عادة ما تكون معاناة اللبنانيين كبيرة خلال بحثهم عن أماكن لركن سياراتهم في العاصمة اللبنانية بيروت، وخصوصاً مع انتشار مئات العوائق الحديدية بصورة مُخالفة للقانون. وفي وقت تُحاول بلدية بيروت إزالتها، يبدو لافتاً سرعة تثبيتها من جديد.
قرر هاني، المُقيم في أحد أحياء العاصمة شراء مطرقة كبيرة، بعدما تحول النزاع مع جاره على موقف للسيارة أمام المبنى الذي يقطنان فيه، إلى حدث شبه يومي. ولا يكاد الجار ينتهي من صب الإسمنت ووضع عائق حديدي مُزود بقفل في المساحة الفارغة لحجزها لسيارته، حتى يبادر هاني إلى كسرها رفضاً لـ "محاولة جاري اللدود الاستحواذ على هذه المساحة بشكل غير قانوني وغير أخلاقي". أما الجار الذي يتابع إغلاق عشرات الطرقات الرئيسية والفرعية في بيروت، في ظل حجز المسؤولين الرسميين أماكن عدة لركن سياراتهم بصورة غير قانونية، فلا يجد أي مانع لتقليدهم.
إلا أن المشكلة تكاد تكون أكبر من تأمين موقف سيارة أو حل نزاع بين هاني وجاره. فقد أدت الأوضاع الأمنية الاستثنائية التي شهدها لبنان خلال السنوات الثلاث الماضية، إلى تشديد الإجراءات الأمنية في محيط المقار الرسمية والثكنات العسكرية، وتعزيز الحواجز الأمنية الثابتة. وتعد هذه الإجراءات منطقية لمكافحة خطر السيارات المُفخخة والانتحاريين. إلا أن هذه الإجراءات امتدت أيضاً إلى المقار الحزبية والأحياء الضيقة، لتأخذ شكل الأمن الذاتي، بصرف النظر عن جدية التهديد الذي يطاول المناطق والمراكز، أو ما إذا كان موجوداً أصلاً.
وفوجئ أحد الشبان الجامعيين بتلقي اتصال هاتفي من أحد مراكز قوى الأمن الداخلي، للاستعلام عن سيارته أثناء زيارته صديقاً له، بعد اشتباه أحد سكان الحي بالسيارة كونها "غريبة"، علماً أنه قد حجزت عشرات الأماكن لركن السيارات بحجة الوضع الأمني. حتى أن القوى الأمنية رفعت سيارة أحد المرشحين للإنتخابات البلدية في العاصمة بيروت، بسبب زيارة مسؤول سياسي داعم للائحة منافسة إلى المنطقة.
كذلك، خسر اللبنانيون مئات الأماكن لركن سياراتهم نتيجة وضع عوائق حديدية أمام المدارس والجامعات والفنادق ومراكز التسوق، التي انتقلت للاعتماد على خدمة "الفاليه باركينغ" التي تقدمها شركات خاصة. علماً أن غالبية هذه الشركات لا تلتزم بالتعرفة الرسمية التي حددتها بلدية بيروت لبدل الوقوف، والتي تتفاوت ما بين 2500 ليرة للمواقف المكشوفة، وستة آلاف ليرة للمواقف المسقوفة طوال اليوم. على سبيل المثال، تتجاوز كلفة ركن السيارة في منطقة الأسواق التجارية في بيروت (المعروفة بوسط بيروت) خمسة آلاف ليرة للساعة الواحدة.
من جهة أخرى، تلقت إحدى المواطنات، التي اعتادت تسليم سيارتها لموظفي "الفاليه باركينغ"، إشعارات بمخالفات تجاوزت قيمتها الـ 600 دولار، بسبب ركن سيارتها في أماكن مُخالفة. وبعد مراجعة الأجهزة الأمنية، تبين أن موظفي شركات "الفاليه" يركنون السيارات بشكل مخالف للقانون، ويرمون ضبط المُخالفة الذي يضعه الشرطي على زجاج السيارة. ووجدت نفسها مضطرة إلى دفع الغرامات المالية قبل المباشرة برفع دعوى ضد مجهول لتحصيل حقها.
في السياق، يشير رئيس بلدية بيروت بلال حمد إلى اقتصار حجز مواقف السيارات على جانبي الطريق بالصيدليات والأشخاص المعوقين ومخاتير المناطق، لافتاً إلى أن كل حجز لا يشمل هذه الفئات يكون مخالفاً للقانون. ويؤكد أن إزالة عناصر الشرطة البلدية للعوائق الموضوعة على جوانب الطرقات، وطلب المؤازرة من قوى الأمن الداخلي في كثير من الأحيان. ولا ينفي حمد عودة الكثير من العوائق إلى أماكنها بعد انتهاء حملات المُكافحة، مبرراً ذلك بـ "انتشار ظاهرة التشبيح". في المقابل، يؤكد اعتماد حلول منهجية للتخفيف من أزمة السير في شوارع بيروت، علماً أن "ركن السيارات بشكل مُخالف يعد سبباً رئيسياً لها".
انتفاء المانع الأمني
عملت بلدية بيروت على التواصل مع وزارة الداخلية لإزالة بعض العوائق الإسمنتية حول أحد الفنادق الكبيرة في المدينة، بعد "انتفاء المانع الأمني"، بحسب رئيسها بلال حمد. يضيف أن البلدية تعمل على توسيع نطاق عمل خدمة "الباركميتر" (الوقوف لعدد محدد من الساعات مقابل بدل مادي) لتشمل مناطق جديدة في بيروت والكورنيش البحري، بهدف الحد من المشكلة. وهو ما عارضته حملات الحراك المدني والشعبي التي عمد ناشطوها لتعطيل أجهزة "الباركميتر" التي حاول أحد المُتعهدين وضعها على الكورنيش البحري للعاصمة.
(العربي الجديد)