قضاء زحلة، من اوصل الثلاثة الى ساحة النجمة حين كان شهر العسل في ذروته بين الحريري وجعجع.
وقد بلغ التوتر العصبي حد التضارب بين انصار لائحة الاحزاب ومنافسيهم، ودون ان يتجاوز العنف هذا المستوى، مع انتشار كثيف للقوى العسكرية والامنية في سائر المناطق كما في مناطق بيروت.

ـ عون: النسبة السيئة ـ

واعتبر رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون والذي يشارك في لائحة الاحزاب (البيارتة) ان نسبة المقترعين سيئة جداً بالنسبة الي انا شخصياً ايضاً، معتبراً انه ايا تكن خيارات الناس عليهم التوجه الى صناديق الاقتراع، على الاقل حتى نتعرف على آرائهم.

ـ سلام: لحظة وطنية ـ

وكان رئىس الحكومة تمام سلام قد ادلى بصوته قبل الظهر، مشدداً على «انها لحظة وطنية بامتياز تتجسد فيها الممارسة الديموقراطية للشعب اللبناني».
ورأى «ان الانتخابات البلدية في صلب نظامنا الديموقراطي، على ان تكون الخطوة المقبلة في انتخاب رئيس للجمهورية».

ـ خطأ الحريري ـ

كما ادلى الحريري بصوته، وقد اخطأ خلال عملية الاقتراع اذ وضع لائحة المختارين في الصندوق المخصص للبلدية، واعتبر صوته لاغياً بالنسبة الى المختارين.
وفي هذا السياق، اكد «ان هذا اليوم عرس لبيروت ويوم ديموقراطي بامتياز» مشيرا الى ان «هذه الانتخابات سياسية وانمائىة» واملا في «ان تفتح الباب للانتخابات الرئاسية والنيابية».
وفي تغريدة للنائب وليد جنبلاط عبر تويتر قال «حتى الشيخ سعد غير مقتنع بلائحة «البيارتة»، سأل «متى سينتخب صادق خان في بيروت» في اشارة الى فوز هذا الاخير وهو باكستاني برئاسة عمدة مدينة لندن.

ـ توضيح «حزب الله» ـ

الى ذلك اوضح نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم ان الحزب شكل لوائح في 57 بلدة في البقاع مع وجود استثناء في مدينة زحلة حيث رغبنا في ان ندعم حلفاءنا وهم التيار الوطني الحر ولائحة الكتلة الشعبية برئاسته (والحقيقة انها مدعومة من السيدة ميريام سكاف)، وكذلك اللائحة التي اسسها الوزير نقولا فتوش».
اضاف «ولكن بما ان اللوائح الثلاث موجودة ولم يكن بالامكان التوفيق بين هؤلاء الحلفاء ارتأينا الا نعطي حليفا واحدا ونحرم الحلفاء الاخرين. ولذا اخترنا من اللوائح الثلاث ما يترتب عليه ان ندعم حلفاءنا الثلاثة، بالطريقة «التي نعتبر فيها اننا شكلنا لائحة من شركائنا».

ـ مفاجأة عرسال ـ

واذا كانت الاوساط المسؤولة قد توقعت ان يكون الاقبال على صناديق الاقتراع في بلدة عرسال محدودا فوجئت بكثافة الناخبين الذين رفع بعضهم شعار«اشتقنا للدولة» او «اشتقنا للبنان» والذين اكدوا ان بلدتهم «غير محتلة» لا من مسلحي الجرود ولا من المئة ألف نازح سوري الذين ينتشرون في ارجائها.
وتنافست 3 لوائح في عرسال الاولى برئاسة رئىس البلدية الحالي علي محمد الحجيري والثانية برئاسة رئىس البلدية الاسبق باسل الحجيري، والثالثة برئاسة حسين رشيد الحجيري، والعائلة انقسمت الى ثلاث واختلط الحابل بالنابل.
وكانت لافتة نسبة الاقتراع في بلدة عنجر الارمنية وحيث تجاوزت الـ 70 في المئة.

ـ الارمن: سندويشات وقبل ـ

ولوحظ ان المتنافسين في هذه المدينة التي بنيت لاستضافة الارمن الوافدين من تركيا والذين عملوا على تطويرها لتغدو مدينة سياحية بامتياز، كانوا يتبادلون الازهار واحيانا السندويشات والقبل.
واذ اشار الخبراء في الانتخابات الى ان من الصعب جدا تحقيق اي اختراق للائحة «البيارتة» بالرغم من انخفاض نسبة المقترعين، استقطبت مدينة زحلة الكثير من الاهتمام، والى حد القول ان معركة زحلة تحدد مسار رئاسة الجمهورية حتى اذا ما سقطت لائحة الاحزاب ولم يثبت تفاهم عون - جعجع فاعلية في اكبر مدينة مسيحية في لبنان لا بد ان يتراجع موقف الثنائي بالنسبة للسيناريو الذي يعتمدانه حيال الاستحقاق الرئاسي.
اما بالنسبة الى «حزب الله» فقد بدت معركة بعلبك وكذلك معركة بريتال وحيث معقل الشيخ صبحي الطفيلي اختبارا لقدرة الحزب على ادارة العملية الانتخابية لا سيما وان هناك من يأخذ على بعض من ادار هذه العملية تجاوز العائلات وفرض لوائح حتى ان هناك بلدات يخوض فيها انصار في الحزب المعركة ضد اعضاء اخرين (علي النهري مثلا).
واللافت هو انفكاك الثنائي الشيعي في بلدة رياق - حوش حالا حيث دعم الحزب لائحة برئاسة رئىس البلدية الحالي جان معكرون الذي ينتمي الى عائلة كاثوليكية كبيرة في البلدة فيما دعمت حركة «امل» لائحة برئاسة ابراهيم فليحان، وهو ماروني.