تقاطعت مصادر ديبلوماسية فرنسية مع مصادر ديبلوماسية اميركية في وصف لبنان بـ «الدولة المريضة» ولا علاج لها، في الوقت الحالي، سوى المسكنات، وان كان الشفاء من الحالة يقتضي اجراء جراحة «دستورية» تعيد هندسة خارطة التوازنات في البلاد، والى حد اطلاق الجمهورية الثالثة.
كل المصادر اياها تعتبر ان الوضع هو من الهشاشة والحساسية بحيث لا يتحمل اي جراحة من هذا القبيل، ولا حتى جراحة سياسية، واقصى ما يمكن فعله في هذه الحال هو ابقاء لبنان في غرفة العناية الفائقة، اي تكريس الستاتيكو الى ان تحدث المعجزة ويتوصل السوريون الى تسوية.
والملاحظ هناك ان الاحاديث داخل تيار المستقبل، وهي غالبا ما تكون مستقاة من عواصم عربية بوجه عام، تشير الى ان التسوية السورية مؤجلة، وان العلاقة المتراقصة بين واشنطن وموسكو تبدو وكأنها تتغير يوماً بعد يوم، وبالصورة التي توحي بان العاصمتين ما زالتا بعيدتين عن بلورة اطار لحل بعيد المدى وقابل للتنفيذ.
وينقل نائب سابق عن القائم بالاعمال الاميركي في بيروت السفير ريتشارد جونز الا عودة للمنطقة الى مسارها الطبيعي الا باعتماد طرح الرئيس باراك اوباما حول ادارة مشتركة تتولاها السعودية وايران، ليشير الى ان ذلك الطرح هو ما يحتاجه لبنان.
واذ يصف نفسه بانه «عاشق قديم» لهذا البلد وكان يعتزم الاقامة فيه لولا موانع معينة تتعلق بامنه الشخصي، فهو يبدي اسفه لكون الطبقة السياسية التي تحترف انتاج الازمات تبدو عاجزة عن حل اي منها ما يفترض وجود وصاية ما، في هذه الحال الكوندومينيوم السعودي - الايراني.
وتقول المصادر الديبلوماسية الفرنسية ان الرئيس فرنسوا هولاند، وقبل زيارة لبنان في وقت سابق من هذا الشهر، استشار مسؤولين فرنسيين بارزين، سابقين وحاليين، وكذلك عواصم عربية وغير عربية، حول امكانية ان يحمل معه الى بيروت دعوة الى القيادات اللبنانية لعقد مؤتمر وطني على الارض الفرنسية لا يتطرق الى المشكلات البنيوية، بل تكون مهمته فكفكة الازمات الدستورية والسياسية عبر سلة متكاملة، وعلى غرار ما حصل في الدوحة في ايار2008.
ـ التسوية والافق المقفل ـ
وقد فوجئ هولاند بان معظم الذين التقاهم رأوا انه ما دام الافق في سوريا مقفلاً امام التسوية السياسية، فان الافق في لبنان يظل مقفلاً، ولاخيار حالياً سوى الانتظار.
هذا لا ينفي ان باريس وواشنطن ليستا خائفتين من حصول اي تطورات امنية مفاجئة، ومع الثناء على الدور الذي تضطلع به المؤسسة العسكرية، وكذلك المؤسسات الامنية، ومع القول ان اجهزة استخباراتية غربية، اميركية واوروبية، تساهم في حماية «الرؤوس الحساسة» في لبنان، فان الواقع اللبناني بثغراته السياسية الكثيرة والحادة يجعل هذه الرؤوس مكشوفة الى حد بعيد. لا يعني هذا، في اي حال، نشر حالة من الهلع، الغاية ان يأخذ الاقطاب السياسيون هذا الواقع بالاعتبار، ويتكاتفون لتحصين بلادهم سياسياً وامنياً من خلال التوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، واستكمال العمليات الدستورية على مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية.
والثابت، من خلال قول المصادر الديبلوماسية، ان دعم واشنطن للجيش اللبناني هو بمثابة «خيار استراتيجي» كونه العمود الفقري للعوامل التي تحول دون لبنان والسقوط في الهاوية.
ـ رئيس عسكري ـ
واذ ترى المصادر ان لبنان بعيد، منذ نشأته، عن ثقافة الانقلابات العسكرية، لا ترى مانعاً من ان يكون هناك عسكري رئيساً للجمهورية في الاطار الدستوري البحت.
الى اشعار آخر لبنان داخل الحلقة المفرغة «الديار» استطلعت آراء سياسيين من مختلف المضارب والمشارب، فكان كلام من قبيل ان الاسباب التي تمنع انجاز الاستحقاق الرئاسي هي نفسها التي تمنع اقرار قانون الانتخاب، حتى وان استعانت اللجان المشتركة باينشتاين والخوارزمي.
الا يعرف الرئيس نبيه بري هذه الحقيقة، وهو الذي يعتبر ان الساحة اللبنانية باتت من التعقيد بحيث لا تنفع معها لا عصا الساحر ولا قبعة الساحر، لكي يدفع بالمشكلة الى اللجان التي استنفدت كل امكاناتها وعادت الى نقطة الصفر؟
اوساط سياسية عليمة تقول ان رئيس المجلس يدرك ذلك جيداً، لكنه، بخطوته تلك، اراد قطع الطريق على اي حريق سياسي وطائفي تكون له تداعياته الخطيرة.
ـ الدخول الى... الزنزانة ـ
وفي رأي هذه الاوساط، وبعضها مقرب جداً من عين التينة، ان بعض القوى المسيحية تبدو وكأنها تدفع بنفسها الى داخل الزنزانة من خلال مواقف تلحق الاذى بالوضع المسيحي ككل.
بادئ بدء، توضح الاوساط اياها ان مسألة ملف امن الدولة معزول كلياً عن اي سياق سياسي او طائفي..
وتشير الى ان هناك مراجع مسيحية تعيد الضجيج الراهن الى محاولات استقطاب لا تفيد المسيحيين بشيء بل انها تضعهم في عين العاصفة، والبعض يعود الى التصريح الشهير للنائب خالد ضاهر، وكان السبب في تعليق عضويته في كتلة المستقبل، اذ ان هناك جهات تقول اكثر من ذلك بكثير وان كان الصراع السني الشيعي يحيي ما يتردد الآن.
ولم يعد خفياً على احد تلك الاتهامات التي توجه الى العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع بالتحديد من انهما بمواقفهما انما يعدان العدة، على المستوى السيكولوجي على الاقل لملاقاة من يعدون لاحداث تغيير في الخرائط وفي الصيغ في بلدان المنطقة.
ـ الازمات القاتلة ـ
وحين يقول بري انه لم يتراجع، فهو فعلاً لم يتراجع ما زال عند قناعاته، ومصادرة تقول ان الرجل يعرف ان لبنان يمشي على طريق الجلجلة، بالطبع، لا يصل الى حد تبني ما قاله نلسون مانديلا ذات يوم «اخشى ان يكون المسيحيون من يصلبون ثانية السيد المسيح»، لكن الثابت انه لا السنة الذين في ازمة قاتلة، ولا الشيعة الذين في ازمة قاتلة، يريدون دفع المسيحيين الى خارج الحلبة او الى خارج اللعبة.
والطريف ان يقول احد المطارنة لـ «الديار» ان السنة والشيعة في صراعهم الذي يمتد بعيداً، بعيداً وراء الحدود انما يشغلون كل المسرح، ويقفلون حتى الطريق الى قصر بعبدا، كل ما في الامر ان المسيحيين يريدون لهم «ًمرقد عنزة» على هذا المسرح.
الى ذلك، اظهرت مواقف اليومين الاخيرين ان مسألة رئيس جمهورية لسنتين ليست سوى فقاعة سياسية واعلامية، الرئيس حسين الحسيني هو من قال بالرئيس الانتقالي الذي مهمته حراسة الهيكل الى ان يقر قانون الانتخاب، وتجري الانتخابات النيابية.
المشكلة ان هناك من رسم حول ذلك الطرح «عوالم خيالية»، وزج بالبطريرك مار بشارة بطرس الراعي في هذه العوالم، والى حد اختراع تلك «الحكاية» التي تقول ان المذكرة التي قدمها البطريرك الى هولاند تضمنت اقتراحاً بانتخاب الجنرال لسنتين.
ـ الاب المجهول للسيناريو ـ
الراعي ابلغ رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن رفضه «الانجرار الى خرق دستوري غير مسبوق في حياتنا الديموقراطية التي لم تألف في احلك الظروف مثل هذه الالتفافات على دستورنا».
لا يزال الاب مجهولا لذلك السيناريو الذي اعتبر البعض في التيار الوطني الحر الى انه طرح سخيف ويراهن على الحالة الصحية لرئيس تكتل التغيير والاصلاح، النائب نبيل نقولا يقول ان صحة الجنرال من حديد، وهو لم يكن في حياته شخصية انتقالية ليكون رئيساً انتقالياً.
لبنان دولة مريضة، حسناً لم يقبل الاميركيون ان لبنان دولة فاشلة او دولة مارقة. المشكلة ان البلد مصاب بـ «انفلونزا النجوم».
كل ما في الامر كلام ضائع في الوقت الضائع!