تجربة المواطن اللبناني مع حكامه تجربة فاشلة بامتياز لدرجة أنها افقدت هذا المواطن ثقته بالكامل بهذه السلطة المهيمنة على مقاليد البلد والتي أنتجتها اتفاقية الطائف، إذ ان هذه السلطة وعلى اختلاف مكوناتها فقد عملت على تحويل البلد إلى مزرعة تتقاسم مغانمها فيما الوضع الإقتصادي فيه يتدحرج نحو الانهيار الكامل حتى جاوزت الديون الخارجية والداخلية المترتبة على خزينة الدولة الفارغة أصلا الستين مليار دولار حسب آخر التقارير.
والمواطن بكل معاناته وفقدانه للحد الأدنى من مقومات الحياة الحرة الكريمة كان دائما خارج اهتمام حكامه الذين يتنازعون حول اقتسام الحصص ويتفقون على سرقة حقوقه وعلى حرمانه من حرية التعبير وامتلاك إرادة التغيير مما أوجد فجوة واسعة بين هذا المواطن المغلوب على أمره والذي يعاني شظف العيش وبين المسؤول الحاكم بأمره الذي لا يعنيه سوى الاحتفاظ بموقعه كمصدر للنهب وجمع الثروات.
ولو كان في ذلك تعطيل للدستور وتجاوز للقوانين واختراق للصيغة الميثاقية، الأمر الذي أدى إلى فقدان الثقة بين هذا المواطن المستضعف بكافة مكونات الطبقة السياسية الحاكمة من نواب ووزراء وكل من يدور في فلكهم، ونتج عن ذلك تراكم منسوب كبير من التشكيك بكل ما يصدر من وعود وتصريحات وكلام يأتي على ألسنة هؤلاء الممسكين بمفاصل الدولة ومقدرات البلد.
وفي هذا السياق فإن اللبنانيين ما زالوا حتى اللحظة يشككون بإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها المحددة، والتي تفصلنا أيام قليلة عن الانطلاق بمرحلتها الأولى المقررة في الثامن من الشهر الجاري في العاصمة بيروت وفي البقاع بالرغم من التأكيدات المتكررة الصادرة عن كافة الأطراف السياسية على عدم تأجيل هذا الاستحقاق، ومصدر هذا التشكيك ينطلق أساسا من شعور المواطن بتعامل هذه الأطراف السياسية مع الاستحقاقات الدستوريه بمنتهى الاستخفاف والمهانة والتجاوز لأرادة الشعب، واحساسه بجو من الارتياب، سببه التمديد لمجلس النواب مرتين بذرائع شتى معظمها غير مقنع.
إذ ان الطبقه السياسية ضمنت لنفسها تمديدا لأربع سنوات إضافية من دون أي عناء او كلفة لاقتناعها بغياب الرأي العام الفاعل والمعارض، لكن اليوم ومع استمرار التشكيك بأجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها المحددة لكن يبدو أن هناك أسبابا عديدة أجبرت هذه الطبقة السياسية لتجاوز مخاوفها وحساباتها للاقدام مضطرة على إنجاز هذا الاستحقاق.
ومن هذه الأسباب، أولا: ان هذه السلطة الحاكمة باتت تدرك جيدا ان أي تأجيل لهذا الاستحقاق من شأنه ان يؤدي بالصورة الديمقراطية التاريخية التي يتميز بها هذا البلد إلى الدرك الأسفل، وهذا بالطبع سيعرض البلد للانتقاد والإهمال من كافة الأوساط والمؤسسات الدولية والإقليمية.
ثانيا: محاولة الطبقة السياسية الفاسدة الهاء شرائح المجتمع المدني عن ملفات الفساد والفضائح التي تتكشف تباعا والتي تعطي صورة واضحة عن مدى هشاشة واهتراء الوضع السياسي والاقتصادي، وعجز الأطراف الحاكمة عن معالجة أي مشكلة لانغماسها في وحول الرشاوى ومستنقعات الصفقات المشبوهة والسمسرات والمتاجرة بلقمة العيش وحبة الدواء والصحة العامة.
ثالثا: عدم استعداد اي طرف سياسي من الأطراف الحاكمة تحمل عبء ومسؤولية التأجيل خوفا من توجيه أصابع الاتهام باتجاهه بأنه هو المعطل للديمقراطية ولحركة الحياة السياسية في البلد، بل على العكس هناك مزايدة وسباق للإعلان عن الحرص على ضرورة إنجاز هذا الاستحقاق.
والجدير بالإشارة أنه سواء حصلت هذه الانتخابات في مواعيدها ام تأجلت تحت اي ذريعة، فإن الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية في البلد تسير من سيء إلى أسوأ في ظل هذا الواقع المزري الذي يسوده مناخ من الهيمنة ومصادرة إرادة التغيير.
إذ لا مشاريع انمائية حقيقية مع هذه السلطة الحاكمة بقوة الأمر الواقع. والبرامج الانتخابية للدعاية فقط ولا يتحقق منها شيء على أرض الواقع، والذرائع جاهزة دائما لتبرير الفشل، والمواطن هو الذي يدفع ثمن هذا الفشل.