احتفلت الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي في لبنان بعيد الفصح، فأقيمت القداديس والزياحات والصلوات في مختلف المناطق. ودعا الواعظون إلى المحبة والتضامن. وترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة قداس الفصح في كاتدرائية القديس جاورجيوس، وسط بيروت وألقى عظة شن فيها حملة عنيفة على الفساد والفاسدين.
وقال عودة: «نحن في لبنان نمر بامتحان قد يقول البعض أنه طال كثيراً وهذا صحيح. فدولتنا بلا رأس منذ أكثر من سنتين والجميع يدرك الخلل في عمل المؤسسات وتعطل الحياة الديموقراطية وعدم ااستقرار في البلاد والفوضى المستشرية في كل مكان، فيما البؤس يفتك بالناس والضمير الوطني معطل». وسأل: «أليس مشهداً سوريالياً منظر النفايات تغزو الشوارع في القرن الحادي والعشرين ويتأخر إيجاد الحل لها، لا لأن الحل مستعص بل لأن الاستجابة للمصالح المتضاربة عسيرة. وهل الإتجار بالبشر واستعبادهم وإجبارهم على ممارسة الدعارة مسموح؟ وهل استباحة الحدود والمرافئ وإدخال البضائع الممنوعة أو الفاسدة مسموح بها؟ وماذا عن التهاون بحياة المواطن والاستهانة بلقمة عيشه وانتهاك القوانين والتستر على من يسرق البلد وتغطية أبطال الفضائح ومن يتاجرون بالأخلاق وبالوطن وبالمصير؟ والمؤلم في كل هذا أن هؤلاء ينصبون أنفسهم ديانين للآخرين يلقنونهم الدروس في الأخلاق وتحمل المسؤولية».
أضاف: «نحن في بلد يعير فيه الصادق بصدقه والمستقيم باستقامته. يخافون الصادق ويخشون من يحترم القانون ويلتزم الدستور لأنهم يريدون من يغطي صفقاتهم أو من يغطي معهم صفقات أزلامهم. لكنهم يفضحون الصفقات ويتشاتمون متى اختلفوا على المغانم. يريدون أزلاماً يسهرون على مصالحهم فيما المطلوب مواطنون صالحون يستظلون القانون ولا ولاء لهم إلا لله والوطن. الأزلام لا يبنون أوطاناً بل يخدمون أسيادهم على حساب الوطن».
وتابع: «بئس المسؤولية إن كانت باباً لبيع الضمير وتسخير القيم. إن كنت تحترم النظام وتطبق القانون، فأنت جاهل لا تحسن التشاطر وغير مرغوب بك في جنة المحظيين المرشحين لتبوؤ المراكز فيما هي أو يجب أن تكون مجالات للخدمة يرضي بها من يشغلها الضمير والله. مؤسف أن يكون بعض من كنا نظنهم حماة الحق والقيم حماة للفساد والفاسدين يريدون الدولة على قياسهم وقياس مصالحهم حتى كاد هذا البلد يصبح بلد النفايات من كل نوع. وفي ظل غياب رئيس للجمهورية عوض جعل مجلس الوزراء خلية عمل مستمر ودؤوب لمواجهة التحديات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والإنسانية نراهم يحولونه ساحة سجالات ومبارزات وتبادل الاتهامات».
وسأل عودة: «ألا يدري من يسيئون إلى لبنان وأبنائه أن الموت لا بد آت وأن الدينونة لا مفر منها؟ ألا يعرفون أن من يشاركون في قتل لبنان ومؤسساته ومن يتغاضون عن هؤلاء سوف يقفون معاً أمام الله ويسألون عما اقترفت أيديهم مهما اختزن الإنسان على هذه الأرض هو فان وعندما يموت سوف يترك هذه الفانية خالي اليدين وسوف يحاسب على أعماله وهكذا يكون قد خسر الحياة الأبدية دون أن يربح الأولى؟». وقال: «إن لم يقف اللبنانيون مع لبنان ويعملوا على إنقاذه من سيقف معه وينقذه؟ نحن في حاجة إلى استقرار سياسي من أجل تجاوز الأزمات الاقتصادية والمعيشية والأمنية. انتخاب رئيس للجمهورية أولى الخطوات على طريق الاستقرار. حان الوقت لكي يرجع المسؤولون إلى ضمائرهم والاهتمام بوطنهم ومصيره وعدم استرهانه لمصالح خارجية أو فئوية وعدم تحكيم المصالح الشخصية في الاستحقاقات الوطنية. الديموقراطية لا تستقيم إلا إذا وضع المسؤولون المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة ووعوا أن مصالحهم تكون بخير عندما يكون الوطن كله بخير. ورجاؤنا أن تكون الانتخابات البلدية الخطوة الأولى على طريق إعادة الحياة الديموقراطية إلى لبنان».
ولفت عودة الى أن «في الستينات من القرن الماضي، كان رئيس جمهورية ذو عقل نير وكف نظيف أرسى قواعد المؤسسات الرقابية في لبنان، وكانت خطوة لو كتب لها البقاء لكنا في عداد الدول الديموقراطية العريقة التي يفتخر بها أبناؤها». وقال: «في مثل هذه الدول إن وجه لمسؤول اتهام استقال وإن قصر في أداء واجبه استقال وإن فقد ثقة الشعب استقال. أين نحن من هذا العالم المتحضر؟ أين معايير الأخلاق؟عندنا مؤسسات الدولة تتهاوى والفضائح تتضاعف والمسؤولون يتراشقون بشتى الاتهامات والصفقات والمواطن يئن والوطن يضيع. عسى ألا تدفع السمكات الصغار ثمن اقترافات الحيتان الكبار».
أضاف: «الحكم هيبة والهيبة تفرض بالصدق والجدية والمثابرة والعدالة. التهاون وغض النظر يعيقان فرض الهيبة والقانون. ومن أراد فرض التزام القوانين والأنظمة عليه أن يلتزمها أولاً ويطبقها»، مشيراً إلى «أهمية التربية في بناء المواطن الصالح تربية الأهل لأولادهم على المحبة والإيمان والصدق والصراحة واحترام القوانين وغيرها من القيم والفضائل وتربية المدارس والجامعات لطلابها على المواطنة وقبول الآخر واحترامه وبناء نفوسهم على قيم الحق والعدل والمساواة والابتعاد بهم عن التطرف والتعصب والحقد والأنانية وكل ما يسيء إلى نفوسهم وإلى وطنهم ومواطنيهم ودفعهم إلى التفوق على الفساد ونتن الأخلاق بالعلم والثقافة والفن والإبداع».
وتابع: «إننا نصلي لتستقيم الحياة في هذا البلد وتعود دورة الديموقراطية إلى العمل ويعود الأمل إلى نفوس اللبنانيين. وأن يعم السلام في منطقتنا وفي العالم أجمع وأن يعود كل مهجر إلى بيته سالماً وكل مخطوف إلى أهله سليماً معافى وأن يعيد إلينا أخوينا المطرانين بولس ويوحنا اللذين نفتقدهما منذ ثلاثة أعوام سالمَين معافيَين».