ربما لا أحد يحسن الظن برجب طيب اردوغان، وربما لا أحد يسيء الظن بسعد الدين الحريري الذي يُخشى ان يكون كل رصيده الآن هو التذكير بأنه ابن الرئيس رفيق الحريري. ولكن لماذا اسطنبول، وفي هذا الوقت بالذات؟
في حلقة ضيقة من «البيارتة» وفي منزل وزير بيروتي سابق عرف باتزانه وبعمقه، وبولائه لتراث رئيسي الحكومة الراحل، أخذت الاسئلة حول الزيارة التركية منحى مثيرا: لمن طلب الحريري تعليق المشانق في ساحة البرج؟
لا داعي للسؤال لأنه، وقبل ان يتوجه الى الطائرة حدد الجهة التي تعطل انتخاب رئيس الجمهورية، وبالتالي تعطل الجمهورية. ببساطة، الجهة التي يفترض ان تعلّق لها المشانق واضحة للعيان...
لا جديد في الأمر، ففي زيارة سابقة، وكان الرئيس التركي لا يزال يستخدم اصبعه في اعطاء الأوامر، وعد بأن يلحق حسن نصرالله ببشار الأسد في غضون شهر أو شهرين.
في السهرة البيروتية، وعشية الجمعة العظيمة، اذا كان الأسد ديكتاتوراً، فهل اردوغان اقل ديكتاتورية، واذا كان دموياً، فهل اردوغان اقل دموية، واذا كان مذهبياً، فهل اردوغان أقل مذهبية؟
وقيل ان الحريري طلب الوساطة التركية لدى الرياض من أجل معالجة مأزقه المالي في المملكة وخارج المملكة، وربما مأزقه السياسي، ولا بد من لحظة ساخرة في السهرة التي طرحت فيها هموم المدينة وايضاً هموم الجمهورية. كانت ثمة اسئلة من قبيل هل طلب الباب العالي من صاحب بيت الوسط حل تيار المستقبل لأنه متعدد الولاءات، ومتعدد الأمزجة، ومتعدد الطوائف، والالتحاق بـ«الجماعة الاسلامية» لأن «الاخوان المسلمين» هم مستقبل المنطقة، بالرغم من أنف عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين وغيرهما وغيرهما...؟
في النتيجة، ان «الشيخ سعد»، وهو في كل الاحوال «ابننا العزيز» عاد من السعودية لكي يفتح امامه باب السراي الكبير الذي بناه العثمانيون. الباب مقفل. اضطر الى الدق على الباب العالي، بعدما زار الكرملين لالتقاط صورة تذكارية مع القيصر، والايحاء لمن يهمه الأمر بأن وزنه ليس لبنانياً فحسب، بل ودولياً أيضاً...
تنهيدة طويلة في السهرة «لا سعد الحريري رفيق الحريري ولا ظروف الابن هي ظروف الاب». قيل، الطريق الى اسطنبول تقود الى قصر يلدز ولا تقود الى السراي الكبير.
ربما هناك من سمع الصحافي التركي جنكيز تشاندار الذي اعتزل اخيراً، وهو يقول في الاشهر الاولى من الأزمة السورية، نقلاً عن احد مستشاري «البلاط العثماني» ان وجود رئيس علوي في سوريا خطأ ينبغي تصحيحه، وان وجود رئيس مسيحي في لبنان خطأ ايضاً وينبغي تصحيحه.
وثمة من قال ان الحريري يجول في الفضاء الخارجي، والمشكلة على الأرض. لا يظن أحد أنه بـ«دهائه» هو من لمعت في رأسه فكرة اختيار سليمان فرنجية بالذات مرشحا لرئاسة الجمهورية. الثابت ان من أوحى بالفكرة لم يكن سعودياً. الاختيار كان بارعاً، ولكن ماذا كانت النتيجة؟

ـ على صنوبر بيروت ـ

يعرف الرئيس سعد الحريري من نقل هذه العبارة بالذات من الرياض وراح ينشرها، ولو في جلساته المقفلة، على صنوبر بيروت (لا صنوبر في طرابلس) «ألم أقل لكم ألا علاقة لسعد أفندي بالسياسة؟». حدث هذا. الباب العالي في الرياض لا في اسطنبول، والرياض قالت ما قالته. اين اصبحت العريضة العملاقة. قيل لمن يهمهم الأمر «بلا ها المسخرة، السعودية اهم بكثير من ان يؤتى اليها بمثل هذه العريضة».
جهة عربية لا يستهان بها، وبخبرتها، قالت لـ«الشيخ سعد» «تريد أن تحرج «حزب الله» وتدفعه الى الزاوية، اعلن ترشيحك لميشال عون».
مشكلة رئيس تيار المستقبل الآن انه اذا ذهب بهذه النصيحة الى اولياء الأمر، فهل سيتعاملون مع الطرح كما تعاملوا مع الطرح السابق حول رئيسي تيار المردة؟ بطبيعة الحال، المسألة تحتاج الى قبول سعودي، ولكن ماذا اذا لم يحصل الاجتماع، وعارض نبيه بري، وقال «حزب الله» ان تحالفه مع حركة «أمل» لا يقل حساسية على المستوى السياسي كما على المستوى الاستراتيجي، عن تفاهمه مع التيارالوطني الحر؟
وماذا يعني الانتقال من حلقة مفرغة الى حلقة مفرغة أخرى بحجة ملء الفراغ. قيل للحريري، اذهب الى طهران او الى اصفهان، الزيارة الى هناك لا بد ان تكون أجدى من زيارة اسطنبول، القيصر الذي أعفى السلطات من دوره في سوريا، اعفاه من اي دور له في لبنان.

ـ يوم الاستفتاء الكبير ـ

الحريري الذي لا يمكن لأحد التشكيك في بعده عن الطائفية، والمذهبية، وفي اقتناعه ان المسيحيين يشكلون قيمة مضافة للبنان، وعلى سائر الاصعدة، يعبئ كل امكاناته ليكون 8 أيار يوم «الاستفتاء الكبير» على خياراته...
لا مال ينشر هذه المرة بالرغم مما يتردد حول التمويل من مال أخذ سابقاً من خزينة الدولة، رئيس الحكومة الأسبق متخوف من تدني نسبة الاقبال على الاقتراع، في الانتخابات النيابية عام 2009 حذر من جاذبية «منقوشة الزعتر» او «صحن الفول المدمس» او «الاركيلة العجمية» او «القعدة على شط البحر» يوم الاحد. كل هذه الاشياء زادت الآن من كثرة اليأس لدى اللبنانيين. ألم يقل احدهم عبر الشاشة ان «منقوشة الزعتر تساوي اكبر شنب بهالبلد؟».
في طرابلس، وزير العدل اشرف ريفي اوضح انه في سياق توجهه الانتخابي الحالي، لا يعقد أي اجتماعات على الاطلاق مع تيار المستقبل بل يجتمع مع هيئات المجتمع المدني وفاعليات الفيحاء حيث التعاطي الشفاف والعلني، من اجل خوض انتخابات تكون فيها مصلحة المدينة واهل المدينة فوق أي اعتبار شخصي أو حزبي.
وفي تصريح لـ «الديار»، قال انه استقال من الحكومة كوزير للعدل «كي لا أكون محسوباً على المستقبل»، مشدداً عل ان «مواقفي واضحة، واعلنها أمام الملأ، وليس هناك من طعنة في الظهر، والحريري هو من قال ان ريفي لا يمثلني».
وسأل ريفي أين الطعنة في الظهر ؟ هم خرجوا مني وأنا خرجت منهم والفراق بيننا حصل.
الى ذلك، تتوقف جهات سياسية وديبلوماسية عند الحملة المعلنة (وغير المعلنة أخطر) ضد المسيحيين، ما هي خلفية ذلك؟ ومن يقف وراء الحملة التي ابعد بكثير من لائحة عماد الوزان في بيروت (15 مسلماً و9 مسيحيين).

ـ اتهام الفاتيكان ـ

الحملة تتجاوز لبنان الى اتهام الفاتيكان بأنه يضغط في اكثر من اتجاه من اجل ان تتبنى الدول الكبرى، وبالتزامن مع المسار التسووي للازمة السورية، ان يكون لمسيحيي لبنان وضع خاص (حكم ذاتي على سبيل المثال)...
وتبعاً لما يروّج له قادة الحملة، ان النزوح السوري في لبنان أدى الى حدوث «اختلال كارثي» في التوازنات الطائفية في لبنان، وبالصورة التي باتت تستدعي (حتماً) جراحة دستورية باعتماد الكونفديرالية وليس فقط الفديرالية...
وهؤلاء يقولون ان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الذي اعلنت بلاده «دولة لبنان الكبير» وصاغت الدستور (عام 1926) يفكر في دعوة الاطراف اللبنانية ربما الى قصر فرساي من اجل البحث في صيغة للنظام قابلة للاستمرار وتحفظ حقوق كل مكونات البلد.
ولم يعد خافيا ان هناك شيوخا في طرابلس يرددون في مجالسهم الخاصة «لا مسيحيون ولا علويون». ولا احد يمكنه القول ان الحريري ليس بالمعارض العنيد، والعنيف، لمثل هذه اللوثة الطائفية، ولا ريب ان الرئىس نجيب ميقاتي هو الابرز طرابلسيا في الانتخابات البلدية. خوفه كبير من اي منافسة بين لوائح «قتالية» تلغي وجود المسيحيين والعلويين في المجلس البلدي. لا بد من التنازل وباتجاه التوافق.

ـ مؤتمر في فرساي؟ ـ

لكن وزير العدل المستقيل اشرف ريفي لن يتراجع عن تشكيل لائحته التي يشدد على انها خارج المحاصصة التي، في نظره، هي الاساس في فلسفة الفساد. من يستقطب ريفي، وهو صاحب المواقف الصارخة؟ هنا السؤال، وهنا الخطر الذي يتهدد مدينة لطالما عرفت بتسامحها الديني وبتنوعها السياسي.
اهتمام لدى المراجع السياسية والروحية على السواء حول ما قاله السفير الفرنسي ايمانويل بون بصدد «استــكمال ما طرحه الرئيس هولاند»، مؤتمر للبنــانيين، فإن فشل كان مؤتمر حول لبنان، وســط مخاوف بكركي من اللعب وراء الستار، او في الهواء الطلق، بولاية رئىس الجمــهورية. «الآن سنتان، وغداء اسبوعان، ماذا بعد غد؟»، هذا ما قاله احد المطارنة لـ«الديار».

ـ القانون المستحيل ـ

الثلاثاء جلسة اللجان المشتركة للبحث في قانون الانتخاب، القانون المستحيل، كما قال وزير الصحة وائل ابو فاعور. الحل بالسلة المتكاملة، رئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة، وقانون الانتخاب، وليد جنبلاط بات على اقتناع بأن على البعض الذين يعترضون على السلة ويعتبرونها ذريعة اخرى للتعطيل ان يعلموا انها «اهون الشرور».
اذاً، رئاسة الحكومة في السلة. من ينافسون على السراي يقولون ان «الشيخ سعد» استدعي الى اسطنبول لمساءلته حول كيفية ضمه عضواً كردياً الى لائحة «البيارتة» بعدما كان قد استقبل وبحرارة وفداً كردياً. هذا ما يغيظ اردوغان الذي قد يكون حذّر الحريري من تخصيص مقعد او مقاعد للكرد في المجلس النيابي.
هل حقاً انه طلب مقعداً للتركمان في شمال لبنان؟