دخل القضاء على خط صفقة الـ 120 مليون دولار العائدة إلى قرار مجلس بلدية بيروت شراء عقارات الرملة البيضاء لإقامة مسبح شعبي موجود أصلاً. ويبدو أن عقد الاتفاق سيخضع لتحقيقات يجريها النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم الذي تحرك الثلاثاء الماضي من تلقاء نفسه، معتبراً ما ورد في صحيفة «الأخبار» بمثابة إخبار.

إذ طلب إبراهيم من محافظ بيروت زياد شبيب، إرسال نسخة عن محضر اجتماع المجلس بتاريخ 21/4/2016، وهو تاريخ اتخاذ قرار الموافقة على شراء العقارات الثلاثة (2369، 4026، 4027 المصيطبة) من رجل الأعمال وسام عاشور بطريقة الاتفاق بالتراضي. ويجري الحديث في هذا السياق عن أن الرئيس نبيه بري ضغط بنفسه باتجاه تحريك هذا الملف قضائياً، بعد أن عارض العضو المحسوب عليه داخل المجلس البلدي فادي شحرور قرار الشراء. كذلك علمت «الأخبار» أن بري يسعى إلى عدم إمرار الصفقة في ديوان المحاسبة. وردّ مسؤولون في الديوان على سؤال «الأخبار» عن الأمر، بأن «الملف لم يصلنا بعد، وسنتخذ القرار المناسب عند تسلّم العقد». إلا أن مصادر الديوان أكدت لـ»الأخبار» أنه سيردّ الملف لعدم اقتناعه بقانونيته. وسبق أن أثار بري مسألة شراء البلدية للعقارات من عاشور (الصهر السابق لرئيس المجلس النيابي)، لافتاً إلى أنه سمع شخصياً من الرئيس الراحل رفيق الحريري أن هذه العقارات يجب أن تكون جزءاً من المسبح الشعبي. وفي إطار الضغوط التي يمارسها بري لمنع إمرار الصفقة، يستعد وزير الأشغال العامة والنقل غازي زعيتر، بعد عطلة عيد الفصح، لطلب استشارة قانونية بشأن طريقة التعامل مع هذا الملف، بصفته وزير الوصاية على الأملاك البحرية.
من جهة أخرى، بدأت تظهر بوادر «تلاعب» في هذه الصفقة على صعيدين:
1- يقول محضر جلسة لجنة التخطيط والأشغال (التابعة لمجلس بلدية بيروت ويرأسها رئيس البلدية بلال حمد) المنعقدة بتاريخ 19/4/2016 إن اللجنة «اطلعت على التخامين المقدمة من خبراء التخمين والتي حددت سعر المتر المربع بمبلغ 5500$ و7000$، فرأت أن هذه الأسعار مرتفعة ويجب أن لا يتجاوز سعر المتر المربع 4500$». غير أن مصادر البلدية تؤكد أن «ملف التخطيط والأشغال لا يضم أي شهادة تخمين. وكل ما ورد عن هذا الأمر ليس إلا «تخريجة» لإرساء السعر على 4300$ وإظهار حمد بصورة البطل الذي وفّر على البلدية عشرات ملايين الدولارات». ويُشاع أن فهد رفيق الحريري باع أخيراً عقاراً محاذياً لعقارات عاشور بسعر 2500 دولار للمتر الواحد، علماً أن عامل الاستثمار في العقار يسمح بتشييد أبنية مرتفعة عليه، على عكس العقارات التي قررت البلدية شراءها، والتي يتدنى فيها عامل الاستثمار إلى الصفر ولا يسمح القانون البناء عليها بتاتاً، وهو ما يقود إلى السؤال عن طريقة تبرير البلدية للفرق الشاسع في الأسعار رغم التفاوت في طبيعة العقارات.


حُذِفت عبارة «تكليف
المحافظ بالتفاوض مع مالك العقارات» من قرار البلدية

 


2- حصلت «الأخبار» على محضر جلسة المجلس البلدي (تاريخ 21 نيسان 2016) التي صدر فيها قرار شراء العقارات من عاشور. وورد في المحضر، ضمن الخانة أ التي تحمل عنوان شؤون مختلفة: «تقرر بالأكثرية الموافقة على شراء العقارات بطريقة الاتفاق بالتراضي من قبل بلدية بيروت وتكليف محافظ بيروت التفاوض مع صاحب هذه العقارات، على أن يأخذ في الاعتبار الكتاب المقدم من مالك هذه العقارات». أما القرار رقم 284 الذي أرسله رئيس البلدية إلى المحافظ لوضعه موضع التنفيذ، فحُذِفَت منه كلمة «التفاوض» واستبدلت الجملة في المادة الثانية على الشكل التالي: «الطلب إلى الإدارة (أي المحافظ) تحضير عقد الاتفاق اللازم بما يتوافق والمادة الأولى من هذا القرار في ضوء كتاب وكيل مالكي العقارات المشار إليه أعلاه (طلب المالك في الكتاب مبلغ 4300$ للمتر الواحد) والموجه إلى رئيس المجلس البلدي بتاريخ 19/4/2016». واللافت هنا أن كلمة «تفاوض» اختفت من القرار واستبدلت بجملة «تحضير عقد الاتفاق» للإيحاء أن «الصفقة» تمت ويجدر بالمحافظ تحضير العقد من دون المفاوضة على السعر. يبرر أحد أعضاء المجلس ما سبق بالقول إن «أعضاء المجلس اشترطوا على حمد إدراج كلمة تفاوض من باب استدراج المالك إلى أدنى سعر للموافقة على عملية الشراء، غير أن إرسال القرار مجتزأً إلى المحافظ يؤكد نية حمد الشراء بالسعر الذي طلبه المالك من دون مفاوضته؛ أي سحب الأمر من يد المحافظ لضمان مرور «صفقة» الـ 120 مليون دولار بسلام! فالمحافظ غير مخوَّل رفض العقد، وهو بمثابة ساعي بريد بين المجلس ووزير الداخلية نهاد المشنوق. وفي حال موافقة المشنوق على العقد، يسلك طريقه إلى ديوان المحاسبة ليعود إلى مكتب المحافظ فالمجلس مجدداً، للتصديق عليه نهائياً.
ما تقدّم يدل على وجود شبهات كثيرة تحوم حول صفقة الـ120 مليون دولار، التي يُراد تبديدها من أموال سكان العاصمة. فيما تحوم شبهات أخرى حول «هرولة» رئيس بلدية بيروت بلال حمد إلى إقرار أكبر صفقة مالية ــــ عقارية في أقل من أسبوعين، حيث سلكت طريقها من لجنة التخطيط إلى المجلس بمدة قياسية. واللافت أن أحداً لم يُثر هذه المسألة من زاوية أن المجالس والشخصيات المنتخبة، وبصرف النظر عن صلاحياتها، تكف، بموجب العرف، عن اتخاذ قرارات مهمة في الأسابيع الأخيرة من ولايتها. وينحصر عمل المجلس البلدي بما يشبه تصريف الأعمال، وتترك «القرارات الكبيرة» إلى المجلس الذي سيُنتخَب للتدقيق فيها.