دخل باراك أوباما إلى البيت الأبيض يحمل جائزة نوبل للسلام٬ ويستعد لمغادرته٬ وهو يتحمل مسؤولية الجزء الأكبر من الهولوكوست السوري٬ بعد أن أمعن طيلة 5 سنوات في افتعال المبررات لقراراته بعدم مساعدة الشعب السوري في التخلص من بشار الأسد٬ وتعمده تعطيل المنظومة العربية والإقليمية والأوروبية٬ التي توافقت على ضرورة إنهاء المأساة السورية٬ ورحيل النظام منذ انطلاق ثورة الشعب السوري. وعندما فشل التدخل الإيراني في حماية الأسد٬ عبر عشرات الآلاف من الميليشيات الطائفية٬ التي أرسلتها طهران إلى سوريا من دون أي اعتراض جدي من ساكن البيت الأبيض٬ وجد باراك أوباما في التدخل الروسي ضالته٬ فاستغله لعله يتمكن من خلاله من فرض منطقه للحل٬ الذي قام أساسا على تسوية لا غالب ولا مغلوب٬ وهي في جوهرها تسوية لا تنتج سوى تغيير في الشكل وليس في المضمون٬ بهدف الحفاظ على مهمة نظام آل الأسد٬ حتى ولو غابوا عن قيادته٬ وهي المهمة المتوافق عليها دولًيا٬ وتقوم على ضمان حماية أمن إسرائيل٬ وفي الوقت نفسه تنفيذ المهمة المستجدة بالنسبة لأوباما٬ وهي الحفاظ على المصالح الإيرانية في سوريا٬ فترك لطائرات الـ«سوخوي» أن تصيغ واقًعا ميدانًيا لصالح الأسد وميليشياته الإيرانية٬ في حين مارست الدبلوماسية الأميركية واحدة من أكبر سياسات التخفي خلف إصبعها٬ وانصاعت دون قيد أو شرط للمطالب الروسية٬ فتمكنت موسكو من تمرير أسوأ القرارات الدولية بشأن سوريا في مجلس الأمن بالتوافق مع واشنطن٬ قرارات أعطت الفرصة للمبعوث الدولي دي ميستورا من أجل محاولة الالتفاف على قرارات «جنيف 1» و«٬«2 وطرح تفسيرات جديدة للمرحلة الانتقالية٬ وهذا ما كشفت عنه الوثائق السرية المسربة أخيًرا٬ التي قدمها إلى مجلس الأمن منذ عدة أشهر٬ والتي عرفت بـ«مسودة الأطر التنفيذية لبيان جنيف»٬ وتنص الفقرة 51 منها على وجود مرحلة تحضيرية٬ يسمح فيها ضمنًيا باحتمال استمرار الأسد في ممارسة بعض المهام خلال هذه الفترة٬ على الرغم من أن المسؤوليات العسكرية والأمنية ستتولاها منذ البداية هيئة الحكم الانتقالي٬ التي رفضتها المعارضة السورية والدول الإقليمية الداعمة لها في حينها٬ مما دفع دي ميستورا إلى حذفها من الوثيقة المسربة٬ وإبقاء مصير الأسد غامًضا عبر نص جديد يذكر فيه الصلاحيات البروتوكولية للرئيس. مؤشرات عددية شّجعت المبعوث الدولي إلى سوريا دي ميستورا على محاولة إعادة تعويم نظام الأسد٬ وفي مقدمتها تيقنه بأن الرئيس الأميركي باراك أوباما ليس في وارد السماح بإجراء أي تغيير فعلي في موازين القوى في الميدان السوري٬ بل إن تصريحاته الأخيرة في العاصمة البريطانية لندن٬ التي اعتبر فيها أنه من الخطأ الكبير أن تقوم أميركا وبريطانيا أو أي دولة أخرى بإرسال قوات برية من أجل الإطاحة بالأسد٬ ليست دليلاً على انكفاء للدور الأميركي في القيادة العالمية٬ بل الانتقال إلى دور المعطل المتفرج٬ الذي يراهن على أن الدول التي تحارب مباشرة في سوريا أو بالوكالة سوف تستنزف٬ وبأن الشعب السوري سيتعب٬ وسيتخلى في لحظة ما عن كثير من مطالبه٬ التي ليس لأحد رغبة في تنفيذها أو حتى السماح بحصولها.
فمواقف الإدارة الأميركية الأخيرة٬ ورفض أوباما مجدًدا تشكيل منطقة آمنة٬ ليست إلا ضوًءا أخضر جديًدا للأسد وداعميه للاستمرار في عمليات الإبادة٬ واستخدام العنف المفرط ضد المدنيين٬ وإشارة إلى احتمال قبول باراك أوباما بحدوث تغيير استراتيجي على الأرض لصالح الأسد٬ يفرض أمًرا واقًعا على المفاوضات٬ يخفف العبء الذي يتحمله أوباما جراء رفض المعارضة السورية المستمر القبول ببنود ورقة دي ميستورا٬ التي لا تنص صراحة على رحيل الأسد٬ في حين زاد وزير خارجيته جون كيري الطين بلة٬ في حديثه لصحيفة «نيويورك تايمز» منذ أيام عن أسباب انهيار الهدنة وارتفاع حدة المعارك في حلب٬ عندما اعتبر أن «التمييز بين الإرهابيين وقوات المعارضة على ساحة القتال غدا أكثر تعقيًدا مما توقعته الولايات المتحدة»٬ مشيًرا إلى أن «وجود الإرهابيين في هذه المنطقة٬ هو الذي دفع إلى تحريك قوات المدفعية باتجاه حلب»٬ فيما اكتفى أوباما بالتصرف كأنه رئيس لجمعية خيرية وليس لدولة عظمى٬ عندما اختزل دور واشنطن باستخدام نفوذها لإقناع روسيا وإيران بالعمل على التوسط في عملية انتقال سياسي في سوريا.
تحاول إدارة أوباما منذ توقيع الاتفاق النووي مع إيران حماية مصالح طهران الاستراتيجية في سوريا٬ وتعتمد على روسيا في رسم التوازن الدقيق بينها وبين تل أبيب٬ ففي إحدى زيارات المعارضة السورية إلى واشنطن٬ طالب وزير الخارجية الأميركي السوريين الذين التقوه سنة 2014 بتقديم ضمانات لطهران في الحفاظ على ممراتها الآمنة إلى لبنان٬ ويصّر أوباما قبل رحيله عن البيت الأبيض على مقاربة للواقع السوري تريح طهران وتفرض نفسها على مواقف الرئيس الأميركي المقبل٬ بحيث تمنعه من سرعة التحرك أو التفلت بسهولة من تركة سلفه٬ فأوباما الذي واجه عدم ثقة الخليجيين بمواقفه في الرياض٬ لن سوريا وجناية أوباما يتخلى فيما تبقى له من أشهر في السلطة عن فرض مقاربته المستحيلة على المنطقة٬ وتمسكه بالأهمية الجيو استراتيجية لبقاء النظام السوري٬ التي تمنع قيام نظام إقليمي عربي متماسك يعيد إيران إلى حجمها الطبيعي٬ لذلك تصبح معركة حلب مصيرية٬ وعليه٬ ينطبق المثل السوري: «يا رايح كتر من القبايح»