حامت ظلال كثيفة من الشكّ حول الجهة الحقيقية التي وقفت خلف الهجوم الدامي بسيارتين مفخختين والذي ضرب مدينة السماوة بجنوب العراق مخلّفا عشرات الضحايا بين قتلى وجرحى، كون العملية التي تبناها تنظيم داعش استهدفت إحدى أكثر محافظات العراق أمنا، وبعدا عن بؤر التوتر ومسارح المواجهة ضدّ التنظيم.

وما أثار الشكوك حول العملية وأهدافها الحقيقية تزامنها مع أزمة سياسية طاحنة وصراع شرس بين فرقاء يمتلك أغلبهم قدرا كبيرا من النفوذ السياسي والمالي، ولا يفتقرون للأذرع العسكرية ممثلة بالميليشيات المسلّحة.

وبدا شقّ من هؤلاء الفرقاء متجاوَزا بالأحداث المتسارعة والاختلاط الكبير في المشهد السياسي بسبب تحرّكات الزعيم الشيعي مقتدى الصدر والتي بدأت تشكّل تهديدا جدّيا لكبار خصومه داخل العائلة السياسية الشيعية ذاتها وعلى رأسهم زعيم حزب الدعوة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي. وملخّص الشكوك بشأن تفجيري السماوة، وأيضا تواتر التفجيرات الدامية في العاصمة بغداد، أنّ من مصلحة بعض فرقاء العملية السياسية في العراق خلط الأوراق عبر إرباك الوضع الأمني لوقف الحراك المطالب بالإصلاح والذي وصل حدّ المطالبة بتغيير جذري لا يستثني إقالة الرئاسات الثلاث؛ الحكومة والبرلمان والجمهورية.

وعلى مدار فصول الأزمة الراهنة لم تنقطع أطراف سياسية عراقية من التحذير بأن الحراك الاحتجاجي المطالب بالإصلاح ينطوي على مخاطر أمنية ويهدّد الجهد الحربي ضدّ تنظيم داعش.

وأثار تلك الشكوك بوضوح النائب البرلماني عن محافظة المثنى علي المرشدي بقوله إنّ معلومات مؤكدة تفيد بأن عربات تابعة لجهة أمنية رافقت السيارتين الملغومتين اللتين انفجرتا الأحد الماضي قرب مرآب للسيارات في السماوة، مطالبا في بيان “رئيس مجلس الوزراء بتشكيل لجنة عليا للتحقيق وكشف ملابسات الحادثة”.

وقال النائب المنتمي لكتلة بدر النيابية “إن هذه المعلومات خطيرة ولا بد من تحقيق فوري عالي المستوى وكشف المتعاونين مع الإرهاب وتقديمهم للقضاء لينالوا أقصى العقوبات وفق القانون والدستور”.

وبدا كلام النائب على درجة من الجدّية بحيث استدعى ردّ وزير الدفاع خالد العبيدي الذي وعد بتشكيل لجنة للتحقيق بالانفجارين، فيما نفى محافظ المثنى فالح الزيادي مرافقة أي عربات أمنية للسيارتين المفخختين اللتين انفجرتا بالمحافظة. وقال العبيدي في مؤتمر صحافي عقده الأربعاء في مبنى محافظة المثنى إنه “سيتم تشكيل لجنة للتحقيق بالانفجارين ومحاسبة المقصرين مهما تبلغ رتبهم بدون استثناء وسيتم تشكيل فرقة عسكرية لتعزيز الأمن في المحافظة”.

وكان 36 شخصا قتلوا، فيما أصيب 86 آخرون بانفجار سيارتين مفخختين قرب مرآب مخصص لسيارات النقل من السماوة باتجاه مدن عراقية أخرى.

ويظلّ استخدام الورقة الأمنية في الصراع السياسي بالعراق الذي يعرف فوضى سلاح غير مسبوقة وتفشيا لظاهرة التشكيلات المسلّحة غير النظامية، أمرا وارد الحدوث باعتبار المعركة على السلطة تمثّل لدى بعض كبار الرموز والقادة “معركة حياة أو موت”، لا تعني الهزيمة فيها، فقط، ظفر ألدّ خصومهم بهم وتصفية الحساب معهم بطريقة قد تكون قاسية، ولكنها قد تعني أيضا وقوعهم تحت طائلة المحاسبة القضائية في جرائم كبيرة وقضايا فساد متراكمة طيلة سنوات بقائهم في السلطة.

وكان أوضح تحذير من إمكانية تحوّل الصراع السياسي بين فرقاء العائلة السياسية الشيعية في العراق، إلى نزاع مسلّح قد صدر منذ أيام عن السفير الأميركي السابق في سوريا، والخبير بشؤون العالم العربي روبرت فورد الذي اعتبر أنّ حادثة اقتحام البرلمان العراقي من قبل أتباع مقتدى الصدر السبت الماضي قد تلعب دورا هاما في “إشعال فتيل صراع مسلح بين الجماعات الشيعية”.

ونقلت وكالة الأناضول عن فورد قوله أيضا إن “التصعيد الأخير يحمل بعدين محتملين وهما: الأول نشوء نزاع، قد يكون مسلحا، بين العناصر الشيعية العراقية الموالية للصدر، وتلك الداعمة لرئيس الوزراء السابق، نوري المالكي. والثاني اندلاع صراع محتمل بين جماعات مسلحة مدعومة من قبل إيران، وأنصار مقتدى الصدر”.

 

صحيفة العرب