من شأن الانتخابات البلدية التي أقفلت باب الترشح لها في بيروت على 120 مرشحاً بينهم 22 امرأة، وفي البقاع وبعلبك الهرمل على 1850 مرشحاً ان تلطف أجواء التوتر التي وأن خبت، فإنها مستقرة في الكواليس ووراء الغرف المغلقة، وفي المصارحات والحوارات، سواء على خلفية عدم انتخاب النائب ميشال عون رئيساً للجمهورية، أو على خلفية التحشد المسيحي في الانتخابات البلدية والاختيارية، عبر استنساخ نموذج الثنائيات الطائفية، المعمول به في الجنوب والبقاع.
وعلى الرغم من الحرارة التي بعثتها في الركود السياسي الذي ضرب البلاد، عبر التعطيل والسجالات والنكايات والتحديات والتهديدات والاستهتار بمصالح الدولة والمواطن ومصير البلاد والعباد، فإن الاشتباك السياسي الذي يتوارى حيناً، وينتصب في الواجهة أحياناً، يجعل من الأسئلة والمخاوف مشروعة لدى الأوساط الدبلوماسية والسياسية عشية مرور سنة و11 شهراً على شغور موقع الرئاسة الأولى، وتزايد التشاؤم حول إمكانية التوصّل إلى قانون انتخاب تتفق عليه الأطراف ويسمح باجراء الانتخابات النيابية عام 2017، في ظل استمرار العجز عن إقرار الموازنة ومعالجة الأزمات المتلاطمة، ومجاهرة الأقطاب الكبار اللاعبين بأن التعايش بينهم بات متعذراً، مما جعل رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط ينسحب بهدوء من معركة العجز والفشل، ويغرد داعماً لائحة «بيروت مدينتي» البلدية في مواجهة لائحة «البيارتة» الممثل فيها، ليعود ويتراجع.
وفي المشهد الذي وضع «حزب الله» بعيداً عن الأنظار ثقله لعدم التعبير عنه في الشارع، بين الرئيس نبيه برّي مدعوماً من كتل «المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي» و«الوفاء للمقاومة» و«المردة» والمسيحيين المستقلين في 14 آذار، و«تفاهم معراب» الذي يُشكّل النائب عون وكتلته وتياره رأس الحربة فيه، تارة في مواجهة تيّار «المستقبل» وتارة في مواجهة الرئيس برّي وكتلته.
فجأة ادرك النائب عون ان مواقفه يعلنها مباشرة بنفسه، في معرض نفيه كلاماً نسب إلى «عونيين» مفاده: «نبيه برّي هو مشكلتنا»، لكن الرئيس برّي، في لقاء الأربعاء النيابي، الذي غاب عنه نواب «التيار الوطني الحر» رد على لسان النائب العضو في كتلته علي بزي من دون ان ينفي ما نسب إليه من انه طلب من عون الاعتذار على خلفية وصفه المجلس النيابي بغير الشرعي، بالاشارة إلى ان العلاقة بين رئيس المجلس ورئيس تكتل الإصلاح والتغيير علاقة احترام متبادل.
وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، على الرغم من ان الرئيس برّي احال مشاريع قوانين الانتخاب إلى اللجان المشتركة، والتي دعاها إلى الاجتماع الثلاثاء المقبل، خرج العماد عون إلى إطلاق سلسلة من المواقف تصب في إطار رفع حجم المخاوف على مستقبل النظام السياسي الذي ارسته وثيقه الوفاق الوطني وتكرس باتفاق الطائف.
وإن كانت المناسبة هي الذكرى 11 لخروج القوات السورية من لبنان، فإن عون جدد التأكيد ان ولاية المجلس الحالي هي غير شرعية بالمعايير الدستورية العالمية، متهماً الأكثرية المنتخبة في العام 2009 بأنها تريد ان تتحكم، على الرغم من عدم شرعيتها، بانتخاب رئيس للجمهورية.
ورداً على تأثير وحدة المسيحيين بانتزاع الشراكة من جديد والمساواة في الحكم، قال عون: «اذا لم تتحقق الشراكة والتوازن في الحكم، وإذا لم يلعب كل دوره، بتناغم مع السلطة التشريعية والتنفيذية سيكون لبنان في خطر، لأن الشواذ لا يمكن ان يدوم».
ولعل هذه الإشارة التي برزت في الاتصالات التي جرت ودفعت الرئيس برّي إلى صرف النظر عن الجلسة التشريعية، وتحويل قانون الانتخاب إلى اللجان المشتركة لدرسه، والذي وصفه نائب رئيس المجلس فريد مكاري الذي أوكلت إليه مهمة ترؤس جلسات اللجان المشتركة، بأنه «خطوة تهدف إلى تفادي الشرخ مع الأحزاب المسيحية»، هي محور جهود ستتواصل لتجنب الأسوأ، لا سيما بعدما اتهمت كتلة «الوفاء للمقاومة»، «المستقبل» بالتهرب من التوافق على إقرار قانون انتخاب تمثيلي يقوم على المناصفة ويصون العيش المشترك، والاستنسابية في تطبيق وثيقة الطائف، واصفة هذا التهرب بأنه «افظع جريمة يواصل «المستقبل» ارتكابها بحق لبنان واللبنانيين، وتهدد بتعطيل كل مؤسسات الدولة وتشيع الفوضى والفساد وتصعد الخطاب الطائفي والمذهبي».
ومع أن هذا البيان يأتي رداً على كتلة َ«المستقبل» أمس، فإنه يعبّر عن جانب من المناقشات الجارية في البلد حول الصيغة السياسية الملائمة، سواء أكانت الشراكة من خلال الطائف، أم البحث عن خيارات أخرى يأتي في مقدمها الفيدرالية باعتبارها نموذجاً يجري تظهيره في البلدان ذات الانتماءات المتعددة، سواء كانت طائفية أو أتنية أو خلاف ذلك.
وفي المعلومات، أن اهتمام السفارات العاملة في لبنان بالانتخابات البلدية، مردّها إلى اعتبارها ممراً اختبارياً لإنعاش إمكانيات صمود النظام السياسي الحالي، أم البحث عن بدائل تعبّر عنها التحالفات الطائفية خارج بيروت، حيث تتحوّل الانتخابات البلدية والاختيارية إلى فرصة لإدارة مناطق الطوائف خارج العاصمة بيروت إدارياً وإنمائياً.
وما يُعزّز هذه المخاوف أن كل الصيغ المطروحة لإيجاد مخارج أو تصوّر سيناريوهات لكسر «الستاتيكو» اللبناني أو استمراره، لا تأخذ بالحسبان موضوع انتخاب رئيس للجمهورية، فضلاً عن الشلل الذي يُهدّد حكومة المصلحة الوطنية باعتبارها آخر صيغة تلتقي فيها القوى السياسية والطائفية، إذا ما عادت أكوام النفايات ترتفع في الشوارع والساحات، بعد الثامن عشر من أيار المقبل، وقبل أسبوعين من بدء شهر رمضان المبارك في 6 حزيران، خصوصاً وأن كميات النفايات التي رفعت لم تتجاوز كميتها الـ500 ألف طن.
مجلس الوزراء
وتنبّه مجلس الوزراء لهذه المخاطر، فاستقر الرأي على عقد جلسة لمحارق النفايات، وجلسة أخرى لبحث أعمال مجلس الإنماء والاعمار.
وبصرف النظر، عمّا إذا كانت الجلسة التي انعقدت أمس، منتجة أو غير منتجة بتعبير وزير الصحة وائل أبو فاعور، فإن الرئيس تمام سلام تمكن من تجاوز أزمة جهاز أمن الدولة بإعطاء «داتا» الاتصالات لكل الأجهزة الأمنية بما في ذلك أمن الدولة، ومن دون التطرق إلى موضوع الانترنيت غير الشرعي الذي أصبح بتصرف القضاء الذي أوقف ستة أشخاص وادعى على أربعة آخرين بينهم موظفون.
على أن الموضوع الذي استأثر بالجدل، هو الموضوع الذي أثاره وزير الطاقة ارتيور نظاريان بضرورة وضع عدادات للكهرباء في مناطق تجمع النزوح السوري تمهيداً لاستيفاء كلفة ما يستهلكونه من التيار الكهربائي، ولم يحصل اتفاق حول هذا الموضوع إذ أن وزير العمل سجعان قزي رفض هذا الاقتراح بقوة معتبراً أنه إذا ما حصل يعني تشريع وتثبيت وجود النازحين في لبنان.
وأكد الوزير قزي على ضرورة أن تتولى الهيئات المعنية والدول المانحة دفع ما يلزم للبنان مقابل تقديم هذه الخدمات من دون اشتراكات رسمية، فردّ وزير الخارجية جبران باسيل بأن هذه الهيئات لا تتجاوب، فهو عندما كان وزيراً للطاقة وضع عداداً للكهرباء في عين الحلوة ولم تدفع «الأونروا» قرشاً واحداً.
وعاد وزير المال علي حسن خليل وأكد أن أي إنفاق إضافي يحتاج إلى قانون يصدر عن مجلس النواب، وذلك في معرض النقاش حول طلب وزير الأشغال غازي زعيتر أموالاً من أجل الطرقات.
الإنتخابات البلدية
بلدياً، أقفل باب تقديم الترشيحات لانتخابات بلدية بيروت وبلديات البقاع وبعلبك - الهرمل منتصف الليل، على أن تنتهي مهلة الرجوع عن الترشيح منتصف ليل الثلاثاء في 3 أيار المقبل، بعد أن مدّد وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق هذه المهلة يوماً واحداً بسبب مصادفة الاثنين يوم عطلة رسمية.
وبلغت الحصيلة شبه النهائية لعدد المرشحين لانتخابات بلدية بيروت 92 مرشحاً من الذكور و22 مرشحة من الإناث، بانتظار أن يقدم 6 مرشحين قبيل منتصف الليل الإيصالات المالية لترشيحهم إلى المحافظة، وبذلك يكون عدد المرشحين الإجمالي 120 مرشحاً يتنافسون على 24 مقعداً.
اما بالنسبة للمخاتير، فقد بلغ عدد المرشحين الذكور 216 مرشحاً و10 أناث، فيكون المجموع 226 مرشحاً، وثمة مرشّح واحد يحتاج إلى تقديم إيصال مالي.
وفي بعلبك الهرمل بلغ عدد المرشحين حتى الخامسة والنصف عصراً 1850 مرشحاً يتنافسون لعضوية 74 مجلساً بلدياً، إضافة إلى 589 مرشحاً للمختارية و33 مرشحاً لعضوية المجالس الاختيارية.
ويفترض ان تذيع دوائر وزارة الداخلية والبلديات بياناً رسمياً اليوم بالحصيلة النهائية بعدد المرشحين والأسماء للانتخابات بلدية بيروت وبلديات البقاع وبعلبك الهرمل.
علماً ان لائحة غير مكتملة أعلنت عصر أمس لانتخابات بيروت ضمّت 9 مرشحين حملت اسم لائحة «البيروتي» يفترض ان تتنافس مع لائحتين مكتملتين هما لائحة «البيارتة» التي يرعاها تيّار «المستقبل» والأحزاب والقوى السياسية في العاصمة، ولائحة «بيروت مدينتي» إضافة إلى لائحتين غير مكتملتين اخريين.
ودعا الرئيس سعد الحريري خلال استقباله عائلات بيروتية الحاضرين إلى النزول إلى صناديق الاقتراع وانتخاب لائحة «البيارتة» في الثامن من أيّار، كي يصل المجلس البلدي الذي يعبر عن تطلعات أهل بيروت ويعمل لصالح العاصمة كلها.
وقال «ان اصرارنا على تكريس صيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في تشكيل لائحة «البيارتة» إنما هو للتأكيد على اننا تيّار معقول يقبل الآخر ومنفتح على الجميع، ويؤمن بالعيش المشترك وضد كل اشكال التعصب والتطرف من أية جهة أتى، لافتاً إلى ان هناك مشاريع ضرورية وملحة تتصدر مهمات المجلس البلدي المقبل، أهمها الانكباب على إقامة معمل لمعالجة النفايات على أسس علمية حديثة حتى يتم حل المشكلة جذرياً، ولا تبقى هاجساً يؤرق أهل بيروت.