بماذا أسرّ ذلك السفير الذي يرى، ويسمع، ما لا يراه وما لا يسمعه، الآخرون في اذن مرجعية سياسية؟ «اذا كنتم تراهنون على تسوية اقليمية وشيكة من اجل فكفكة أزماتكم، فعليكم تغيير هذا الرهان لأن الصراع الاقليمي سيتصاعد أكثر فأكثر في المرحلة المقبلة، وسترون ما هو اسوأ بكثير».
السفير أضاف «لا ريب ان رئيس المجلس النيابي عندكم نبيه بري يمتلك فائضاً من النوايا السليمة، والحس السليم، في مقولته حول التفاهم السعودي - الايراني، اما ما يوضع من سيناريوات سواء في الرياض أم في طهران، فينبئ بأن السعوديين يعملون على تعبئة كل امكاناتهم في الاقليم لمطاردة الايرانيين، كما ان الايرانيين خبراء في هذا المجال».
ومعلومات السفير تقول «ان السعوديين يعتبرون ان الايرانيين استنزفوا كل طاقتهم، والدليل ان قاسم سليماني ذهب الى موسكو لاطلاق صيحة استغاثة بأن دمشق ستقع في أيدي «داعش» و«النصرة»، مستجلباً السوخوي لكي تعيد ترتيب خارطة القوى على الارض، ولكن في نطاق يتيح للنظام ان يبقى واقفاً على ساق واحدة».
ويقول السعوديون عن انفسهم انهم لم يستنزفوا سوى القليل القليل من امكاناتهم، وهم في انطلاقة استراتيجية متعددة الوجوه، وستكون لها تداعياتها في المدى القصير كما في المدى البعيد.
ويشير السفير الى ان الايرانيين يقرون بأن الضغوط التي مورست على واشنطن عقب توقيع الاتفاق النووي جعلت المردود الاستراتيجي، بما فيه المردود الاقتصادي بطبيعة الحال، محدودا للغاية، ودون أن يكون بالامكان العودة الى ما قبل فيينا.
غير ان الايرانيين الذين لا تنقصهم الحنكة بأي حال، والذين يعرفون الكثير عن خفايا (ونقاط الضعف) لدى انظمة المنطقة، يرون ان السعوديين انما يلعبون على حافة الهاوية.
وهم يعتبرون ان خطة ولي ولي العهد الامير محمد بن سلمان هي خطة على الورق أعدها خبراء دوليون يتعاملون مع الأرقام بصورة مجردة، ودون اي اعتبار للوقائع المعقدة، بل وللوقائع الهائلة، ان في المنطقة أو في المملكة «حيث راقصو العراضة يحاولون ان يرقصوا الروك اند رول».
السفير اضاف ان هناك قوى دولية تدفع باتجاه ان يبقى الصراع بين السعودية وايران في وتيرة متصاعدة، السعوديون واثقون من انكفاء الايرانيين، ووقف تدخلاتهم في المنطقة، وهي التدخلات التي، في نظرهم، تجاوزت كل الحدود، دون ان يكون هناك من نتائج سوى الخراب، خراب حلفائهم بالدرجة الاولى، بما في ذلك «حزب الله» الذي أين هو الآن في لبنان كما في المنطقة؟
وتبعاً لما قاله السفير، فان السعوديين الذين يحاولون، وفي سرعة قياسية، اقامة شبكة من العلاقات تمتد الى العمق الآسيوي وربما الى العمق الافريقي، يعتمدون على ثنائية المال والايديولوجيا، لكن هذه الشبكة تحتاج الى ادارة تتقن لعبة القرن، وهذا ما لا تستطيع المملكة الاضطلاع به بسبب طبيعة النظام وتخوفه من اي خطوات باتجاه التحديث على انه الوجه الآخر للانتحار.
ولا يستبعد السفير ان يظهر الايرانيون شراسة أكبر في المرحلة المقبلة، يتهمون السعودية بأنها عملت على خطين متوازيين، اقامة علاقات وثيقة، وصلت الى حد العلاقات الاستثمارية، مع عدد من اركان اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وفتح قنوات التواصل، بل والتنسيق، مع اسرائيل دون ان يقتصر ذلك على القطاع الاستخباراتي، الايرانيون يتحدثون عن وضع قواعد للتعاون الاستراتيجي.
ما نقله السفير يتقاطع مع معطيات ومؤشرات تعكس مدى حدة الصراع في المنطقة، وهناك بلدان خليجية تبدي مخاوف حقيقية، وعميقة، من نتائج ما يجري او ما يتم الاعداد له باعتبار ان لدى المنطقة قابلية هائلة للانفجار، ومن الافضل مقاربة التفاهم بين واشنطن وموسكو حول تفكيك ازمات المنطقة، وتكريس «ثقافة التسويات» بصورة «عملية وبناءة».
والواقع ان ما يتناهى الى كبار المسؤولين اللبنانيين من مصادر عربية وأجنبية، لا يشي بأن ادارة الأزمة تعني النوم على حرير. السعوديون سيستخدمون كل الطرق، وكل الساحات، لـ«المطاردة»، والايرانيون سيستخدمون كل الطرق، وكل الساحات، للمواجهة.
هذا يجعل الامور تأخذ منحى درامياً، ودون ان تكون هناك اي آليات لضبط الايقاع، خصوصاً مع تصاعد المناخ الانتخابي في الولايات المتحدة، او تحول باراك اوباما أكثر فأكثر الى بطة عرجاء...
ثمة من يلعب في الوقت الاميركي الضائع، وفي لبنان يوجد من يحذر من التداعيات الخطيرة، وبعدما بدا واضحا ان الاتجاه هو نحو تأجيل كل الملفات الى الادارة الاميركية المقبلة، لكن السؤال الذي يطرح لبنانياً، واقليمياً، هو ماذا سيحدث خلال الأشهر المتبقية من ادارة اوباما.

المظلة الوحيدة للبنان

والمثير ان يقال ان لبنان، وقبل اسرائيل هو المعني اكثر من غيره بمن سيتربع على عرش الولايات المتحدة كونها المظلة الوحيدة للبنان، فماذا اذا حصل اي خلل او اي تبدل في هذه المظلة؟
حتى الآن، واشنطن راضية عن الاداء الداخلي في لبنان، ولنتصور ان الانتخابات البلدية اثارت الارتياح لدى القائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز، اذ ان اجراء هذه الانتخابات التي يتقاطع فيها الانمائي مع السياسي، دليل على ان بعض اهل السياسة يبالغون كثيراً حين يقولون ان الجمهورية في حالة الموت السريري...
اما كيفية الانتقال من الانتخابات البلدية الى الانتخابات الرئاسية، فهذا شأن آخر.
في كل الأحوال، من يرصد كلام الديبلوماسيين العرب والاجانب في هذه الأيام يلاحظ ان ثمة فريقاً يشدد على التوقعات السوداوية والخطيرة، وفريقاً اخر يعتبر ان طرفي الصراع اكتشفا انهما يخوضان حرباً او حروباً عبثية، ولن تأتي بنتيجة.
والأهم ان جون كيري وسيرغي لافروف باتا يتكلمان لغة واحدة، وانهما ينظران الى تنظيم الدولة الاسلامية على انه «العدو المشترك» الذي لم يهبط من المريخ بل انه نتاج اوضاع في المنطقة تتطلب ازالتها ازالة انظمة ضاربة في العمق، وهذا ليس بالامر الوارد لأن البديل، حتماً هو أبو بكر البغدادي.
قرار واشنطن وموسكو تحقيق أشياء على الارض قبل الخريف المقبل. الصيف الحار قد يكون حاراً عسكرياً او حاراً ديبلوماسياً، هذا يرتبط بمدى تجاوب الأطراف الخارجية والداخلية، ولكن ما يستشف من تصريحات كيري ولافروف يؤكد العزم على اختراق المراوحة الدموية الراهنة.

ابراهيم: جرس الانذار

هذا لا يحد من القلق لدى كبار المسؤولين اللبنانيين، المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم الذي دق جرس الانذار يعرف الأصول جيداً، لا يمكن ان يقول ما قاله الا اذا كان وزير الداخلية نهاد المشنوق في الجو، وكذلك الرئيس تمام سلام.
ليس أمراً عادياً ان يقول رجل تتكدس أمامه المعلومات والتقارير «ان المشهد اللبناني أصبح حافلاً بالمخاطر التي تحاصر وطننا من كل الجهات، ليشير الى ان الامور تنتقل من المهزلة الى المأساة.
اعتبر ان الشكل الحالي للواقع الداخلي ليس الانسب، ولا الاجدى للخروج من دائرة الخطر بل الاسوأ على الاطلاق، لانه سيزيد من الاكلاف الامنية والسياسية والانسانية والاقتصادية على الجميع ومن دون استثناء.
اللواء ابراهيم لفت الى ان المؤسسة العسكرية والمؤسسات الامنية، لن تتمكن من الاستمرار في تنفيذ ما هو مفترض ومأمول، ومنتظر منها، اذا لم تستقر الحياة السياسية على رؤية وطنية جامعة يندرج في متنها التكويني الثقافي الديموقراطي للبنانيين جميعاً.
الا يتقاطع هذا الكلام مع ما ورد في حديث السفير اياه «ان القلق والخطر وطبول الحرب التي تقوم في المنطقة جعلت المشهد اللبناني يستعيد الكثير من العناوين الجوهرية للصراعات التي وضعته سابقاً، وتضعه حاليا في دائرة الخطر الوجودي».

الانتخابات البلدية

الكلام لا يمكن ان يكون عادياً على هذا المستوى من الحساسية، وحين يصدر عن مدير عام جهاز امني يضطلع بدور فعال في حماية الامن القومي، لكن الانتخابات البلدية جعلت اهل السياسة يتخلون عن التراشق اليومي لينهمكوا في قياس احجامهم من خلال تلك الانتخابات التي قد تكون عبارة عن لوحة سريالية لان القوى السياسية تأتلف في مكان وتتصارع في مكان اخر وقد تهرب ايضا الى الحياد حين تعجز عن تعليب بلدة ما او عن اللعب بها.
بعد 48 ساعة انتخابات بيروت والبقاع، بما في ذلك محافظة بعلبك - الهرمل، الدعوات تقال وتتلاحق في العاصمة لمنع التشطيب بعدما سرت شائعات كثيرة حول «اجتماعات الليل» وما يصدر عنها من مقررات سرية، الرئيس سعد الحريري نام اول امس قرير العين بعدما بلغه ان الجنرال ميشال عون الذي حصل على حصة الاسد بين مختاري الاشرفية والمدور والصيفي والرميل. قرر سحب تهديده بالانسحاب من لائحة «البيارتة».

ارضاء عون باي ثمن

وكان هناك دعوات لارضاء عون بأي ثمن لان الوضع النفسي والطائفي بالغ الهشاشة، ولا بد للتشطيب ان حصل ان يكسر المناصفة اذا ما اخذت بالاعتبار الافعال وردات الفعل.
اما كيف يمكن ان يتم انتزاع الناخبين من اسرتهم، فقد كان هناك تعليق ساخر لاحد نواب العاصمة «هل المطلوب منا ان نجول بهيفاء وهبي على مراكز الاقتراع او ان نحمل على رؤوسنا صواني الكنافة؟
صباح الاثنين سيكون يوم آخر في مدينة زحلة، ايا كان المنتصر فان الخسارة ستكون قاتلة، والمطران عصام درويش الذي لا يريد ان يقفل بيتاً في جارة الوادي او ان يأخذ الصراع الداخلي منحى «تراجيدياً» يأمل بان تتوزع المقاعد بين اللوائح الثلاث على اساس ثلاث سبعات. المطران سيمضي ليل السبت/الاحد وهو يصلي من اجل ذلك حتى لا يكون هناك خاسر. الجميع رابحون..
المسألة تحتاج الى معجزة..