الرئيس سعد الحريري خائف من الانتخابات في بيروت. يُفاجئ مقرّبون منه سامعيهم بهذه العبارة، قبل أن يضيفوا: «كان قلقاً من الانتخابات البلدية في كل لبنان». أحواله في السعودية ليست على ما يُرام، بحسب ما بات معلوماً. هو سياسياً متروك كما مالياً. هذا السبب الذي انعكس شحّاً في لبنان دفعه إلى خيار التسوية، حيث يستطيع، من البقاع إلى الشمال فإقليم الخروب، وصولاً إلى بيروت.
فحيث لم يتمكّن من إرساء توافق مع حلفائه أو حتى خصومه، انسحب من المعركة وأعلن الحياد (برجا، سعدنايل، جب جنين...)، إلا حيث فُرِضَت عليه فرضاً، كما في صيدا. قلقه في بيروت ناجم من عدة أمور. «لا خَيل عنده يهديها ولا مال». ومجلس بلديته الحالي، أثبت فشلاً ذريعاً في إحداث تغيير ولو طفيف في حياة سكان العاصمة المستمرين بالنزوح عنها. ولم ينجح المجلس سوى في تبديد أموال دافعي الضرائب، في صفقات عقارية حاول أن يتوّجها بصفقة الرملة البيضاء المخزية. ولم يجد الحريري «لهفة» من البيارتة، تدفعه إلى الاطمئنان إلى النتيجة.
عونيّو بيروت «يتمرّدون» بعدما رشّح صحناوي راسباً في الانتخابات الحزبية إلى المخترة
بعض المقرّبين منه يحذّرون: فانخفاض التصويت لدى الناخبين السنّة والشيعة الذين لا يرون في العاصمة معركة تعنيهم، سيمكّن الذين ينافسون «لائحة البيارتة» من جمع نسبة أصوات تُحرِج الحريري، ولو لم يتمكنوا من الاختراق. ويشير مقرّبون من رئيس تيار المستقبل إلى وجود جيل شاب لم تعد الشعارات الحريرية تغريه. يُضاف إلى ذلك أن الرجل اعتاد خوض معاركه السياسية منذ عام 2005، إما تحت شعار «مواجهة قتلة رفيق الحريري»، أو في وجه حزب الله والتيار الوطني الحر. فقد الرئيس السابق هذه الأسلحة في معركته الحالية، بعدما اختار أحد حلفاء «القتلة» أنفسهم لرئاسة الجمهورية، وتحالف مع التيار الوطني الحر في «لائحة البيارتة». كذلك أفقده حزب الله سلاح مواجهته، بعدم خوض الانتخابات البلدية في العاصمة، فضلاً عن تحالف الحزب مع «المستقبل» في لوائح المرشحين للمقاعد الاختيارية في عدد من أحياء بيروت. خلاصة الأمر أن الحريري يخوض معركة لا خصم له فيها، بالمعنى الذي اعتاده طوال السنوات العشر الماضية. فريق العمل اللصيق بـ»الشيخ سعد» لا يخشى اختراقاً للائحة «البيارتة». لكن عينه على النسبة التي ستسجلها اللوائح الأخرى. ومن هنا، يبدي الحريريون اهتماماً بنسبة تصويت مناصري الاحزاب المسيحية المتحالفة معهم. فبرأيهم أن الرأي العام غير الحزبي سينحاز إلى لائحتي «بيروت مدينتي» و»مواطنون ومواطنات في دولة» (الوزير السابق شربل نحاس)، إما اقتناعاً، وإما تعبيراً عن القرف من أحوال المدينة، وخاصة في الأشهر الماضية وما شهدته من روائح فساد ونفايات. أما الحزبيون، فلا يبدون حماسة للمشاركة. وماكيناتهم لم تُظهر إمكانات تعبوية تتيح لهم دفع عشرات الآلاف إلى صناديق الاقتراع يوم الاحد المقبل.
وما يخشى منه الحريري بدأ بالظهور فعلاً. فعونيّو بيروت فجّروا «قنبلة» في وجه وزير الاتصالات السابق نقولا صحناوي، المفاوض الرئيسي عن التيار الوطني الحر في الانتخابات البلدية والاختيارية في العاصمة. بعث هؤلاء، بحسب مصادرهم، برسالة الى رئيس حزبهم الوزير جبران باسيل، يبلغونه فيها عدم التزامهم باللوائح الرسمية في بيروت. واستندوا في ذلك إلى كلام باسيل خلال مؤتمره الصحافي الأخير (أول من أمس) الذي دعا فيه الى انتخاب العونيين أينما وجدوا. وعليه «ستمنح الهيئة وقسم من شباب التيار أصواتهم للعونيين أينما وجدوا، أكان ذلك في لائحة «بيروت مدينتي» أو في اللائحة التي يقودها الوزير السابق شربل نحاس». وهو ما سيتسبّب في تشتيت إضافي للأصوات البرتقالية غير الراضية، أكان ذلك بسبب التوافق مع تيار المستقبل على لائحة البلدية ورمي كل المعارك الاصلاحية السابقة ضد ما يمثله الحريريون جانباً، أو بسبب الأحادية التي اعتمدت في انتقاء الأسماء. ويتّهم المعترضون صحناوي «بالاستفراد في تسمية المرشحين إلى المقاعد الاختيارية، رغم الاتفاق المسبق على أن يشاور صحناوي هيئة التيار في بيروت لاختيار الأسماء، بعد توصله إلى صيغة نهائية مع مختلف الأحزاب بشأن حصة العونيين»، تقول مصادر التيار. وزادت نقمة المعترضين لأن صحناوي سمّى فادي ناكوزي عن المقعد الاختياري في الرميل، «وتجاهله مطلبنا منذ الدقيقة الأولى بتسمية الاعلامي إيلي نصار». ومشكلتهم أن ناكوزي هو أحد المرشحين الذين دعمهم صحناوي في الانتخابات الحزبية في بيروت قبل أشهر، ولم يفز. ما جرى أمس في أروقة التيار الوطني الحر في بيروت بدا أشبه بحركة تمرّد، سيكون المتضرر الاول منها ـــ في حال عدم تداركها اليوم وغداً ـــ الحريري المهتم بالنتيجة التي ستحققها لائحته.
ضربة أخرى، وإن أقل إيلاماً، تلقّاها الحريري أمس. فمدير مكتب حليف الحريري، رئيس مجلس إدارة سوسييتيه جنرال أنطون صحناوي، أعلن مقاطعة الانتخابات البلدية والاختيارية. والسبب بحسب مدير مكتب صحناوي، ميشال جبور، أن «الأشرفية دأبت على خوض المعركة الاختيارية وفق أجواء عائلية، إلا أن الأحزاب التي سبق أن استعملت سلاحها الحربي في الأشرفية، تلغينا اليوم بسلاح السياسة». وأضاف جبور لـ»الأخبار» أن «محدلة الأحزاب الستة دفعتنا الى مقاطعة انتخابات المخاتير، ولكن لن نسحب مرشحينا حتى لا نساهم في إنجاح لائحتهم بالتزكية. هدفنا إيصال رسالة عبر نسبة الاقتراع التي ستتدنى بشكل ملحوظ عن عام 2010 حين اقترع نحو 17860 ناخباً في الأشرفية». موقفنا الرسمي سيصدر خلال مؤتمر نعقده يوم غد في فندق «لو غبرايل»: «لنا الحق نحن عائلات الأشرفية في أن نرفض توافق الأحزاب علينا، فهؤلاء لم يدخلوا منطقة إلا وعاثوا فيها فساداً».
ما تقدّم لا يعني بالضرورة أن لائحة الحريري ستُخترق، لكن الوقائع هذه المرة لا تجعله مطمئناً.