اقتحم مئات المتظاهرين المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد يوم السبت الماضي ودخلوا مبنى البرلمان مطالبين بالقضاء على الفساد. وفي اليوم التالي، بدأوا في مغادرة المكان. فما الذي أدى إلى هذه الفوضى ولماذا انتهت بهذه السرعة؟

تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية رصد عدة تساؤلات بشأن الأوضاع في العراق.

ماذا حدث بالفعل؟

أدت صور اقتحام العراقيين للبرلمان خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى أن أصبح الأمر يبدو كما لو كان هناك ثورة شعبية وشيكة. وفي الواقع، كان الأمر بخلاف ذلك، حيث كان تعبيراً مشروعاً عن الغضب الشعبي من ناحية، ومسرحاً سياسياً من ناحية أخرى.

وكان يتعين على السلطات أن تتغاضى إلى حد ما عن تلك الحادثة، نظراً لسهولة مرور المتظاهرين عبر قوات الأمن الحصينة. وكان هناك تقارير حول دعم رئيس الوزراء حيدر العبادي لهذا الخرق ضمنياً، رغم إنكار مكتبه تلك المزاعم. وتولت إحدى التنظيمات الموالية للمحتجين عملية التأمين حول البرلمان، بما يوحي بوجود اتفاق مع قوات الأمن.

وهناك تقارير حول اعتداءاتٍ وصفعات نالت من نواب البرلمان دون أن يصاب أحد بأذى. فقد هاجم المتظاهرون سيارات أعضاء البرلمان الفارهة – تلك السيارات السوداء الممقوتة التي تطلق أبواقها أثناء المرور بشوارع بغداد – وأتلفوا الأثاث والمكاتب واللوحات المعلقة بردهة البرلمان. ومع ذلك، لم يتسم الحادث بالعنف على الإطلاق.

ماذا يريد المتظاهرون؟ ومن هم؟

إنهم في معظمهم من الموالين لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي بزغ نجمه في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003. فقد كان يقود تنظيماً يقاتل الأميركيين، ثم شارك في الحرب الطائفية عامي 2005 و2006. وأصبح صانعاً للقرار السياسي بعد الانتخابات الوطنية عام 2010.

وعاود الصدر الظهور في شباط ليقود المظاهرات المؤيدة للتدابير التي اتخذها العبادي للحد من الإنفاق الحكومي ومعالجة الفساد وإنهاء المحاصصة الطائفية. فقد أصبح نظام المحاصصة أساساً للنظام السياسي في العراق، حيث يتم توزيع المناصب الحكومية على الطوائف حسب الجدارة، بما يؤدي إلى ضعف الدولة. ويعد الصدر حليفاً للعبادي؛ وتعتبر الاحتجاجات بمثابة وسيلة لإجبار خصوم العبادي على الموافقة على مجلس وزراء من التكنوقراط، وليس من المسؤولين الموالين لأي من الأحزاب أو الطوائف.

ومع ذلك، لا يمكن التنبوء بخطوات الصدر ولا يمكن اعتباره حليفاً موثوقاً. فقد ذكر أنه في حالة إخفاق محاولات تعيين مجلس وزراء جديد، سوف يعمل على الإطاحة بالعبادي.

لماذا انتهت الاحتجاجات بهذه السرعة؟

كان انسحاباً تكتيكياً. فبعد أن احتل المتظاهرون البرلمان، انتقلوا إلى جزء آخر من المنطقة الخضراء، التي كانت منطقة للعروض العسكرية يستعرض بها صدام حسين مواكبه العسكرية. وبحلول مساءاليوم الثاني، أصدر الصدر أمراً بإنهاء المظاهرات قائلاً إنه سيمنح النخبة السياسية فرصةً أخرى للاجتماع والاتفاق على مجلس وزراء جديد. وأشار أيضاً إلى أنه لن يتردد في استخدام نفوذه بين الشيعة لخلق الفوضى في الشوارع في حالة عدم إجراء الإصلاحات المطلوبة.

ما هي جذور النزاع السياسي؟

يتمثّل خط الصدع المتهالك داخل المجتمع العراقي في الانقسام بين الأغلبية العربية الشيعية والأقلية العربية السنية. ويبدو ذلك جوهر الحرب بين دولة العراق – التي يدعمها التحالف الأميركي وإيران – والمتطرفين السنة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

ومع ذلك، تعد الأزمة السياسية في بغداد بمثابة صراع بين الشيعة. فقد أطاح الغزو الأميركي بالنظام القديم لهيمنة السنة – في ظل حكم صدام وفي ظل الملكية والحكم العثماني قبل تأسيس العراق الحديثة بنهاية الحرب العالمية الأولى – ومنح الشيعة السلطة للمرة الأولى في تاريخ البلاد. ومع ذلك، لم يدرك هؤلاء مطلقاً كيفية التغلب على خلافاتهم وتوحيد العراق.

ومع سعي العبادي وراء القضاء على الفساد والحد من الإنفاق الحكومي وإنهاء المحاصصة الطائفية، واجه معارضة من قبل الطوائف الشيعية الأخرى. وتعكس المظاهرات – سواءً التي تزعمها الصدر والمظاهرات الأخرى التي بدأت في الصيف الماضي تحت قيادة العلمانيين – غضباً متنامياً جراء الفساد والإخفاق في توفير الخدمات الأساسية.

ما هي المنطقة الخضراء؟

المنطقة الخضراء هي الاسم الذي منحته القوات العسكرية الأميركية لقلب بغداد المحصن الذي كان بمثابة مقر للاحتلال وللحكومة العراقية الجديدة.

وخارج الجدران والأسلاك الشائكة للمنطقة الخضراء توجد مدينةٌ مفعمة بالاختناقات المرورية والسيارات المفخخة والمصاعب اليومية مثل الافتقار إلى الطاقة الكهربائية وإمدادات المياه. ومع ذلك، تتحرك السيارات داخل المنطقة بسهولةٍ ويسر بين نقاط التفتيش وتتمركز الدبابات عند التقاطعات الرئيسية وتتوفر الطاقة الكهربائية ويعيش المسؤولون العراقيون في القصور.

ويتواجد هناك أيضاً مقر السفارة الأميركية، الذي يعد بمثابة حصن داخل القلعة.

ويرى المواطن العراقي العادي أن المنطقة الخضراء رمز للاحتلال والفساد اللذين داما لفترات طويلة. ولم يسبق أن حدث أي اختراق لتلك المنطقة؛ وكانت هذه هي المرة الأولى لدخول العديد من المتظاهرين إليها، كما ينعكس من خلال صور العراقيين الذين يقضون وقتاً ممتعاً بها.

هل تحسنت الأمور أم ازدادت سوءاً منذ الانسحاب الأميركي عام 2011؟

أصبحت أشد سوءاً وفقاً لكافة المقاييس.

لم تكن الأحوال جيدة عام 2011. فقد كان تنظيم القاعدة في العراق يعيد تنظيم صفوفه. وكان رئيس الوزراء في ذلك الحين نوري كمال المالكي شيعياً مستبداً ولم يكن موحداً للصفوف حسبما كان الأميركيون يأملون.

وتعتبر العراق بمثابة دولة مخفقة على ثلاثة مستويات رئيسية: الأمني والسياسي والاقتصادي بحكم انهيار أسعار النفط.

ماذا يحدث لاحقاً؟

يمنح حالياً انسحاب أتباع الصدر من المنطقة الخضراء للزعماء العراقيين فرصةً أخرى لمعالجة الأزمة والاتفاق على مجلس وزراء جديد يتولى العبادي اختيار أعضائه.

ومع ذلك، لم تتوحد العراق معاً كدولة واحدة. فقد أصبح الإقليم الكردي الشمالي دولةً فعليةً تحظى بسياسةٍ خارجية وجيش وقواعد للحصول على تأشيرات الدخول. ويخضع نحو ثلث مساحة العراق لسيطرة تنظيم "داعش"، بما في ذلك الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية. ويعد نفود الحكومة المركزية محدوداً، بينما تحظى التنظيمات الشيعية الموالية لإيران في بعض الحالات بنفوذ أكبر من قوات الأمن الحكومية.

ومنذ نحو عقد من الزمن، دعا نائب الرئيس الأميركي وعضو مجلس الشيوخ، جوزيف بايدن، إلى تقسيم العراق؛ وهي فكرة من الأرجح أن تعاود الظهور إذا ما ظلت العراق تسلك نفس المسار الحالي.

(هافينغتون بوست)