بعد اقل من ساعة على التصريح الذي أدلى به اول من امس السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين، لدى انتهاء لقائه مع الرئيس سعد الحريري في بيت الوسط، التهبت خطوط الهاتف بين جماعة سياسية، ومن مستويات واتجاهات مختلفة في محاولة لقراءة خلفيات الكلام الذي صدر عن السفير...
الجهات اياها اعتبرت ان التصريح ينطوي على دلالات معينة، لا سيما في ما يختص بـ«سعي الرئيس فلاديمير بوتين والوزير سيرغي لافروف الى تطوير الحوار مع الرئيس سعد الحريري من اجل تعزيز العلاقات اللبنانية - الروسية».
زاسبكين أشار الى «ان المسعى حول الاستحقاق الرئاسي استمر طوال الفترة الاخيرة، ونحن في اتصال مع الاطراف المعنية كافة».
وكانت اوساط تيار المستقبل قد لفتت صراحة الى ان رئيس التيار، ولدى لقائه بوتين، تمنى ان تبذل بلاده مساعي لدى الاطراف الاقليمية، وعلى وجه التحديد ايران، من اجل بلورة ظروف تمكّن لبنان من انتخاب رئيس الجمهورية.
والطريف انه تردد آنذاك ان الحريري طلب قيام موسكو بمسعى لدى الرياض ايضاً، وفي الاتجاه نفسه كون السعوديين باتوا حذرين جداً حيال طروحات الحريري في صدد رئاسة الجمهورية، وبعدما اصطدمت مبادرته حول ترشيح النائب سليمان فرنجية بأكثر من حائط.
وثمة في تيار المستقبل من قال ان الحريري «انبهر» باقتراح احد المستشارين، وقيل احد الاصدقاء، حول ترشيح رئيس تيار المردة، باعتبار ان هذه الخطوة لا بد ان تثير دهشة «حزب الله»، والتبني الفوري من دمشق، ودون ان تتوقف النتائج هنا بل ان من هذه النتائج تفجير العلاقات بين «السيد» و«الجنرال».
وتقول المعلومات ان هناك مقربين من الحريري ومن الملمّين بخفايا و«عجائب» الساحة السياسية في لبنان، لم يعرفوا بالمبادرة الا بعد تسرب اخبارها الى الاعلام، وقد وصفوها بالغلطة التكتيكية، وحتى بالغلطة الاستراتيجية.
هؤلاء سألوا آنذاك «ماذا اذا سقطت المبادرة»، لا بل انهم راحوا يطلقون «اوصافاً غريبة» عليها، حتى ان وزير الداخلية نهاد المشنوق وصفها بـ«حركة تواصل»، ودون ان يفيد اللعب اللغوي في حجب ما جرى وفي الحد من الارتباك، ومن التناقض الذي ظهر في تصريحات ومواقف العديد من أركان تيار المستقبل...
وهنا تقول جهة سياسية لبنانية وثيقة الاطلاع على الكثير من الخفايا، ان ثمة من اقترح على الحريري الاتصال بموسكو من اجل ترتيب لقاء مع بوتين الذي قد يكون المرجع الوحيد الذي ينقذه من الدوران داخل الحلقة المفرغة، وبالتالي خسارة قوى اساسية في 14 اذار دون التمكّن من تسويق رئيس تيار المردة...
تضيف الجهة المذكورة ان «كفاح» الحريري من اجل حل ازمة رئاسة الجمهورية انماهو الوجه الآخر لـ«الكفاح» من اجل رئاسة الحكومة.
بطبيعة الحال هناك من يرى ان تصريح زاسبكين ليس بالتصريح الذي يستقطب كل ذلك الاهتمام، اذ ان الكرملين ينتهج سياسة فتح القنوات مع الجميع، وعقد علاقات شخصية مع اقطاب سياسيين في المنطقة، بما في ذلك لبنان.
لكن مسؤولا لبنانيا كبيرا، وفي معرض قراءته للامور امام زوار المساء، يؤكد ان الحريري قدم امام «القيصر» مرافعة تنطوي على الكثير من التفاصيل حول هشاشة الوضع اللبناني، اما العلاج فيحصل من فوق، اي من انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي انتظام العملية السياسية والدستورية، مع ما لذلك من مفاعيل على المستوى الاقتصادي كما على المستوى الأمني.
مصادر تيار المستقبل تكتمت على ما جرى بين الحريري وزاسبكين، ودفع هذا الاخير الى قول ما قاله. غير ان احدى المرجعيات التي استوضحت، اكدت ان السفير الروسي حمل رسالة من موسكو، وفيها خلاصة للاتصالات التي قامت بها الديبلوماسية الروسية باتجاه حلحلة الأزمة السياسية والدستورية في لبنان.
هذه المرجعية لم تستبعد ان تكون موسكو قد حققت خطوات ما دون التوقف عند هذا الحد، وان بات مؤكدا ان طهران تتبنى طرح الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله حول السلة المتكاملة، باعتبار ان الاتفاق بـ«المفرق» سرعان ما ينفجر امام اي هزة سياسية أو أمنية، داخلية أم خارجية.
أهل التشاؤم اذ يقرون بأهمية رسالة القيادة الروسية الى الحريري يعتبرون ان احداث حلب أثرت كثيراً في ديناميكية الديبلوماسية الروسية، على الرغم من تقاطعها، وفي نقاط حساسة، مع الديبلوماسية الأميركية.
بالتالي ان الاوضاع السورية في الوقت الحالي بلغت حداً من الحساسية دفعت بالاستحقاقات اللبنانية الى عمق الثلاجة.

ـ روسيا تضرب روسيا ـ

في عطلة الفصح، كان هناك سؤال في اكثر من «بلاط» سياسي حول سبب اهتمام موسكو، والى حد الكلام عن حوار متواصل، بالحريري، هل لأنه زعيم السنّة في لبنان، والمعتمد سعودياً (الى اشعار آخر) وعربياً وفرنسياً، أم أن صحيحاً ما يتردد ديبلوماسياً حول علاقة عضوية بين التسوية في سوريا والتسوية في لبنان، وهذا ما ألمح اليه مسؤولون روس خلال لقاءاتهم مع جهات لبنانية.
والمفارقة المثيرة هي طريقة مقاربة الحريري لما جرى بينه وبين زاسبكين، فهو اذ لاحظ ان بوتين «حريص جداً على الحل السياسي»، اغفل كل أشكال التنسيق الميداني بين موسكو ودمشق، وقال «لذلك نرى ان العمليات التي تحصل في حلب هي لضرب الجهود التي تقوم بها روسيا ضمن الحل السياسي»، اي في هذه الحال، روسيا تضرب... روسيا.
وبعد الفصح الارثوذكسي، القانون الاروثوذكسي. بعض اعضاء اللجان المشتركة فوجئوا باصرار نواب تكتل التغيير والاصلاح على طرح القانون الارثوذكسي الذي يتيح لكل طائفة انتخاب نوابها، وهو الاصرار الذي من المرجح ان يكون مدعوماً من «القوات اللبنانية» بعد «وحدة الحال» بين الرابية ومعراب.
«الديار» سألت عدداً من النواب المعارضين لهذا الطرح، فكان ردهم اننا «امام تفجير اتفاق الطائف بل وربما امام تفجير الجمهورية وتحويلها الى «ولايات متحدة لبنانية»، وقد تكون القوى المسيحية على حق في توجسها من قانون انتخاب يحول الـ 64 نائباً مسيحياً الى «اقلية» او اقليات تابعة، لكن اعتماد القانون الارثوذكسي يعني دفع البلاد في اتجاه يفضي حتماً الى فكفكة الصيغة الراهنة، والاتيان بصيغة قد تتقاطع مع بعض الافكار الخاصة بالتسوية مع سوريا.
والطريف ان يقول احد هؤلاء النواب لـ «الديار»: ان تحويل لبنان الى ولايات قد يفضي الى ظهور جنرال غورو آخر، ويقول بالفديرالية بين الولايات اللبنانية والولايات السورية التي كان لها ان تتم لولا صرخة البطريرك الياس الحويك في وجه بطل المارن وتهديده، وجهاً لوجه بالثورة ضده.

ـ الانتخابات قبل الخريف ـ

في هذا السياق، يتردد في الكواليس ان جهات دولية مؤثرة تعتبر ان اجراء الانتخابات البلدية هي كاختبار عملاني لصدقية السلطة وفاعليتها، حتى اذا ما نجحت في الاختبار «الذي دفعت اليه ربما رغماً عنها»، ويفترض ان تنجح، تنتفي كل المبررات لعدم اجراء الانتخابات النيابية، وربما قبل الخريف المقبل ما دام التذرع بموسم الاصطياف لم يعد وارداً للاسباب المعروفة».
تلك الجهات في صدد الضغط على الطبقة السياسية التي قد تواجه بانتقاداته عاصفة اذا لم تتوصل الى قانون انتخاب، وفي مدى زمني محدود يرسخ مبدأ التوازن الوطني لا التوازن الطائفي او المذهبي القابل للانهيار والذي يفصل عادة على قياس الزعامات، وبالتالي الاستعادة الموسمية (والفولكلورية) للازمات الواحدة تلو الاخرى.
احد السفراء قال، وبمنتهى الصراحة، امام مرجع سياسي ما معناه اذا لم ينجح المجلس النيابي في اقرار قانون جديد للانتخاب ضمن مهلة زمنية معقولة لا يعود امامه الا ان يحل نفسه بنفسه لان هذه ذروة الاخفاق والعجز بل والهرطقة، فالمسألة لا تتعلق بقانون عادي، وانما بقانون يحدد شكل السلطة ومسارها ويحمي الاسس التي قامت عليها الجمهورية.

ـ الحريري وجعجع ـ

هذا الكلام «يرنّ» في رؤوس وآذان المسؤولين الذين يولون الكثير من الاهتمام للانتخابات البلدية، واللافت في هذا المجال ما قيل حول اللقاء بين الحريري والدكتور سمير جعجع، الرجلان يتبادلا عبارات الود وتحدثا عن التحالف في اطار 14 آذار، مع المرور العابر على الاختلافات والخلافات...
وفي هذا الصدد، استغرب وزير من 14 آذار، الكلام الدافئ حول اللقاء، ليقول ان الحريري وجعجع اتفقا في بيروت، حيث لا معركة بالمعنى الفعلي للكلمة، ويتواجهان في زحلة حيث «ام المعارك».
لكن شخصية بيروتية قريبة من تيار المستقبل وتعرف ما يجري في الغرف المقفلة، وحتى في المقاهي، قالت ان لقاء الاثنين كان كرسالة الى ناخبي الطرفين بالالتزام، خلال الاقتراع، بمبدأ «زي ما هيي» بعدما اكدت تقارير لا يشكن في صدقية واضعيها بان حرب التشطيب ستأخذ مداها، وهذا ما قد يؤثر في وضع مرشحي «القوات» والتيار الوطني الحر مع ما يعني ذلك من زعزعة للائتلاف، وبالتالي للمناصفة، دون اغفال حقيقة اخرى، وهي ان التشطيب قد يفسح في المجال امام خروقات دراماتيكية باتجاه المرشحين الحريريين في اللائحة.

ـ عرسال ليست امارة ـ

بقاعاً، توقفت حملة التهويل التي اعلنها رئيس بلدية عرسال علي الحجيري، وقد طالب بتأجيل الانتخابات في البلدة تفادياً لـ «نكسة امنية او دموية»، بالرغم من كل الاجراءات التي اتخذها الجيش للحيلولة دون وقوع اي حادث امني مهما كان نوعه.
وبات مؤكداً ان ثمة جهة معنية ابلغت الحجيري انه بذلك الكلام انما يلعب لعبة مسلحي «داعش» و«النصرة» اللذين يعتبران عرسال امارة يتوزعها التنظيمان الارهابيان.
وكانت مرجعيات امنية قد واجهت، بشكل حازم، الشائعات التي راح يرددها بعض اعضاء المجلس البلدي الحالي من ان الانتخابات في هذا الوقت بالذات تعني تنصيب ابي مالك التلي رئيساً لبلدية عرسال، فكان الجواب «حين يصيب فايز الشعلان ما اصابه فان امير «النصرة» ليس بعيداً عن تناول اليد، وان تنقل بين مغارة واخرى.

ـ محاصرة ريفي ـ

ماذا عن وزير العدل المستقيل اشرف ريفي الذي اطلق نواة ماكينته الانتخابية في طرابلس والميناء، مخاطباً الرئيس نجيب ميقاتي والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي والقوى الطرابلسية بالقول «ان ما تقومون به عبارة عن محاصصة مميتة للفيحاء»؟
اما الرد، وبحسب ما تشير اليه مصادر طرابلسية تواكب الاتصالات التي تجري بعيداً من الضوء، فهو محاصرة ريفي الى حد تصفيته سياسياً، دون ان يعني ذلك عدم التوجس من حصوله على نسبة عالية من الناخبين تؤهله ليكون رقماً صعباً في المدينة.
وتضيف المصادر ان خططاً توضع الآن «لاعادة ريفي الى حجمه الطبيعي»، حجمه الطبيعي يظهر حين تقرع صناديق الاقتراع.