يتطلّع التيار الإصلاحي، الذي يقوده الرئيس الإيراني حسن روحاني، إلى الفوز بالدورة الثانية من الانتخابات التشريعية، لتشكيل مجلس الشورى. وبما أن معظم المحافظين المتشددين خسروا في الدورة الأولى، فمن المرجح أن ينبثق عن هذه الانتخابات مجلس شورى يضم غالبية من النواب المحسوبين على الإصلاحيين والمعتدلين المؤيدين لروحاني ومن المحافظين المعتدلين والبراغماتيين الأكثر تساهلا حيال سياسته التي أدّت إلى تقليص برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات الدولية.
لكن، حتى ولو فاز الإصلاحيون بأغلبية مقاعد مجلس الشورى (البرلمان)، فذلك لن يكون بقدر أهمية نتيجة الدورة الثانية من انتخابات مجلس خبراء القيادة، التي من المنتظر أن تجرى 24 مايو؛ وكانت الدورة الأولى أجريت بالتزامن مع الانتخابات التشريعية، الأمر الذي يفسّر، وفق المراقبين، نسبة الإقبال الضعيفة في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية مقارنة بالدورة الأولى.
ويعلم الإيرانيون، وحلفاؤهم وخصومهم، أن فوز الإصلاحيين في التشريعية سيكون محدود النتائج وليس سوى عملية تجميل للتسويق لوجه إيران “الجديدة” حليفة الأميركيين والأوروبيين، وحتى ولو فازوا في انتخابات مجلس الخبراء، فإن ذلك أيضا لن يكون له، على مستوى السياسة الخارجية بالأساس، أي تغيير يمكن أن يحدث فارقا مؤثرا، حيث سيلتزم المرشد الأعلى بدستور الثورة الإسلامية وبآيات قم، وأيضا سيكون محاصرا بالحرس الثوري.
وعكس هذه الحقيقة تصريح للباحث والسياسي الأميركي آرون ديفيد ميللر، في انتقاد للحملة الإعلامية الغربية التي رحّبت بتقدّم الإصلاحيين والمتشدّدين في نتائج انتخابات مجلسي الشورى والخبراء، رغم أن الفارق كان ضئيلا، حيث قال ميللر “اعتدال في إيران؟ لا تأملوا كثيرا، فمن غير المعقول أن الآمال المثالية أو الخيالات هي العامل المحدد لرؤيتنا لما هو ممكن حينما يتعلق الأمر بتحرير وإقرار الديمقراطية في المجتمعات الشمولية”.
وسلّطت مجموعة الشرق الاستشارية “ميدل إيست بريفنع”، التي تتخذ من واشنطن مقرّا لها، في أحدث تقاريرها، الضوء على انتخابات مجلس الخبراء القادمة، والفوز الذي حقّقه المعتدلون على حساب المتشددين في الدورة الأولى وتوقّعات الدورة الثانية. وجاء في التقرير أن التفوق الضئيل الذي حدث لصالح المعتدلين حرّك المحافظين ودفعهم إلى لعب الأوراق الرئيسية التي لديهم لاسترجاع مكانتهم في أعلى الهيئات في إيران.
وشكّلت نتائج انتخابات فبراير ضربة قاسية للمتشددين، فاثنين من أبرز ثلاثة محافظين في المجلس لم يتم إعادة انتخابهم وهم آيات الله محمد تقي ومصباح يزدي ومحمد يزدي، الذي فقد بخسارته في الانتخابات رئاسة مجلس الخبراء، فيما احتفظ آية الله أحمد جنتي بمقعده في المجلس. ويرأس آية الله جنتي مجلس صيانة الدستور، وكان له الفضل في تقييد مكاسب الإصلاحيين والمرشحين المعتدلين في انتخابات مجلس الشورى، من خلال شطب أسماء الإصلاحيين المؤثرين والذين يحظون بشعبية من معظم قوائم الترشيحات للانتخابات.
رفسنجاني.. حظ وافر ولكن فاز المعتدل آية الله علي أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي تولى رئاسة إيران لولايتين في السابق، وهو من الجيل الأول للثورة الإيرانية بأكبر عدد من الأصوات في مجلس الخبراء.
وجاء الرئيس الحالي حسن روحاني في المركز الثالث. ويعي رفسنجاني جيّدا أنه شخصية مثيرة للجدل، وقد واجه مؤخرا هجوما علنيّا من المرشد الأعلى وكبار قادة الحرس الثوري، بسبب تصريحات أدلى بها ينتقد فيها توسيع إيران لبرنامجها الصاروخي. وحذر رفسنجاني من أن هذا البرنامج يمكن أن يشكل عقبة أمام الاستثمار الأجنبي الذي تحتاج إليه إيران بشكل ملح الآن، عقب رفع معظم العقوبات الدولية عنها.
لذلك، طلب رفسنجاني من آية الله إبراهيم أميني (91 عاما) إمام صلاة الجمعة في قم سابقا الترشح لرئاسة مجلس الخبراء. ويحظى أميني باحترام جميع التيارات وقد كان على قائمة المرشحين للائحتي المتشددين ورفسنجاني في انتخابات مجلس الخبراء. وكان أيضا داعما قويا لحسن الخميني، حفيد آية الله الخميني، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه من الإصلاحيين، وقد تم استبعاده من قائمة المرشحين لانتخابات مجلس الخبراء.
وطرح المحافظون أسماء أخرى لمرشحين محتملين لرئاسة مجلس الخبراء منهم آية الله محمد علي موحدي كرماني وآية الله مومن وآية الله محمد الهاشمي الشاهرودي، فيما طرح المعتدلون اسم آية الله محمد إمامي كاشاني. وإذا وافق آية الله أميني على تولي منصب الرئاسة، من المحتمل جدا أن يتم انتخابه بأغلبية كبيرة مقارنة بأي مرشح آخر، كما يمكن تزكيته ولا يترشح أحد ضده.
وقد شغل آية الله علي مشكيني منصب رئيس مجلس الخبراء لمدة 24 عاما، لأنه كان مقبولا من الجميع. ويعتبر مثل هذا القرار حلا وسطا حول منصب نافذ، يتماشى مع الميول الراسخة بين زعماء ما بعد الثورة الإيرانية من أجل ضمان التراضي في اللحظة الأخيرة قبل اندلاع أي أزمة، لتجنب الاقتتال الداخلي الذي يمكن أن يسبب شرخا عميقا في السلطة الحاكمة.
وفي المقابل، تتزايد التكهنات بأن المرشد الأعلى يمكن أن يتخذ التدابير اللازمة لاختيار خليفة له. ومن بين الخيارات أنه قد يتنحى ويعين خلفا له، وبالتالي يحد من خيارات مجلس الخبراء. ويمكن في هذا الإطار أن يستمر في دعم المتشددين، بما في ذلك قيادة فيلق الحرس الثوري الإيراني، الذي بارك الهجمات ضد آية الله رفسنجاني، والتي تصاعدت بعد الانتقادات الأخيرة لتوسيع إيران لبرنامجها الصاروخي.
ويعتبر مجلس خبراء القيادة الإيرانية الهيئة الأساسية في النظام الإيراني الذي عهد إليه الدستور مهمة تعيين وعزل قائد الثورة الإسلامية في إيران، ويتألف هذا المجلس من 88 عضوا يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها ثماني سنوات.
ويحظى منصب رئيس مجلس الخبراء بأهمية خاصة، نظرا إلى أن مسؤوليته الرئيسية هي اختيار خليفة للمرشد الأعلى علي خامنئي، في حال وفاته أو عجزه عن الاضطلاع بمهامه.
من سيكون المرشد الأعلى الثالث ومن المتوقع أن يعين المجلس المرشد الأعلى القادم، لذلك يعتبر اختيار رئيس مجلس الخبراء أمرا بالغ الأهمية في الوقت الراهن. وفي كل الحالات، يجب أن تتوصل مراكز القوى السياسية الثلاثة في إيران، رجال الدين والحرس الثوري والتجار، إلى توافق في الآراء بشأن أي قرار كبير، وخاصة قرار حاسم مثل اختيار المرشد الأعلى. ومنذ أن تداولت وسائل الإعلام داخل إيران وخارجها، صورة المرشد الأعلى وهو على سرير المستشفى وقد خرج لتوّه من عملية جراحية في الثامن من سبتمبر العام الماضي، أثيرت التكهنات حول وضعه الصحي وحول من خلفه الذي سيتمتع بصلاحيات دستورية واسعة في نظام شديد المركزية.
ويوجد حاليا خمسة مرشحين رئيسيين لخلافة خامنئي، في حالة وفاته أو تنحيه، وهم يشكلون قوسا متدرجا من المحافظين إلى الليبراليين.
ومن بين المرشحين، مجتبى خامنئي، نجل المرشد الأعلى الذي سيكون الشخصية الأكثر استمرارية لوالده. وهناك اسم آخر طفى على السطح على نطاق واسع وهو حسن الخميني، حفيد أول مرشد أعلى للبلاد، وهو يتمتع بشعبية كبيرة لا سيما بين المعتدلين والليبراليين الأصغر سنا.
وهناك مرشح آخر يفضله المتشددون وهو صادق لاريجاني، الذي يرأس القضاء الإيراني منذ العام 2009. ومن بين المرشحين أيضا يوجد محمد لاريجاني، وهو شقيق اثنين من الشخصيات القوية: علي لاريجاني، الرئيس الحالي لمجلس الشورى والمفاوض النووي السابق ومحمد جواد لاريجاني، مستشار السياسة الخارجية للمرشد الأعلى ورئيس لجنة حقوق الإنسان في السلطة القضائية. وتنقل “مجموعة الشرق الاستشارية” عن تقارير إيرانية أن عائلة لاريجاني تعد مجتمعة أكبر العائلات نفوذا في المجال السياسي الإيراني.
وقد وصفت مجلة تايم الأميركية عائلة لاريجاني في العام 2009 بـ”النسخة الإيرانية من آل كيندي”.
ويجري أيضا تداول اسم محمود الهاشمي الشاهرودي، المولود في العراق، وهو من رجال الدين المعتدلين، وقد ترأس السلطة القضائية لمدة عشر سنوات قبل أن يحلّ محله لاريجاني في العام 2009. وينظر إليه على نطاق واسع، كمرشح توافقي لاستبدال خامنئي.
والمرشح الأخير هو الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني. لكن، وفق التقرير الأميركي، يمكن أن يؤدي انتخاب روحاني خلفا لخامنئي إلى محاولة انقلاب من الحرس الثوري، بدعم من المحافظين المتشددين ورجال الدين، الذين سيقاتلون عوضا عن القبول بمثل هذا التغيير في أعلى هرم للسلطة بالبلاد، والذي من شأنه أن يضعف نفوذهم الاقتصادي والسياسي. وخطرُ مثل هذا الانقلاب يجعل من تراجع.
الوضع السياسي والاقتصادي في إيران عملية متقلبة وسريعة التغير؛ وما لاحظه المراقبون للشأن السياسي الإيراني هو أن الحديث عن خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي يظهر ويختفي في كل مرة تكشف فيها المصادر المقربة عن حالته الصحية، الأمر الذي يعكس توترا عاليا في أروقة السلطة وجوا مشدود الأعصاب حول مستقبل إيران التي تعرف ضغطا شديدا بين متطلبات الشارع التواق إلى التحرر ومقتضيات السلطة التي لا تزال تحتكم للأيديولوجية الثيوقراطية.
ويخلص الخبراء في مجموعة الشرق الاستشارية إلى أنه كنتيجة لذلك، ليست هناك نتيجة مؤكدة حول خليفة خامنئي، ولن تظهر الحقيقة إلا عندما تحين اللحظة. فالعوامل التي يمكن أن تحدد القرار اليوم يمكن أن تكون في غير محلها، في ظل الظروف الراهنة المتغيرة.
ولهذا السبب فإن التصويت على الرئيس الجديد لمجلس الخبراء في 24 مايو القادم، سوف يفتح نافذة حاسمة وإن كانت غير مباشرة على العملية التي من شأنها أن تكون ذات أهمية كبرى بالنسبة إلى مستقبل إيران والمنطقة ككل، فيما تبقى نتائج الانتخابات التشريعية والحديث عن صعود تيار الاعتدال مجرّد خطابات دعائية معتمدة أساسا لخدمة أهداف لا تتعارض أبدا مع ما تمليه متطلبات سياسة إيران.
صحيفة العرب