تناول السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، في مداخلته أمام هيئة دعم المقاومة، ثلاثة مواضيع رئيسية. الأول يتعلق بالوضع الإقليمي الملتهب في أكثر من بلد عربي، وهذا ما سأحاول السجال حوله، ذلك أنّ الموضوع الثاني يتعلق بالشغور الرئاسي في لبنان منذ عامين مضيا، وقد أعلن السيد أن لا جديد تحت الشمس في هذا الموضوع، أو مكانك تُحمدي أو تستريحي. والموضوع الثالث هو الاستحقاق الانتخابي البلدي، والكلام حوله لا يُقدّم ولا يؤخّر، فشؤون الانتخابات البلدية مرسومة مسبقا، ومُقدّرة بقدرة قادر.
بالعودة إلى الموضوع الأول المتعلق بموقع حزب الله من الصراعات الإقليمية المحتدمة: كان الإمام الراحل روح الله الخميني، يرى أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي الشيطان الأكبر،وظلّت هذه الدعوة شائعة وصالحة حتى وقت قريب، أي قبل الاتفاق النووي الإيراني الأميركي، أمّا الشياطين الصغار في المنطقة القريبة والمحيطة بإيران فيمكن معالجتها والتصدي لها، فلطالما هدّد الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد بإزالة إسرائيل من الوجود( إذا اقتضى الأمر)، أمّا المملكة العربية السعودية فالعلاقات معها تحكمها "هبّة سخنة وهبّة باردة" حسب مقتضيات الصراع مع الاستكبار العالمي، وعلى رأسه الشيطان الأكبر بالطبع.
اليوم إيران، عقدت حلفاً مع الشيطان الأكبر، ذلك أنّه لا بدّ من المكر مع الشياطين، ويمكرون ويمكر الله، وهو خير الماكرين. وإيران بجمهوريتها الإسلامية في حالة اشتباك ضارٍ في أكثر من بلد عربي، من اليمن إلى السعودية ،فالعراق فسوريا فلبنان، وهي تُدير لعبة معقّدة وخطرة، تتشابك فيها المصالح الظرفية، والخطط الاستراتيجية، مع التلاعبات الدينية والمذهبية. ويشغل حزب الله في هذه الدوامة، دوراً محوريا هاما، على الاقل في ساحتين رئيسيّتين هما لبنان وسوريا، وقد يمتد ذلك حتى قلب الحدث العراقي المأزوم. أمّا السجال مع السيد حسن نصر الله اليوم، فيتركّز على عودته مرارا وتكرارا إلى السياسة العربية السعودية في المنطقة، فهي اليوم في نظره بمرتبة الشيطان الأكبر، بعد أن هبطت درجة الشيطنة عند الولايات المتحدة الأميركية، والسعودية، ومعها إسرائيل وأميركا طبعا، هي التي تسعى للإطاحة بأهم موقع للمقاومة، وهو سوريا، وسوريا دائما هي سوريا الأسد، ذلك أنّ سوريا في نظر السيد، ونظر إيران طبعا، لا تستطيع أن تُنجب مقاومين وممانعين يخلفون آل الأسد، والعربية السعودية تحاصر حزب الله( المقاوم لإسرائيل) بغضّ النظر عن تدخله العسكري في سوريا! بتهم مختلفة، من الإرهاب إلى الإجرام والعربية السعودية تمدُّ التكفيريين في سوريا والعراق، بالمال والسلاح، بما في ذلك داعش، الموضوع على لائحة الإرهاب عند السعوديين.
كل هذا من الممكن التحليل والنقاش فيه سلبا وإيجاباً، تأييدا ورفضاً، أمّا أن يوكل السيد لحزبه أدواراً مُضخّمة لا يمكن أن يتحملها حزبٌ كحزب الله، ولا طائفة كالطائفة الشيعية، ولا دولة كلبنان، فالسيد يزُجّ الحزب، فضلا عن التدخل العسكري في سوريا، في مواجهة مفتوحة مع العالم العربي والإسلامي بزعامة السعودية ومعها مصر وتركيا وباكستان والخليج العربي، وعندما يزعم السيد أنّه يتصدّى لهذا العالم الإسلامي السُّني المترامي الأطراف، بحجة أنّه تكفيري، أو مناهض للمقاومة، فهو يقع في بعض"المعاندات"، حتى لا نقول "مغالطات" فالجيش السوري ليس هو من منع داعش والنصرة وسائر الفصائل المقاتلة من اجتياح دمشق ( مع التحفظ على دور داعش دائما، والتي لها أكثر من صلة وعلاقة بالنظام)، الذي منع ذلك الاجتياح هو المدد الإيراني والروسي، وتدخل حزب الله العسكري بقوة، والاسطول الجوي الروسي، وطلعات التحالف الجوية ضد داعش لأكثر من عام في العراق وسوريا.
ما نرغب في قوله يا سيد، رعاك الله، مع رجاء إصابة الحقّ واجتناب الباطل، أنّنا طائفة محدودة العدد، مُقيّدة المجال الجغرافي والسياسي، ولا يمكن لها أن تستمر في مواجهة العالم العربي باعتباره داعش والنصرة، العالم العربي، زاخر بالقوى العروبية الاصيلة والمنفتحة على حضارة العصر،وزاخر بالقوى العلمانيةالحية، والقوى الإسلامية الوسطىية والمعتدلة، وهو عالم ليس رديفا للإرهاب، وليس علينا كشيعة، وتحت أيّة حجة، بما فيها مقاومة إسرائيل، تغيير طبيعة هذا العالم، وإملاء خياراتنا عليه، ولا تستقيم أمور المقاومة (ضد إسرائيل طبعا) مع الطغاة والمستبدين الذين يجلبون الغزاة، ولا مع المتاجرين بقضايا الأمّة، وعلى رأسها قضية فلسطين، فسوريا اليوم، والواقعة في أحضان إيران، والمرتهنة لروسيا، ليست سوريا جبهة الصمود والتصدي، ليست سوريا البعث أيام كان البعث بعث الوحدة والحرية والاشتراكية، وأمةٌ عربية واحدة، ذات رسالة خالدة،حتى أنّ بشار الأسد، بشار المجازر، بشار الكيماوي، لا يشبه حافظ الأسد ، حافظ حرب تشرين، والمعترض على زيارة السادات للقدس المحتلة.
وأخيرا، هذا سجال لا بُدّ منه، مع أمين عام حزب تضخّمت أدواره حتى بلغت حدّ الانفجار، وحبذا لو أنّ "مرتا" التي تهتم بشؤون كثيرة، تهتم بشأن واحد: دعم الدولة اللبنانية، والحفاظ على كيانها ونظامها وسيادتها، فهي ملاذنا الأول والأخير، وهي التي تردُّ عنّا غائلة التكفيريين وغائلة استباحة الحدود، وغائلة الطامعين، وغائلة المجازر، التي نراها بأُمّ العين، فحلب الشهباء على مرمى حجر منّا .