القلق لدى زعيم تيار المستقبل سعد الحريري في الانتحابات البلدية لبيروت ليس من المتنافسين الراغبين بفرض حضورهم داخل الشارع البيروتي لتسجيل اعلى نسبة مشاركة ممكنة من البيروتيين في عملية اختيار المجلس البلدي. ولا يقلقه حصول اختراقات للائحة "البيارتة" التي اعلنت من بيت الوسط وبرعايته. فهو يعتبر ان معظم اعضاء لائحة "بيروت مدينتي"، هم من الذين كان يمكن ان يكونوا في لائحة البيارتة، ويعتبر ان فوز ايّ مرشح من هذه اللائحة لا يستفزه، رغم التزامه بتأييد ودعم لائحة البيارتة برئاسة المهندس جمال عيتاني.
ما يقلق الحريري هو اختلال التوازن بين المسيحيين والمسلمين في مجلس بلدية بيروت، خصوصا انه بدأ يتسرب الى مسامعه قول البعض ان المسلمين في بيروت يتجاوز عديدهم السبعين في المئة من الناخبين، وان نسب مشاركتهم في الانتخابات البلدية تتجاوز نسب مشاركة المسيحيين، وبالتالي فإن المناصفة في المجلس البلدي ليست منصفة للمسلمين ولا سيما لابناء الطائفة السنية. هذه الاصوات هي التي تقلق الحريري، ودفعته نحو استنفار ماكينة تيار المستقبل الانتخابية، لمواجهة هذه اللغة في الشارع، والتي تستهدف الاخلال بالمناصفة. تلك التي قال الحريري للعائلات البيروتية انها "من وصايا الشهيد رفيق الحريري"، التي تريد لبيروت ان تكون كما هي، نموذجا للبنان، وان يعبر مجلسها البلدي في تشكيله عن المكونات اللبنانية من دون غلبة او اقصاء.
يتوقع الحريري ويتمنى، كما تنقل مصادره، ان تشهد بيروت هذه المرة مشاركة مسيحية واسعة في عمليات الاقتراع، انطلاقا من ان هذه المشاركة ستشكل، مهما كانت النتائج، عنصر قوة للمجلس البلدي المنتخب. والتوازن الطائفي في المجلس البلدي يجب ان يترافق مع توازن في نسب الاقتراع بين مختلف المكونات البيروتية. حرص الحريري على مسألة التوازن في المجلس البلدي، اكثر من ايّ وقت مضى، ناتج عن حذر من ان تحدث اختراقات في المجلس البلدي.
وان كانت اوساط بيروتية تستبعد حصول اختراق للائحة "البيارته"، الا ان هذا الاحتمال يبقى واردا. فهذه انتخابات في نهاية الامر، ولا احد يستطيع ان يجزم بأيّ نتيجة مسبقة. لكن في حال حصول خرق، وهذا احتمال، يجب ان يضعه اعضاء لائحة جمال عيتاني على الطاولة... الخرق سيصيب الاعضاء المسيحيين، وبمرشحين سنة من اللوائح الاخرى او المرشحين المستقلين.
في المقابل تشكل لائحة "بيروت مدينتي" امتدادا للمجتمع المدني انطلاقا من الحراك الذي كان محوره قضايا مختلفة آخرها ملف النفايات. المجموعة المرشحة يمكن اعتبارها نموذجية لجهة تمثيل المرأة والعناصر الشابة والطاقات المتنوعة في اختصاصها ومهنها، وصولا الى تمثيل المعوقين في لائحتها. هي ليست لائحة حزبية او سياسية، بل يمكن القول بثقة ان معظم عناصرها هم من الذين نشطوا في السنوات السابقة ضمن تيار 14 آذار، وبالتالي هم في العموم اقرب سياسيا الى الاتجاه السياسي الذي يمثله تيار المستقبل من الاتجاه الذي يمثله فريق 8 آذار.
من الظاهر في هذه الانتخابات البيروتية انكفاء حزب الله عن المشاركة فيها ولو من خلال اعلان دعمه واحدة من اللوائح. ورغم ما يشاع عن دعم المرشح الوزير السابق شربل نحاس، الا ان اي موقف لم يصدر من حزب الله يشير الى هذا الامر. لكن بسبب عدم مشاركة حزب الله في لائحة "البيارته"، يمكن ان يدفع حزب الله مناصريه الى تأييد نحاس او لائحة "بيروت مدينتي".
معركة بيروت البلدية لا تبدو فيها المنافسة حادة، بل ليست هناك من حملات انتخابية بالحجم الذي كانت عليه في انتخابات 2010 في ظل الانقسام السياسي الحاد بين 8 و14 آذار. المعركة يريدها الحريري معركة المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في المجلس البلدي، ولاظهار ان بيروت في العموم لم تزل منحازة الى خيار الاعتدال والتوازن، لا سيما في ظل تصاعد ظواهر التطرف والانغلاق المذهبي والطائفي.
في المقابل تعمل لائحة "بيروت مدينتي"، رغم طابعها النخبوي، على تثبيت هوية المجتمع المدني التغييري ودوره. وتوفر هذه الانتخابات عناصر خبرة اضافية لمؤسسات المجتمع المدني في مقاربتها للشأن الانتخابي. الهوية المدنية لبيروت هي المطلوب تثبيتها وهذا لا يتطلب مؤسسات مجتمع مدني ناشطة فحسب، بل يتطلب ان يثبت ممثلو المجتمع المدني قدرتهم على ملامسة والتقاط حسّ الناس في الشارع، واثبات قدرتهم على حمل مطالبهم حتى النهاية وليس في المواسم الانتخابية او في محطات متباعدة.