على رغم كل الكلام، يمكن ان تشكل المرحلة الاولى من الانتخابات البلدية والاختيارية مفتاحاً لاستحقاقات أخرى مؤجلة أبرزها الانتخابات الرئاسية ثم النيابية، فان هذا التفاؤل يذهب هباء بعدما تبين ان السلطة السياسية مررت استحقاقاً ينفس الاحتقان ويعيد اظهار وجه من وجوه الديموقراطية التي تضمحل شيئاً فشيئاً، لكنه لا يبدل كثيراً في موازين القوى، ذلك أن للعوامل العائلية والعشائرية والمصلحية الضيقة أثرها البارز في الاختيار على الصعيد البلدي الذي تتراجع فيه الخيارات السياسية الى حدها الادنى. أما الانتخابات الرئاسية فصارت مرتبطة بارتباط الافرقاء بصراعات المنطقة والمحاور وحسابات الدول ومصالحها، ومثلها الانتخابات النيابية التي أراح تأجيلها النواب من الاعباء المعنوية والمادية للاستحقاق في ظل الازمات المالية والعسكرية التي يعانيها اكثر من طرف.
لكن الاكيد ان اجراء الاستحقاق الانتخابي، الاول منذ ست سنوات، اسقط كل الذرائع التي أفضت الى تمديدين لمجلس النواب لتعذر اجراء الانتخابات صادق عليهما المجلس الدستوري، علماً ان الظروف لم تتبدل مذذاك. أما الحماوة الانتخابية التي لم توحد "متحالفين" في اكثر من منطقة، فلم تتمكن من حشد الناخبين أمام مراكز الاقتراع، وخصوصاً في بيروت التي عجزت اللائحتان المتنافستان ("البيارتة" و"بيروت مدينتي") عن جذب اعداد اضافية من المقترعين يتجاوز عددهم في جولات سابقة. واذا كانت زحلة شهدت أم المعارك، فان تعداد المقترعين كشف مدى "قرف" الناس من تلك "الحروب العبثية" على حد قول مواطنين عبروا عن ارائهم وقرروا عدم المشاركة، في مقابل مشكلة المجنسين المتجددة والتي تطل برأسها عند كل منعطف انتخابي. أضف بروز العامل الشيعي الاكثر تأثيراً في المواجهات ان في بيروت، أم في زحلة حيث اعتمد "حزب الله" توزيع اصواته على اللوائح الثلاث المتنافسة، في سابقة حاول من خلالها ارضاء الجميع من دون استعداء احد، فيما حسمت "حركة أمل" خيارها الى جانب اللائحة التي يدعمها النائب نقولا فتوش، في انفصال عن الحزب، وهو المشهد الذي سيتكرر في الانتخابات النيابية الفرعية في جزين حيث يدعم الحزب مرشح "التيار الوطني الحر" فيما تدعم الحركة المرشح بيار سمير عازار.
واعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق ان "المرحلة الاولى من الانتخابات تمت بخير وسلام بنسبة عالية جداً والاهم ان الانتخابات تمت في موعدها واللبنانيون أثبتوا انهم يستحقون الديموقراطية والحرية يحافظون عليها ويحترمونها في كل المناطق اللبنانية وانهم جاهزون للاستحقاقات المقبلة بالانتخابات الرئاسية وبعدها بالانتخابات النيابية".
واستبق المشنوق اجتماع اللجان النيابية المشتركة اليوم، والتي تبحث في قانون جديد للانتخابات النيابية يؤمل منه اجراء الاستحقاق المؤجل فأكد ان "الانتخابات الاولى التي يجب ان تجري في لبنان لاكتمال النصاب السياسي للنظام اللبناني هي رئاسة الجمهورية وبعدها تتم الانتخابات النيابية واي كلام آخر هو لفتح مشكلة وليس لتحقيق النتيجة".

بيروت
في العاصمة، فازت لائحة "البيارتة" ليس بعدد الاصوات وانما بحيازتها المقاعد الـ 24 استناداً الى مصادرها من دون أي خرق من اللائحة المنافسة التي نالت تعاطفاً جماهيرياً لم يتجسد في صناديق الاقتراع. وبدا مؤيدو لائحة "البيارتة" غير متحمسين للمشاركة لثقتهم بفوزها الاكيد، فيما تخاذل المتعاطفون مع اللائحة الاخرى لاعتقادهم أن فوزها مستحيل. واعتبرت "وكالة الصحافة الفرنسية" في تقرير لها ان "بيروت مدينتي" تعد نموذجاً جديداً من نوعه في لبنان يتحدى الاصطفافات السياسية والطائفية. وفي عداد مرشحي اللائحة المخرجة نادين لبكي التي أحرزت جوائز عدة عن افلامها التي تحاكي الواقع اللبناني ومشاكله الاجتماعية وذاكرة الحرب، والمغني والمؤلف الموسيقي المعروف أحمد قعبور، ورئيس تعاونية صيادي السمك في عين المريسة نجيب الديك. وقد خاضت الانتخابات على أساس برنامج مستوحى من حركة الاحتجاج المدنية التي شهدتها بيروت الصيف الماضي على خلفية ازمة النفايات التي اغرقت شوارع العاصمة وضواحيها".
وقد احتفل انصار "البيارتة" ليل أمس في محيط "بيت الوسط" حيث شاركهم الرئيس سعد الحريري والتقط معهم الصور التذكارية. ونقلت أوساطه استياءه من حجم المشاركة في بيروت.

 

زحلة
اما زحلة، فاختلط فيها حابل العائلات بنابل الاحزاب والمال السياسي، وتداخلت كل العوامل لترسم صورة غامضة عن مسار العملية استمرت الى ساعة متقدمة من الليل. وتبودلت الشائعات عن النتائج وضجت بها المواقع الالكترونية للاحزاب. ونامت عروس البقاع و"دار السلام" على ضيم ضياع قرارها بين أهلها والداخلين عليها والمال السياسي الذي حاول تجيير قرار المدينة. وتوقعت مصادر متابعة ان ألا تنتهي عملية فرز الاصوات قبل الفجر. لكن الاكيد ان الاحزاب المسيحية لم تتمكن متحالفة من نيل الاكثرية المطلقة في المدينة بعدما كانت ادعت وجود تأييد مسيحي نسبته 86 في المئة لاتفاق عون - جعجع، اذ بدا ان الكتلة الشعبية والنائب نقولا فتوش يملكان في المدينة ما يوازي الاحزاب مجتمعة. وفي الساعة الاولى بعد منتصف الليل اطفأت الماكينة الانتخابية لفتوش محركاتها في انتظار نتائج الصباح. واياً تكن النتائج فان الاكيد ان زحلة خرجت مشلعة من تلك المنازلة.