تداول السلطة في حزب ماركسي امرٌ جيد، والمعروف في تجارب الأحزاب الشمولية أنّ الديمقراطية هي الغائب الأبرز في ممارساتها.
وهي غالبا ما تغطي حالات الاستبداد والتّسلُط الذي تمارسه القيادة تحت عنوان "الديمقراطية المركزية"، وينسبون هذا التطبيق إلى التجربة اللينينية، فالقيادات المركزية هي التي تحتفظ لنفسها بالامساك بزمام اللعبة الديمقراطية، وذلك بحجّة التدخل المركزي الذي يقوم وحده بحقّ الترشيحات والتزكية، وهذا التدخل غالبا ما يفضي إلى إفراغ العملية الانتخابية من مضمونها الديمقراطي الفعلي.
أمّا وقد تراكمت خلال السنوات الماضية ،أعطابٌ خطيرة وندوب واضحة في هيكلية الحزب الشيوعي، قيادة وقواعد، نتجت عن انحرافات في مسار الحزب، فقد عانى طوال السنوات الماضية من جمود الطروحات الأيديولوجية التي عفا عليها الزمن، فما زالت الإمبريالية الأميركية هي المسؤولة عن كل مصائبنا، وما الطائفية والاستبداد والديكتاتورية والحروب الأهلي إلاّ ارتدادات بسيطة للزلزال الإمبريالي المستمر .
أمّا الالتحاق ببعض مواقع القوى الطائفية والمذهبية فهي في نظر القيادة السابقة ،مجرد مساهمة بسيطة في فعل المقاومة والممانعة.
وهذا ما أدى إلى خسارة الحزب لقيادات وقواعد ناشطة، سارعت إلى مغادرة الحزب تحت وطأة التنازلات المتلاحقة، والبؤس الأيديولوجي، وصولا إلى روائح فساد غير مبرّرة ومستهجنة.
وتبقى بعد أعمال المؤتمر الأخير، تساؤلات حقيقية حول ما جرى ، فهل تمّ عزل القيادة السابقة بتوجّهات جديدة؟
من الممكن أن تعيد للحزب حيويته السابقة، من تجديد في الفكر الأيديولوجي، وتصحيح لمسار الالتحاق بقوى الأمر الواقع السلطوية، وضخّ جرعات كافية في شرايين الحزب من المرونة والاعتدال والديمقراطية، وفتح صفحات جديدة للمناضلين الذين سبق وغادروا قواعدهم، بحيث تمكن عودتهم بشكل طبيعي إلى مسارات الحزب المستقبلية، وعلينا أن نتفاءل مع المتفائلين بعودة حزب طليعي كالحزب الشيوعي إلى دوره المعتاد في دفع الحياة السياسية اللبنانية نحو المزيد من الديمقراطية، والمزيد من انتزاع المكاسب الوطنية للعمال والمهنيين والكسبة والموظفين، واغناء الحياة السياسية بمناضلين صادقين أوفياء.
صحيح أنّ الخطاب الذي عقّب فيه الأمين العام السابق خالد حدادة كان محبطا للآمال، ذلك أنّه عندما أشاد بالعملية التغييرية، أكّد على فضائل إنجازات قيادته السابقة والتي لم يعتورها أية شائبة، وخلت كلمته من أي حسّ نقدي بنّاء وجدي يمكن البناء عليه في المرحلة القادمة، وهناك من يتخوف من أن يكون القيادي حنا غريب أكثر جمودا على التقليد، وعدم قدرة على إبداع منعطفات يسارية لمسار الحزب في السنوات القادمة، إلاّ أنّ التفاؤل يبقى سيد الموقف الآن، والحكم لا يسبق الفعل، بل يعقب المعاناة والصبر.
وعسى أن يمتدّ التغيير إلى سائر الأحزاب التي كانت فيما مضى سباقة إلى خوض النضالات الوطنية والتقدمية، وتمتاز بانحيازها للفئات المقهورة والمستغلّة في بلد الاشعاع والحضارة.