فرضت الانتخابات البلدية والاختيارية إيقاعها على مختلف المناطق في البقاع الذي سيكون الاحد المقبل على موعد مع هذا الاستحقاق، الى جانب بيروت، وسط استنفار عائلي وحزبي تفاوتت درجاته بين مدينة واخرى، وبلدة وأخرى، تبعاً للخصوصية الديموغرافية لكل منها.
وعلى مسافة أيام قليلة من فتح صناديق الاقتراع، بدت الصورة الإجمالية للمناطق البقاعية على الشكل الآتي:
- معركة ضارية متوقعة في زحلة وسط فرز ربما يكون الأوضح بين الأطراف السياسية.
- منافسة رمزية في بعلبك بين لائحة تحالف «حزب الله» ـ «حركة أمل»، واللائحة المضادة.
- معركة إثبات الهوية في عرسال التي ستكون أصوات أبنائها في صناديق الاقتراع بمثابة صرخة رفض موجهة ضد الجماعات المسلحة.
- منافسة متعددة الأبعاد والخلطات في البقاع الأوسط.
أم المعارك
تستعد القوى الأساسية في زحلة للمواجهة البلدية الأحد المقبل، وكأنها مسألة حياة أو موت.
حرب نفسية، اتهامات متبادلة، شائعات كثيفة، تعبئة قصوى، احتفالات مسبقة بالفوز، وكلام حول أدوار للمال والأجهزة الأمنية والسفارات الأجنبية والصفقات السياسية في المعركة التي ستدور بين لوائح «زحلة الأمانة» المدعومة من رئيسة «الكتلة الشعبية» ميريام سكاف، و «زحلة تستحق» التي يدعمها النائب نقولا فتوش، و «إنماء زحلة» التي يدعمها تحالف الأحزاب المسيحية وتضم 16 مرشحاً حزبياً إضافة الى 3 مرشحين سماهم رئيس اللائحة أسعد زغيب، أما المقعد الشيعي فبقيَ شاغراً إثر انسحاب علي الخطيب.
وفيما تردد أن «حزب الله» سيوزع أصواته على مرشحي «التيار الوطني الحر» وفتوش وسكاف، تروّج «القوات اللبنانية» أن «تيار المستقبل» سيترك الحرية لناخبيه بعد زيارة سمير جعجع للرئيس سعد الحريري، بينما تؤكد أوساط أخرى أن «المستقبل» سيدعم لائحة سكاف.
وتقول مصادر لائحة «الكتلة الشعبية» إنه لم يحصل أن حوربت الكتلة في زحلة كما يحصل حالياً، مشيرة الى أن «الجميع باتوا ضدنا والتقوا على السعي الى تحجيم السيدة سكاف في هذا التوقيت، لئلا تكرّس الانتخابات البلدية زعامتها في زحلة». لكن المصادر أشارت الى أن الحملة التي تتعرض لها سكاف ولّدت نوعاً من التعاطف معها، خصوصا أنها تحمل لواء حماية القرار الإنمائي والسياسي في زحلة من خطر مصادرته وتجييره الى خارج المدينة.
وتعتبر هذه المصادر أن لائحة الأحزاب تعاني من نقاط ضعف عدة، من بينها الخلاف على موقع نائب الرئيس، وأزمة الثقة الصامتة بين مكوّناتها، وخشية كل طرف من أن يلجأ شريكه الى تشطيبه لتحجيم قوته ربطاً بحسابات الانتخابات النيابية المقبلة.
في المقابل، تؤكد أوساط «التيار الوطني الحر» أن لائحة الأحزاب هي الأقوى وستنجح بالتأكيد، على الرغم من محاولات التشويش التي تتعرض لها من خلال استهدافها بالشائعات.
وتتهم هذه الأوساط السيدة ميريام سكاف بأنها أعادت إدخال الرئيس سعد الحريري الى زحلة عبر النافذة، بعدما خرج منها من الباب، وتنفي ما يروّج له الخصوم حول تشطيب سيتم بين «التيار الحر» و «القوات» و «الكتائب»، وترى أن المعركة البلدية في زحلة ليست إنمائية فقط، بل اكتسبت بعداً سياسياً كذلك، كونها أصبحت معركة الاتفاق المسيحي في مواجهة المتضررين منه.
وفي سياق متصل، يؤكد مصدر مسؤول في «القوات اللبنانية» أن المصالحة مع «التيار الحر» انعكست تلقائياً على زحلة باعتبارها مدينة ذات أكثرية مسيحية، ويستغرب «المنطق الإقطاعي الذي يروّج له البعض على قاعدة محاولة اختزال زحلة واحتكار النطق باسمها، وصولا الى التعامل مع أبنائها كأنهم زبائن وأتباع، في حين ان الاحزاب التي يتم تصويرها كجسم غريب هي التي دافعت عن المدينة وقدمت التضحيات من أجلها عندما تعرّضت للتهديد، في وقت كان الآخرون يتموضعون في موقع آخر، لا يخفى على أحد».
ويشير المصدر الى أن الانتخابات البلدية معنية أساسا بالقرار الإنمائي، أما القرار السياسي فتحدده الانتخابات النيابية التي كانت نتائجها واضحة في المرة السابقة، وبالتالي لا مبرر للخلط بين الأمرين وللترويج بأن المرجعيات الحزبية تريد أن تهيمن سياسيا على زحلة عبر البلدية.
أما مؤيدو لائحة موسى فتوش (شقيق النائب نقولا فتوش)، فيجزمون بأن النجاح سيحالفها، ويرى أحد الناشطين في الحملة الانتخابية للائحة أن عنصر القوة الذي تستند اليه يكمن في مروحة الخدمات التي قُدمت الى أبناء زحلة على مدى عقود، وفي وقوف العائلات العريقة الى جانبها. ويستغرب «كيف أن سكاف تخوض معركتها باسم التصدي لمحاولة الأحزاب مصادرة قرار المدينة، في حين انها تتعاون مع «تيار المستقبل» الذي يقدم لها الدعم بأكثر من طريقة».
ويشدد داعمو لائحة فتوش على أنه «لا يحق لعون وجعجع تركيب مجلس بلدي بـ «الريموت كونترول»، عن بُعد، ومعطياتنا تفيد بأن التشطيب سيفعل فعله في صفوف تحالف الأحزاب».
وتذهب شخصية متحمسة للائحة فتوش بعيدا في تحليلاتها، مؤكدة «ان هناك حرباً كونية على زحلة وأن السفارات الأميركية والفرنسية والسعودية دخلت على خط المعركة، لتنفيذ مشروع توطين النازحين السوريين في زحلة».

البقاع الأوسط

أتمت قرى البقاع الأوسط تحضيراتها لمعاركها المتنوعة على طول خط بلدياتها التي تشهد حرارة سياسية وعائلية وحزبية.
تحت تسميات متنوعة تهرول بلديات البقاع الأوسط الى «حتفها البلدي» بكثير من التعصب العائلي والمذهبي والطائفي والحزبي والسياسي.
وتكفلت المنافسات المحتدمة بحصول شرخ كبير بين العائلات، وحتى ضمن أبناء الحزب الواحد والبيت الواحد كما هي الحال في بلدة علي النهري حيث تتنافس لائحتان، الأولى تحظى بدعم التحالف الثنائي الشيعي ويرأسها الرئيس الحالي أحمد مصطفى المذبوح، وتواجهها لائحة اختارت إطلاق تسمية عائلات المقاومة على لائحتها التي يرأسها العميد المتقاعد محمد الفوعاني.
كما أدت هذه المنازلات الشرسة الى كسر التحالف الثنائي الشيعي في بلدتي حارة الفيكاني ورياق حيث يتواجه «حزب الله» و «حركة أمل» في لوائح متعددة في هاتين البلدتين.
الحياد العلني يطبقه «تيار المستقبل» في مجدل عنجر وبر الياس وقب الياس وتعلبايا وبوارج ومكسة، أما في سعدنايل التي يطلق عليها بلدة العروبة، فتشهد تحركاً يقوم به زياد الحمصي ـ الذي اعترف بعمالته لإسرائيل وأدين من المحكمة العسكرية - لدعم إحدى اللوائح البلدية في مواجهة الرئيس الحالي خليل الشحيمي المدعوم ضمناً من «المستقبل».
وتحمل منازلة قب الياس نكهة طائفية، ومحورها لائحتان: الأولى يترأسها الرئيس الحالي الدكتور درغام توما الذي ينتمي الى الطائفة المسيحية، والثانية يترأسها جهاد المعلم الذي ينتمي الى الطائفة السنية.
ولم تمنع علاقات توما الوثيقة مع «المستقبل»، إضافة الى البطاقة الشيوعية الحزبية التي يحملها المعلم، ارتفاع منسوب الخطاب المذهبي في هذه البلدة التي اعتادت على العيش المشترك.
وفي مجدل عنجر يختلف المسار البلدي في هذا الاستحقاق عما تشهده تقليدياً هذه البلدة التي اقتصر التنافس فيها سابقاً على عائلتي العجمي وياسين، أما اليوم فقد برزت مجموعة شبابية أطلقت على لائحتها اسم «الوسط».

عرسال.. والتحدي

تكتسب الانتخابات البلدية في عرسال نكهة خاصة، كونها تشكل فعل تحد في مواجهة الأمر الواقع الذي فرضه وجود المجموعات المسلحة التكفيرية في جرودها، امتداداً حتى تخومها، ما دفع وزير الداخلية الى اعتبارها «محتلة».
وفيما كان البعض يتخوف من تعذر إجراء الانتخابات في عرسال، نتيجة الظروف الأمنية المعروفة، تبدو البلدة منخرطة بحماسة في التحضيرات للاستحقاق البلدي، على وقع منافسة بين ثلاث لوائح: واحدة غير مكتملة برئاسة رئيس البلدية الحالي علي الحجيري واثنتين مكتملتين، ما يؤشر الى معركة من نوع آخر تلوح في الأفق، بعدما استتنزفت اعتداءات التكفيريين أبناء عرسال، على المستويات كافة، لا سيما الاقتصادية والاجتماعية منها.
وقد جرى تحديد مراكز الاقتراع في النقاط الخاضعة لسيطرة الجيش، على أطراف عرسال.
ولئن كان الطابع العائلي يطغى على اللوائح، إلا أن ذلك لا ينفي أن هناك بطانة سياسية للمرشحين الذين يتوزعون بين «تيار المستقبل» الأقوى، و «الجماعة الإسلامية» والأحزاب العلمانية كالشيوعي والبعث والقومي.
ويؤكد ناشطون في البلدة أن شريحة من أبناء عرسال تجد في الانتخابات البلدية فرصة لإحداث تغيير في تركيبة المجلس البلدي ومحاولة التخلص من عبء رئيسه الحالي علي الحجيري، الذي أدت مواقفه الى تداعيات على مصالح العراسلة، والعلاقة مع المحيط.

بعلبك

وفي بعلبك، تتنافس لائحتان، الأولى تضم «حزب الله» و «حركة أمل» إلى جانب البعث والقومي و «الأحباش» والناصريين والعائلات، والثانية يترأسها غالب ياغي وتقدم نفسها كبديل إنمائي من تجربة البلدية الحالية. وبينما يعتبر المواكبون للمشهد الانتخابي أن المعركة محسومة سلفاً بفارق كبير لتحالف القوى الحزبية، يشير آخرون إلى أن احتمال حدوث خرق ولو موضعياً يبقى وارداً. ومنعاً لأي استرخاء في صفوف الناخبين قد يستفيد منه الخصم، يؤكد مقربون من لائحة «أمل - الحزب» وحلفائهما أن المعركة سياسية وليست إنمائية فقط، مشيرين إلى أن اللائحة المضادة تحمل، ولو ضمناً، خيارات «14 آذار».