اصدار جديد لدار سائر المشرق للعام 2014 تحت اسم جمهورية الفلاحين! تميز الاصدار بكونه رواية تاريخية كتبها المؤلف ( رمزي توفيق سلامة) باللغة الفرنسية وتمت ترجمتها الى اللغة العربية ( ماري القصيفي).
يروي الكاتب فصته بطريقة سلسلة ومميزة تروي احداث ثورة الفلاحين بقيادة طانيوس شاهين الذي لم يكن من طائفة الفلاحين، تدور القصة بين مغامرة الشباب الطامحة للحب وللحرية وبين قساوة الاقطاعين الذين رفضوا الاقطاع بعملية التطور التاريخي للحياة الاجتماعية التي تسببت بعملية رفض كامل لكل الحياة الاجتماعية آنذاك والتي ادت الى رفع الصوت بوجه الاقطاع وتحدي قوته مما ساعد على انجاح تلك الثورة التي لم يكتب لها النجاح.
تأتي هذه الروية بعض قصة تاريخية عاشها لبنان في الوقت الذي يعيش العالم العربي كله بحالة ثورات اجتماعية سببها الظلم والدكتاتورية وغياب العدالة الاجتماعية . يحاول الكاتب عرض المشاكل التي كانت تعيشها شرائح اجتماعية مختلفة في منطقة كسروان .
انطلق الكاتب في عمله في البداية من قرية "كفرذبيان" الكسروانية التي كانت عينه طبيعية عن حياة معظم القرى الكسروانية، وربما هي الاقرب الى الكاتب لكونه ابن كفرذبيان ومن عائلاتها حيث استطاع جمع معلوماته التاريخية التي دونها في روايته. حيث عرض الكاتب بأسلوبه طريقة تعامل المشايخ مع الفلاحين، وكان المال والتهديد والتعصب الطائفي سلاح المشايخ في وجه ضعفاء النفوس، حيث شكل بيت حميد وابنائه الصورة الحقيقية لطبيعة الحياة القروية والعلاقة بين الاقطاع والفلاحين حيث تبوا ابنه "باز" منصب شيخ شباب القرية التي كانت هذه المجمعة كما حال غيرها نواة الحركة الشبابية الاعتراضية على حكم الاقطاع وتعاملهم القاسي مع الفلاحين.
هذه الحركة التي كانت موجوده في "كفرذبيان" انتشرت سريعا كانتشار النار في الهشيم في قرى كسروان وكانت بداية حركات ثورية سرية ضد الاقطاع المسيطر على المنطقة .
يجسد الكاتب في شخصية "باز" الذي قتله مع حبيبته من قبل ابن الاقطاعي الحالة الطبيعية لأجرام هذه الطبقة المسيطرة بحق الجيل الجديد دون امكانية الرد من الاهالي او المعاقبة من قبل السلطات لانهم كانوا السلطة بحد ذاتها.
يرى الكاتب بان عقلية المشايخ الرجعية رفضت كل الافكار التقدمية التي قدمة لهم وباتت تفرض نفسها على الحياة، ولان الشباب كان مصر على التغيير ولكون المشايخ رفضوا اي خيار سلمي فكان شعار الحرب هو الذي فرض نفسه للوصول الى الحرية والتحرر من سلتهم وعبوديتهم مما جعل عدد المنتسبين الى الثورة بتزايد بسبب الرغبة في التمرد على الظلم وخصوصا بان الناس قد تحرروا من الخوف والخضوع .
هذه العقلية الانتقامية كانت تسيطر على طبيعة العلاقات بين الاقطاع والفلاحين. لكن موت "باز" شكل نمطا جديدا في التعاطي مع الاقطاع مما دفع برفاق باز الى انتخاب اخيه "الياس" الملقب في بالأوروبي لكونه كان يعيش في المدينة ويعمل في احدى السفارات الاوروبية . يسجل الكاتب الدور البارز الذي لعبه "باز" في عملية توعية الشباب الطامح بالتغيير، وكذلك تطور مستقبل الحركة الثورية الفلاحية التي وصلت الى القضاء على الاقطاع والعمل من خلال تجمعاتها لطرح مشروع اقامة جمهورية الفلاحين من خلال لجان سرية وطانيوس شاهين الذين "الاميغو" الصديق القوي والطيب الذين خوله قيادة ثورتهم وجمع شملهم نتيجة المواصفات التي كان يتمتع بها ذلك الرجل.
ويعرض الكاتب دور قائد الثورة في روايته حيث اصبح طانيوس شاهين اسطورة في الخيال الشعبي تمثل حامي الفقراء، مما جعله اكثر قوة وعزما، فادى دوره كقائد بلا منازع للثورة ، وفي غضون اسابيع ، نجح طانيوس شاهين في اثبات ذاته كعنصر اساسي في المشهد السياسي في منطقته ، ونجح التمر في استقطاب الناس من القرى جمعاء. وايضا يتوقف الكاتب على طبيعة العلاقات الخارجية التي كانت تسيطر على الجو السياسي في لبنان ووقوعه تحت السيطرة العثمانية وتدخل قناصل الدول الاوروبية التي اعاقت انجاح ثورة الفلاحين. لم يكن حلم الثورة مسموحا انجازه في هذه المنطقة لسبب سيطرة الدولة العثمانية وانقسام الامارة بين الامارة الدرزية والامارة المارونية التي لم تتوحد على مفهوم واحد لإقامة جمهورية الفلاحين. كما ويعرض الكاتب في قصته راي البطريركية المارونية التي كانت تحاول ايجاد الحلول للخروج من المشكلة من خلال تحسين حياة الفلاحين واعادة السيطرة للإقطاع. بغض النظر عن فشل الثورة او نجاحها للأسباب الذي يذكرها الكاتب فان تأليف الكتاب يأتي في مرحلة مهمة من تاريخ المنطقة العربية التي تعيش مرحلة مخاض من اجل التغيير الاجتماعي والثقافي من خلال شعارات ترفع يوميا(العدالة الاجتماعية، والمساواة ، وحرية التعبير).
وقد تكون الشعارات التي طرحت في تلك المرحلة الصعبة من حياة الامارة الكسروانية التي توقف امامها الكاتب في صقل روايته التاريخية والقيمة في المعنى والمضمون هي نفس الشعارات التي تطرح الان والتي ستطرح بالمستقبل لأنها تخدم حياة كل مواطن يريد الحياة الحرة والكريمة. اما عن نظرية المؤامرة والتدخلات الخارجية التي يعرضها الكاتب في رويته والتي كانت سببا رئيسيا بعدم اقامة "جمهورية الفلاحية"، في كسروان هي نفسها الظروف التي تحول دون انتصار الثورات الاجتماعية العربية للوصول الى جمهوريات شعبية تشكل فيها ارادة الشعوب التواقة للحرية والعدالة . ربما يحاول الكاتب عرض رؤيته الحاصة التي تنطلق من بلدته التي كانت ضمن الامارة المنتفضة بلغة فرنسية جميلة متسلسلة لعبر من خلالها عن اشكالية ومعاناة كل قرية عربية سيطر عليها الظلم الاجتماعي ومنع شبابها من التغيير والوصول الى الحب والحرية. رواية الكاتب( رمزي توفيق سلامة) يستطيع كل محب للاطلاع عليها وان يقرأها بغض النظر عن طبيعة السرد القصصي او المعالجة المقصودة من خلال تناول تلك القضية او تلك المرحلة التي كان لبنان يعيشها وتعيشها تركيبته الاجتماعية المتنوعة.
د.خالد ممدوح العزي