حقّق الجيش اللبناني إنجازاً في إطار العمليات الاستباقية والنوعية التي تقوم بها وحداته على الحدود اللبنانية ضدّ التنظيمات الإرهابية، وذلك في عملية إشتباكية في بلدة عرسال البقاعية، تمكّن خلالها من القضاء على أمير «داعش» (المدعو فايز الشعلان والملقّب بأبو الفوز) ومرافقه السوري أحمد مروة، وتوقيف المسؤول الأمني للتنظيم في المنطقة السوري مصطفى موصلي الملقّب بأبو ملهم، على ما ذكرت قيادة الجيش- مديرية التوجيه في بيان أخير لها.
صحيح أنّ هذا الإنجاز قد أراح قلوب الكثير من اللبنانيين الذين يقطنون في عرسال والمناطق الحدودية، إلاّ أنّه في الوقت نفسه يجلب مسؤوليات كبيرة وإضافية على الجيش الجاهز أساساً والمتربّص لأي مواجهة أو محاولة تسلّل من قبل عناصر «داعش»، على ما يرى المراقبون، فالوضع أصبح اليوم أكثر حرجاً لا سيما إذا ما توعّد الأمير الجديد لهذا التنظيم بالانتقام من عناصر الجيش ووحداته.
الأمر الذي يستدعي المزيد من الرصد والتنبّه لما يمكن أن يقوم به هذا التنظيم خلال الايام المقبلة. كما يطرح هذا الإنجاز، على ما تقول أوساط سياسية، أسئلة عدّة لا تتعلّق فقط بأداء «التنظيم» في بلدة عرسال وجوارها في المرحلة المقبلة، إنّما أيضاً بمصير العسكريين اللبنانيين الذين لا يزالون في عهدة «داعش»، ولا تزال الدولة لا تعرف عنهم شيئاً. وأول سؤال يتبادر الى الأذهان، لا سيما من قبل أهالي الجنود المخطوفين، ما الذي سيحلّ بأبنائنا، وهل علينا أن نفرح للإنجازات التي يحقّقها الجيش في ملاحقة ومهاجمة العناصر التي اعتدت عليه، كلما قامت بعمليات إرهابية في لبنان أو أن نحزن لأنّ مصيرهم سيدخل أكثر فأكثر في المجهول؟ في الواقع، قد لا يكون لدى أي مسؤول سياسي او أمني في لبنان إجابات واضحة عن هذه التساؤلات، لأنّ أحداً لا يعلم ما الذي ستكون عليه ردّة فعل التنظيم الذي بات أخيراً يصبّ كلّ تهديداته نحو هذا البلد وجيشه وشعبه.
غير أنّه يُمكن القول بأنّ لوي ذراعه، على ما أضافت الأوساط نفسه، لا بدّ وأن يجعله يلين بعض الشيء، ويُفاوض لإطلاق سراح العسكريين، في الوقت الذي كان لا يزال يرفض فيه هذا الأمر، كما يرفض إعطاء أي معلومات عنهم. وفيما كان الكثيرون يعتبرون أنّ العسكريين المحتجزين لدى «داعش» يُشكّلون ورقة رابحة بين يديه تُعزّز وجود عناصره وتبقيهم لمدّة أطول في جرود عرسال حيث يقيمون مواقعهم ويتمركزون ويقومون بوضع الخطط للتسلّل الى داخل المناطق اللبنانية، تفصل الأوساط نفسها بين مصيرهم، ومخططات التنظيم الأكبر حجماً، من وجهة نظره، والمرتبطة بما يحصل في سوريا والعراق وسواهما من معارك ومواجهات مع الأطراف الأخرى. فما يسعى اليه هذا التنظيم، لا يمكن تحقيقه من خلال أسر تسعة جنود للجيش اللبناني، كما أنّ بقاءه في عرسال أو فراره من المنطقة يرتبط بقرارات دولية وإقليمية تصبح معها عملية إطلاق سراحهم، أمراً تفصيلياً، على ما أضافت الأوساط ذاتها، ولهذا يجب عدم القلق على الجنود لأنّ الأمور لا تحصل بشكل اعتباطي، على ما يعتقد البعض، بل تبعاً لأجندات موضوعة يتمّ تنفيذها وفق الاتفاقات.
من هنا، فإنّ حماية الجيش لحدوده من أي تنظيمات إرهابية قد تتسلّل الى الداخل اللبناني، تدخل في صلب مهامه الطبيعية، حتى وإن كان «داعش» يحاصره نوعاً ما بأسر الجنود، لأنّ بإمكان هذا الأخير الحفاظ على سلامتهم إذا ما شاء للحصول على ما يريده من خلال التفاوض الذي لا بدّ وأن يرضخ له في نهاية الأمر. ولهذا يقوم الجيش بواجبه الوطني، ويُعرّض عناصره للخطر من أجل حماية سكّان البلدات المجاورة لمواقع الإرهابيين. وتقول بأنّ الجيش اللبناني وحده يتحمّل وزر وجود هؤلاء على حدوده، فيما تقف الدول الأوروبية متفرّجة على ما يقوم به من عمليات صدّ للهجمات وداعمة لها، غير أنّها لا تُقدم فعلاً على محاربة الإرهابيين إلاّ من خلال المساهمة ببعض الضربات العسكرية الجوية، أي بعيداً عن الإحتكاك بهم مباشرة على الأرض. وتكتفي باتباع الخطط الأمنية بعد كلّ اعتداء تتعرّض له بلادها.
فلبنان، على ما أوضحت الاوساط،لا يريد الدخول في المعارك مع هذه التنظيمات لو لم تتعدّ هي عليه، وتحاول اقتحام مناطقه الحدودية مرّات عدّة، وفي أماكن عدّة. وإلاّ لما كان جيشه مرغماً على الاشتباك معها لدرء خطرها عنه وعن شعبه وأرضه. كما أنّ ذريعة تمدّدها اليه لإقامة الدولة الإسلامية قد سقطت، بحسب ما شدّدت الأوساط ذاتها، إذ لم تنجح لا في العراق ولا في سوريا، ولهذا فمن الصعب أن تحقّق أي خطوة إيجابية لصالحها في هذا البلد.
ولهذا يبدو أنّ الطريق الأسلم للقابعين في جرود عرسال أن يُغادروها حفاظاً على سلامتهم، على ما نصحت، والتفتيش عن بقعة جغرافية أخرى لدولتهم، بعد أن حاولوا في بعض دول المنطقة ولم ينجحوا، خصوصاً وأنّ المرحلة المستقبلية بالنسبة للدول الكبرى لا سيما منها الولايات المتحدة الأميركية وروسيا لا يدخل ضمنها وجود هذه التنظيمات الإرهابية، بل تسعى مجتمعة الى القضاء عليها. فكلّما كثُرت الاتفاقات الدولية، كلّما ضعفت الحاجة لوجودها، ولهذا فعلى عناصرها أن يستدركوا ذلك ويحفظوا خط رجعتهم الى الحياة سالمين.
الديار