تزداد المؤشرات على رغبة الولايات المتحدة الأميركية في فرض نفوذ عسكري دائم لها في سوريا على شكل قاعدة عسكرية، مع إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما نيته إرسال قوات أميركية إضافية إلى شمال سوريا الواقعة تحت سيطرة القوات الكردية.
وقال الرئيس الأميركي، الاثنين، في خطاب ألقاه في مدينة هانوفر الألمانية “وافقت على نشر ما يصل إلى 250 عسكريا أميركيا إضافيا بينهم قوات خاصة، في سوريا”، مؤكدا أن هؤلاء سيشاركون في “تدريب ومساعدة القوات المحلية” التي تقاتل الجهاديين.
وجاء التفسير الرسمي لهذه الزيادة في عدد العسكريين الأميركيين انطلاقا من الحاجة لتدريب المقاتلين المحليين لمواجهة تنظيم داعش، إلا أن خبراء سوريين يرون أن هذه الزيادة المفاجئة بنسبة خمسة أضعاف هي أكبر من مجرد تدريب، حيث كان عدد العسكريين الأميركين في شمال سوريا لا يزيد عن 50 مقاتلا.
وحسب مراقبين، فإن إقامة واشنطن قاعدة عسكرية في سوريا هي رسالة قوية لتركيا التي عرقلت أكثر من مرة استخدام قاعدة إنجرليك الجوية التي هي عبارة عن مطار عسكري يتبع القوات الجوية التركية ويقع في مدينة أضنة، حيث سعت الولايات المتحدة لاستخدامها في مواجهتها داعش.
وبالتالي إقامة قاعدة عسكرية أميركية في سوريا ستضع ضغطا سياسيا دبلوماسيا على تركيا بالإضافة إلى تخفيف الاعتماد على القواعد العسكرية الأميركية في تركيا بشكل تدريجي لصالح القاعدة المفترض إنشاؤها في سوريا.
ويؤكد الخبراء أن التغيرات التي شهدها شمال سوريا ترجح أن الوجود العسكري الأميركي ليس مؤقتا وليس مجرد تدريب بل لفرض نفوذ عسكري أميركي في سوريا، بالتزامن مع توسع نفوذ روسيا وإقامتها قاعدة حميميم الجوي بالإضافة إلى توسيع القاعدة البحرية في طرطوس على الساحل.
فالوجود الأميركي في سوريا قد يكون من وجهة نظر واشنطن محاولة لمنع استفراد روسيا بفرض الحل السياسي في هذا البلد وبنفس الوقت ألا تصبح سوريا على المدى البعيد تحت سلطة موسكو بشكل غير مباشر.
ويقصد الخبراء بالتغيرات التي طرأت على منطقة شمال سوريا تجهيز مطار في محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا؛ لاستخدامه كقاعدة عسكرية لطائراتهم المروحية، حيث قال مصدر عسكري سوري إن الأميركيين جهزوا قاعدة عسكرية في منطقة تدعى أبوحجر في جنوب رميلان (ريف الحسكة الشمالي الشرقي)، مضيفا أن العشرات من الخبراء الأميركيين شاركوا “في تجهيز القاعدة” بالتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية. وبحسب المصدر، فإن القاعدة معدة لاستقبال مروحيات وطائرات شحن، ويبلغ طول مدرجاتها 2700 متر وهي مؤهلة لأن تتحول إلى مهبط لطائرات عدة تقل عتادا وذخائر.
ويرى مراقبون أن “القوات الخاصة والمستشارين الأميركيين سيستخدمون مطار رميلان مقرا، وتنقلهم طوافات منه إلى جبهات القتال أو إلى معسكرات التدريب”.
ويذكر معهد ستراتفور للتحليلات الأمنية أنه قبل الثورة كان المطار مهبطا للطائرات الزراعية وتابعا للحكومة السورية، وسيطرت عليه وحدات حماية الشعب الكردية منذ أكثر من عامين.
ويساعد تطوير هذا المطار وتحسين بنيته التحتية -وفقا لمعهد ستراتفور- قوات “سوريا الديمقراطية” على تكثيف هجماتها ضد تنظيم الدولة بمساعدة أميركية.
ويضيف المعهد أن واشنطن تلقي أسلحة لمساعدة هذه القوات لكن “طرد تنظيم الدولة من الرقة يحتاج إلى جهود كبيرة ومساعدات أكثر، وهذا ما يحصل بتوسعة مدرج المطار، إذ يعطي القدرة للطائرات الأميركية المحملة بالأسلحة على الإقلاع والهبوط بدلا من إلقائها جوا”.
ويعتقد مراقبون محليون أن الوجود العسكري الأميركي وتحالفه مع أبرز القوات الكردية سيكون نواة لفرض الفيدرالية في سوريا والاقتداء بالنموذج العراقي، فقوات “سوريا الديمقراطية” التي تتألف من غالبية ساحقة من الأكراد لن تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية بغرض تنفيذ الرغبة الأميركية دون حصولها على ضمانات على الأقل سياسية بأحقية الأكراد فرض نظام فيدرالي يضمن لهم تحويل المكاسب العسكرية إلى مكاسب استراتيجية وفي أقل تقدير تطبيق النموذج العراقي في سوريا خلال صياغة الحل السياسي.
ورحب تحالف سوريا الديمقراطية بقرار أوباما إرسال المزيد من القوات، لكنه دعا إلى دعم أكبر يشمل صواريخ مضادة للمدرعات.
ولا تزال واشنطن مصرة على التأكيد أن الدعم الأميركي يرمي إلى تعزيز قدرات المعارضة في مواجهة الجهاديين، بينما تتمسك الولايات المتحدة بتمتين وقف إطلاق النار الذي ينص عليه اتفاق وقف الأعمال القتالية الروسي الأميركي المدعوم من الأمم المتحدة. وجدد أوباما التأكيد خلال اليومين الماضيين أن حل الأزمة السورية يمر عبر التفاوض، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، أو أي تحالف دول غربية، ترتكب “خطأ” في حال قررت “إرسال قوات برية (إلى سوريا) وإسقاط نظام الأسد”.
ويحضر الملف السوري بين الملفات المطروحة على جدول أعمال قمة مصغرة في مدينة هانوفر، تضم إلى جانب أوباما كلا من المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل ورؤساء حكومة بريطانيا ديفيد كاميرون وإيطاليا ماتيو رانزي والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
صحيفة العرب