حلب أقدم المدن المأهولة في العالم، في حلب التي تعاقب عليها الاموريون والآراميون والاشوريون والسريان والفرس والهيلينيون والرومان والبيزنطيون والعباسيون والعثمانيون وكل من جاء بعدهم، وفي حلب التاريخ والألواح المسمارية. في حلب تُستخدم اليوم أقدم وأحدث الأسلحة وأكثرها دموية وفتكاً بالحضارة والبشر والتاريخ والحجر. وفي حلب عاصمة الثقافة الإسلامية في الوطن العربي (عام 2006)، ينوء الإسلام تحت وطأة وجور من يرفع لواءه للذبح باسمه. وفي حلب تختلط الصواريخ مع البراميل وجرار الغاز. فيموت الطفل والام والشيخ والكبير والصغير وعلى وجوههم ألف سؤال وسؤال .
يموت الضمير وتموت الإنسانية لأن ما تبقى من المساحات هي مساحات للقتل والدم والموت والدمار .
إن ما يحدث من مجازر في حلب وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء. لكن وصمات العار ليس لها مكانٌ عادة في حسابات الدول وصراعات الأمم.
لا يهم إن قتل 10 أو 100 أو 1000 من الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ. لا يهم ان تُباد أحياء بالكامل ويقتل الآلاف .
لا يهم أن تنوء الحضارة تحت وطأة القصف والقتال. هذه تفاصيل عابرة على طاولة الصراعات والصفقات والتفاوض بين واشنطن وموسكو، ومن خلالها بين حلفاء كل طرف كل هذا لا يهم.
ففي السياسة والأمن، حلب مهمة لتركيا، ومهمة للسعودية، ومهمة لإيران، ومهمة للجيش السوري ومهمة للمسلحين والمعارضة ومهمة لحزب الله ومهمة للمكفّرين والإلغائيين والظلاميين، ومهمة لروسيا ومهمة لأميركا والأطلسي.... على تخومها ينهزم مشروع ويقوم آخر، بعدما هزمت كل المشاريع ناس حلب وتاريخ حلب وقلاع وحجارة وثقافة ومصانع ورونق وإسلام ومسيحية حلب.
ولأنها كذلك فإن المنتظر يشي بالكثير من الدماء قبل أن ينتصر طرف على الآخر، أو قبل أن يقرر الجميع تقاسم الخسائرما يحدث في حلب وصمة عار على جبين الإنسانية جمعاء وابتداء من اليوم ستبقى حلب الشاهدة و الشهيدة على هذا الزمن و على هذا التاريخ .