بمناسبة الذكرى السنوية الهجرية لرحيل المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله(رضوان الله عليه* والتي تصادف تكريم السيد جعفر مرتضى كتب الأستاذ أيمن رجاء النخلي/الاحساء ... {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}[القلم: 1- 2].
إنَّ جهاد القلم وكلمة الحقّ هو من أعظم الجهاد إذا كان في سبيل إيقاظ الأمّة الإسلاميّة لتحمّل مسؤوليّاتها، ونشر الوعي الحركيّ ووعي الواقع للمسلمين. إنّ المجاهدين في سبيل الله، والّذين ينشرون الوعي للنّاس لكي يأخذوا بالأسباب الصّحيحة لنصرة الإسلام وإقامة الدّين، هم أفضل المجاهدين، ولعلّ مكانهم في الجنّة يكون إلى جوار رسول الله المصطفى، وكذلك كان إدريس(ع)، إذ رفعه الله مكاناً عليّاً، وكذلك كانت حركة الإمام الحسين الّتي كانت لإيقاظ الأمّة وإصلاحها.
إنّ جهاد الوعي وهداية النّاس هو من أفضل الجهاد وأصعبه، وقليل من المؤمنين هم من يتصدّون لمثل هذا الجهاد بأقوالهم وأعمالهم ويجودون بأنفسهم، والّذين لا يخشون تهديد الأعداء أو الدّول الكبرى، ولا يخشون خذلان الأولياء لإقامة الدّين، والّذين لا تأخذهم في الله لومة لائم، وأولئك هم المفلحون.
فالجهاد لتوحيد صفوف الأمّة الإسلاميّة وإخائها وتوجيهها نحو العمل على تحرير المسجد الأقصى، ولكي يعي المسلمون ما يحاك لهم من مشاريع استعماريّة لاستغلال ثرواتهم وقدراتهم، هو من أعظم الأعمال.
الاتهام بالضّلال
ولقد اتّهم السيّد فضل الله في حياته بأنّه ضالّ مضلّ، رغم اجتهاده وحرصه وعمله المضني على هداية النّاس وإنقاذ المسلمين من اعتداءات الصّهاينة، ومواجهته لكلّ الفتن ومحاولات تفرقة المسلمين وصرفهم عن قضاياهم الكبرى والحقيقيّة.
إنّ الّذين لا يملكون مشاريع نهضويّة، والّذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله، هم الّذين يتّهمون المؤمنين العاملين بالجنون أو الضّلال أو الفساد، أوَما يعلمون أنّ الله رقيبٌ على ما يقولون، وأنّ الله هو الأعلم بالضالّين عن سبيله أو المهتدين {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.
الحذر من نزغ الشّيطان
يجب على المصلحين في الأرض ألا يلتفتوا إلى مثيري الفتن والتّهم، حتى لا ينصرفوا عن أعمالهم الجليلة في إصلاح الأرض وهداية النّاس، لأنّ الالتفات إليهم والتّدافع معهم، هو من ألوان الغضب المذموم، وهو من نزغ الشّيطان الذي نهى عنه المولى عزّ وجلّ: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ}.
فالمؤمنون يجب أن يكونوا على درجة عالية من التّقوى، فهم لا يرقبون النّاس بأعمالهم، بل يجب أن يراقبوا الله عزّ وجلّ، لعلّه يتقبل منهم إنّ الله هو الرّحيمُ الغفور.
فيجب على المؤمنين أن يكونوا ثابتين على الحقّ وألا يثنيهم التفاف النّاس حولهم أو تفرّقهم عنهم.
صفات أعداء المصلحين
من صفات أعداء الشّخصيّات الرّساليّة والمصلحين في الأرض، أنّ أعداءهم لا يملكون إلا إثارة الفتن والإرجاف في الأرض، فهم يفتنون النّاس عن الحقّ، ألا في الفتنة سقطوا{فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}.
ومن صفات أعداء المصلحين، أنهم كثيرو الشّتم والهمز والنّميمة لإسقاط المؤمنين، بينما المؤمن لا يجب أن يكون لسانه رطباً من السبّ والهمز والنّميمة، حتى مع أعداء الدّين، فما بال المسلمين؟!
إنّ الشّتم والهمز والنّميمة هي من الخصال السيّئة والدّنيئة التي يجب أن يبتعد عنها المؤمنون، وهي من صفات المفتونين {هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ}.
فهم يعملون جاهدين على تشويه صورة المؤمنين العاملين عن طريق النّميمة والبهتان، وهذه الصّفات من أسوأ الصفات الإنسانيّة، وهي تدلّ على عدم امتلاك أصحابها لأيّ مشروعٍ نهضويّ، وإنما ما يحرّكهم هو الحسد على ما أتى الله المؤمنين من فضله، إنّ الله واسع النّعمة وهو العزيز القدير.
إنّ المفتونين يصدّون النّاس عن الخير العميم الّذي يتفضّل به الله على النّاس عن طريق المصلحين الذين يعملون على إصلاح الأرض، فمن صفاتهم أنهم يصدّون النّاس عن الخير، بل إنّ أعمالهم همز ونميمة هي عين الإثم والاعتداء. {مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}.
...وهم، من جهةٍ، يندهشون مما يصدر عن المؤمنين من خيرٍ وعلم، ومن جهةٍ أخرى، يتّهمون المؤمنين بالجنون {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}.
إنّ العقاب الإلهيّ للّذين يعملون السيّئات المنكرة كالنّميمة والشّتم والاعتداء، هو أن يكذبوا المؤمنين السّالكين لطريق الحقّ ويستهزئوا بهم، فهم لا يضلّون بهذه الأعمال إلا أنفسهم وما يشعرون.
?ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون? ]الروم: آية 10[.
لقد أدّى الرّسالة
لقد أدّى السيّد المجاهد محمد حسين فضل الله ـ يرحمه الله ـ واجبه ورسالته على أكمل وجه، فدعا المسلمين إلى وحدة الصّفّ، وإلى مقاومة المشروع الصّهيو أمريكيّ في المنطقة، لينال المسلمون عزّتهم.
فلقد أدّى رسالته وأعذر لله، فكان حجّةً لله في الأرض، وعلى المسلمين أن يتحمّلوا مسؤوليّاتهم. ولعلّ الله قبضه إليه رحمةً به، ولكي لا يتحمّل أكثر من آلام المصائب التي تحدث، والتي سوف تحدث أيضاً في فلسطين، لكي يعود المسلمون إلى أنفسهم، ولا يتّهموا غير تقصيرهم، إنّ الله حكيمٌ خبير.