أعلن ولي ولي العهد السعودي ورئيس مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية محمد بن سلمان عن الرؤية الجديدة للمملكة العربية السعودية تحت عنوان:" رؤية السعودية 2030". وهذه الرؤية إقتصادية بالدرجة الأولى مع تداخل بعض المواد الإجتماعية والثقافية بشكل نسبي.
الرؤية طموحة جدا كما أشار كبار المحللين الماليين حول العالم بحيث ستحول السعودية إلى قوة إقتصادية قوية حول العالم وهذا ما أبرزته ضخامة الأرقام والتطلعات والأهداف الموضوعة ضمنها والتي تبغي إلى تحقيق اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي، ووطن طموح بناءا على مرتكزات ثلاث هي مكسب للمملكة كما عبر الأمير الشاب مختصرة بالعمق الإسلامي والعربي للبلاد لوجود الحرمين الشريفين على أراضي السعودية والقوة الإستثمارية للمملكة من خلال شبكة الشركات ورجال الأعمال فيها وخارجها والموقع الجغرافي الهام الذي يشكل صلة الوصل بين ثلاث قارات هي أفريقيا وآسيا وأوروبا.
تتلخص أهداف رؤية 2030 بوضع إقتصاد المملكة في المرتبة 15 وهو حاليا في المرتبة 19 وتخفيض نسبة البطالة من 11% إلى 7% وزيادة حجم السوق السعودية وتحقيق إقتصاد بلا نفط والذي من المتوقع تحقيقه في 2020.
وتبغي الرؤية السعودية إلى تنويع مصادر الدخل من خلال الخطوة الجريئة المتمثلة بطرح حوالي 5% من أسهم أرامكو النفطية للإكتتاب الداخلي والخارجي خصوصا في أميركا وهي أعلى نسبة إكتتاب في التاريخ البشري وتحويلها من شركة محدودة المسؤوليات إلى شركة قابضة.
وتبلغ قيمة الشركة حتى الآن حوالي 2 تريليون دولار وهو رقم غير نهائي بانتظار الإنتهاء من التقييم الشامل ما سيحولها إلى أكبر قوة صناعية في العالم. وتهدف رؤية محمد بن سلمان أيضا إلى إنشاء أكبر صندوق إستثماري سيادي في العالم بقيمة 2 تريليون دولار ومتوقع أن يصل إلى 3 تريليونات دولار سيجعل السعودية تتحكم ب 10% من القوة الإستثمارية حول العالم وتشارك في كل مشاريع التنمية الموجودة على سطح المعمورة.
ولا تقف الرؤية عند هذه الحدود بل تعمل على تعزيز الإستثمارات المشتركة على الصعيد الزراعي مع كل من مصر والسودان وفي هذا الإطار كان مشروع جسر سلمان بين مصر والسعودية لتعزيز الإستثمارات وزيادة فرص العمل.
وللجانب العسكري حصته فيها والتي تطمح إلى رفع نسبة التصنيع العسكري السعودي المحلي والذي نسبته حاليا 2% فقط ووقف الهدر والتبذير في النفقات العسكرية.
والعمل أيضا سيطال الموارد البشرية وتأهيلها وتحويل المواطنين إلى مستثمرين خصوصا أن العقلية السعودية هي عقلية إستثمارية وتعشق مهنة إدارة الأعمال ورجال الأعمال.
وهنا التركيز على دور الشباب وإعطائه فرص لمساعدته على الإستثمار كذلك رفع منسوب مشاركة المرأة من 22% إلى 30% للإستفادة من طاقاتها في سوق العمل.
ولعل من أهم النقاط المثيرة للجدل قضية رفع الدعم عن أصحاب الدخل المرتفع في المملكة حتى الأمراء والوزراء كما عبر حرفيا محمد بن سلمان في مجالات المياه والطاقة والكهرباء وزيادته على أصحاب الدخل المتوسط والمنخفض ما سيعزز الرفاهية للمواطن السعودي ويؤمن مداخيل إضافية للخزينة.
وعلى خط مواز لخطة رفع الدعم، كانت فكرة الغرين كارد تطغى على الرؤية وهي إعطاء شبه إقامة للأجانب في المملكة ما سيضمن عدم تهرب الأموال المنتجة داخل السعودية إلى خارجها وجذب المزيد من الإستثمارات.
ويعزز هذا الخطوة الداعمة للمواطنين، خطط خاصة بالإسكان لرفع نسبة التملك وتحويل المستشفيات الحكومية إلى شركة قابضة تطرح أسهم للإكتتاب أمام الشعب وهو ما يعرف ببرنامج التحول الوطني المتوقع إفتتاحه في نهاية شهر 5 أو بداية شهر 6. والرؤية إذ تضع أهداف إستراتيجية كبيرة تطمح في نفس الوقت إلى إبتلاع مشاكل الإسكان والبطالة والصحة من أجل التركيز على الأهداف الكبرى.
ومن هذه الأهداف القضاء على الفساد وزيادة الشفافية من خلال خطط الإكتتاب والذي سيظهر البيانات المالية لأرامكو واضحة وشفافة أمام المواطن السعودي.
وتلحظ أيضا مبدأ المحاسبة والحوكمة والتقليص من نسبة البيروقراطية السيئة وإنشاء مجلس إدارة لأرامكو لا يتدخل فيه صندوق الاستثمارات ويتشارك فيه الكل المسؤوليات والمحاسبة إضافة إلى مكتب إدارة المشاريع (P.M.O) والخصخصة كجزء من حل مشكلة الفساد وزيادة نسبة الصادرات الغير نفطية إلى 50% والوصول إلى رقم 30 مليون معتمر في العام 2030.
وستتضمن الرؤية السعودية برامج بينية تعتمد على السياسات الخمسية والمراقبة الفصلية للأهداف والنتائج ومدى تلاؤمها معها حتى تحقيق الهدف النهائي في العام 2030 بجعل السعودية قوة إستثمارية جاذبة وإقتصاد لا يعتمد على النفط. فإضافة إلى ما تملكه من إحتياطات للنفط ولما للنفط من تأثير في الإقتصاد السعودي، تم التخطيط لجعل الرؤية بعيدة كل البعد عن التأثر بأسعار النفط سواء إرتفعت أو إنخفضت وهي ستعمل حتى في ظروف أقل من 30$ لبرميل النفط ولن يؤثر ذلك على مسارها العام.
وهي تهتم بالمواد الطبيعية الموجودة في المملكة كاليورانيوم ونسبته 7% من الإحتياط العالمي والذهب والفوسفات وغيرها للإستثمار فيها بحيث أنه حتى الآن لم يستثمر سوى 5% ومنه وبطرق غير صحيحة. وكتنويع إضافي للمداخيل والإيرادات، ستقوم الرؤية بتخفيض الإنفاق الحكومي وزيادة الإهتمام بالثقافة والسياحة من خلال إنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم وإعادة تسليط الضوء على الحضارات المندثرة الموجودة على أراضي الحجاز ما سيحقق إيرادات إضافية تخدم أهدافها وستشهد الخطة مع هذا بعض التضخم الطفيف في أوائل سنواتها.
لذلك نالت الرؤية إستحسان الجميع خصوصا أنها تعكس الواقع السياسي الجديد للمملكة والنفس الشبابي فيها والمتمثل بولي ولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان.
فالخطة جريئة تحتمل مخاطرة كبيرة بعد عام إقتصادي صعب مرت به السعودية كانت سماته الإصلاح السريع وأما هذا العام فالهدف تحقيق إصلاح ممنهج ومنظم للسير بها.
والرؤية أيضا رسالة إلى العالم بأن السعودية على خطى تحول إستراتيجي وجذري باتت فيه قادرة على التحكم بحركة التدفقات الإستثمارية حول العالم وعصب المال والأعمال ما يعطيها موقعا متقدما عالميا.
وهي ترد على كثر بأن مستقبلها غير محكوم ببرميل النفط وقطاع النفط الحجري بل منوط برؤية تؤمن بدائل متنوعة لها أهمها الإبداع والإستثمار على مستوى الفرد السعودي فهي لا تخلو من بعض نسائم الحرية خصوصا الشفافية والمحاسبة ولا تخلو من أهداف إيديولوجية أيضا مرتبطة بتخفيض والقضاء على الفكر المتطرف الذي يغزو بعض الشباب السعودي من خلال رفع منسوب الرفاهية والتنمية والدخل للمواطن السعودي.
والأهم أنها لا تخلو من رسائل سياسية للإقليم والعالم بالعمل على تحويل الجيش السعودي إلى قوة عسكرية مهمة وجعل المملكة قوة جذب إستثمارية في الإقليم والعالم ما سيترك بالطبع تأثيراته على الأجندات السياسية لبعض الدول.
رؤية السعودية 2030 تعكس أرقام ضخمة لفكر جديد بدأ يجتاح المجتمع السعودي سماته الأساسية التغيير والحرية. وإلى الآن الحكومة والأسرة المالكة تستجيب لتطلعات شعبها وتواكب العصر وتدخل العالم بجرأة واضحة ستزعج كثيرين. ويبقى نجاح الرؤية محكوما بشكل الإقتصاد والبلد في العام الذي عنونت به: 2030.