حين اتصل مرجع سياسي بأحد وزرائه الذي يتقن قراءة ما بين السطور، وما وراء السطور، طالباً تقييمه لكلمة الرئيس نبيه بري في مؤتمره الصحافي امس، اجاب «يمكنني ان اؤكد ان الورقة الأخيرة التي كتب عليها الكلمة مختلفة كلياً عن الورقة الاولى، وربما الورقة الثانية، وربما الورقة الثالثة او الرابعة».
اضاف «انا لا أقرأ في الفنجان، لكنني أفهم الرئيس بري جيداً، ويمكنني ان أشير الى مدى استيائه من «الدلع» السياسي الذي تظهره بعض القوى السياسية، فقط من باب المزايدة، ودون اي اعتبار لما آلت اليه البلاد ولما يمكن ان تؤول اليه اذا ما ظلت المنطقة على اهتزازها الراهن.
الوزير واثق من ان رئيس المجلس كان يريد ان يقول كلاماً اخر، كما كان يريد ان يتخذ خطوات حساسة «كما نُمي إلي»، ومع عدم اقتناعه بحجج اي من الرافضين للجلسة التشريعية، او طرحهم شروطاً تعجيزية لعقدها، لم يبارحه شبح الميثاقية طوال ليل اول امس.
الاكثر حساسية هو قطع الطريق على بعض القوى واستغلال الدعوة الى الجلسة في رفع مستوى الاثارة الطائفية.
وما قال الوزير، اشار اليه اكثر من مصدر سياسي أمس، لتشير المصادر الى ان بري الذي ابلغ اكثر من شخصية مسيحية ان ليس بهذه الطريقة تدار «القضية المسيحية»، وهو اذ يدرك خطورة المرحلة او اغفال العديد من السياسيين ما يحدث بالبلاد من اجل مصالح او طموحات شخصية «كسر الشر» ولم «يكسر الجرة».
المصادر إياها ترى ان بري اختزل كلمته بعبارة «كلنا على الوطن»، البقية تفاصيل تقنية، ودون ان يتردد في الطلب الى اعضاء اللجان الاتيان بأسرّتهم الى ساحة النجمة أو فرض الاقامة الجبرية عليهم في فندق قريب، ولكن ماذا اذا انتهت الدورة الاولى للمجلس في آخر أإيار المقبل ولم يتوصل النواب الى الاتفاق على صيغة لقانون الانتخاب تحظى بموافقة الأكثرية وتفتح الباب امام اجراء الانتخابات النيابية؟
بين يدي رئيس المجلس قانون عام 1960 الذي جرى تعديله بعد مؤتمر الدوحة في عام 2008، لكن اكثر من جهة هددت بـ«ما لا يحمد عقباه» اذا ما جرى تهريب ذلك القانون واجراء الانتخابات على اساسه.
وقيل ان بري الخبير في تدوير الزوايا وضع الرافضين في الزوايا، ساخراً من اولئك النواب الذين «يرون الأمور من ثقب الباب» ويقولون بطرح الـ 17 اقتراح قانون او مشروع قانون على الهيئة العامة. والقانون الذي يحظى بغالبية الاصوات يعتمد في هذه الحال. كيف يمكن تصور توزيع الاصوات على الاقتراحات والمشاريع المطروحة.
مصادر عين التينة تقول ان الرئيس بري الذي من مهامه الاساسية صيانة السلطة التشريعية من اي خلل اعطى لـ«اصحاب السعادة» فرصة اخيرة لبلورة قانون للانتخاب، والا العودة الى الحلقة المفرغة، ولكن هذه المرة بتداعيات على مستوى عال جداً من الخطورة.
كرة النار على طاولة اللجان. عدد من النواب قال لـ«الديار» ان بري الذي فاجأ الجميع بطرحه، بعدما قال «لا تحرجوني فتخرجوني»، «صدم» الذين كانوا قد وضعوا السيناريوات الخاصة بتوظيف الدعوة الى الجلسة التشريعية في الشارع ولاغراض تتعدى موضوع الجلسة.
واذ تردد في عين التينة مساء الاحد ان عيني بري تركزتا في الويك اند على بكركي لمعرفة رأي البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في مسألة الجلسة، رأى الصمت على الصرح البطريركي، وكانت هناك اكثر من قراءة لذلك الصمت بين من يرى ان صاحب الغبطة انما يريد ان يبلغ الرافضين برفضه لرفضهم، ومن يرى ان البطريرك لا يريد للمسيحيين ان يلجأوا الى خيار المواجهة، لما لذلك من انعكاسات سلبية على الطائفة كما على الوطن...
في المجالس الخاصة، يردد بعض المطارنة ان عدوى القلق لدى الفاتيكان انتقلت الى بكركي. وثمة مسؤولون في الحاضرة البابوية باتوا يخشون فعلاً على الصيغة اللبنانية في ظل حالة الضياع التي تعيشها دول المنطقة، مع ربط شخصيات اوروبية فاعلة بين مسار الثبوتية في سوريا ومسار الثبوتية في لبنان.

ـ تأجيل التسوية في سوريا ـ

وهنا تكشف «الديار» ان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أبلغ شخصية اعلامية خليجية بأن الرئيس باراك اوباما، واثناء قمة الرياض، ألمح بصورة لافتة الى ان تضغط المملكة العربية السعودية على «فريق الرياض» من اجل المضي في العملية التفاوضية، على ان يتزامن ذلك مع اتصالات، ومشاورات، ولقاءات اميركية - روسية قد تنجح في بلورة اتفاق - اطار، على ان يترك للمفاوضين اعداد الآليات الخاصة بتحديد المهل الزمنية، وكذلك سبل، وتقنيات التنفيذ...
لكن ما استشفته الشخصية الاعلامية ان الجبير يميل الى التسويف في ميكانيكية المفاوضات لحين تسلم الرئيس الاميركي العتيد مقاليد السلطة، كون الرياض تعتبر ان اي رئيس يأتي بعد اوباما سيكون اكثر تشدداً في التعاطي مع الملف السوري، وحتى في ما يتعلق بالخيار الديبلوماسي.

ـ رأيان في الرياض ـ

وفي وقت لاحق، بدا ان ثمة رأيين في الرياض، رأي يقول بالتباطؤ في العملية الديبلوماسية ريثما يحدث الانتقال في واشنطن، ورأي يقول «اننا لسنا وحدنا على الأرض السورية، وأن الروس الذين لاعبوا اوباما، وعدّلوا، في احيان كثيرة، في نظرته الى الازمة السورية، لن يتراجعوا عن سياساتهم، وقد يبادرون الى تكثيف عملياتهم على الارض عشية الانتخابات الرئاسية اذا ما لاحظوا ان هناك من يعرقل، بطريقة أو بأخرى المسار التفاوضي.

ـ العلاقة اللولبية ـ

وكان عضو في الوفد الرئاسي الفرنسي قد تحدث امام مسؤول في بيروت عن «العلاقة اللولبية» بين الأزمة اللبنانية والازمة السورية، ليشير الى ان الاميركيين اقتربوا اكثر من المفهوم الروسي بالنسبة الى الخطر الذي يشكله تنظيم الدولة الاسلامية، على ان تكون الاولوية، على المستوى الاستراتيجي، لاستيعاب هذا الخطر وتفكيكه.
وهنا يكشف مصدر مقرب من بيت الوسط لـ«الديار» ان الكلام الذي صدر عن نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم والذي اعتبر فيه ان «الأزمة الرئاسية طويلة» وضع أمام الرئيس سعد الحريري الذي تباحث في خلفيات هذا الكلام وفي هذا الوقت بالذات، مع بعض المستشارين الذين يعتبرون ان الشيخ قاسم خبير في توجيه الرسائل الى مَن يعنيهم الأمر...
والسؤال الذي طغى هو ما اذا كان «حزب الله» يريد القول ان هذا ليس الوقت الملائم لانجاز الاستحقاق الرئاسي، وبعدما كان رئيس تيار المستقبل قد أوحى بأن قصر بعبدا سيضاء قبل آخر نيسان الحالي.
بالتالي، وفق الخطط او السيناريوات التي توضع، بالتزامن مع اتصالات مع اكثر من جهة داخلية او خارجية لاحداث اختراق ليس فقط في جدار الأزمة وانما في جدار «حزب الله» ايضا.

ـ حيث لا يعرف الاخرون ـ

الشيخ قاسم تحدث عن سنة، واذا كان الدكتور جعجع قد استخدم عنوان احد الكتب الاميركية «حيث لا يجرؤ الآخرون» حين رشح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، فالحال ان «حزب الله» «حيث لا يعرف الاخرون»، وهو الاكثر دراية بما يحدث على الارض وما تحت الارض ايضاً...
واللافت ان يعلّق وزير من تيار المستقبل على كلام الشيخ قاسم بالقول «عام كاف لكي ينفك الجنرال عن «حزب الله» او عن «القوات اللبنانية»، في حين تشير اجواء التيار و«القوات» الى جهود تبذل، ومن اكثر من طرف، من اجل استخدام الانتخابات البلدية في زعزعة العلاقات التي نشأت بينهما منذ «ليلة الزفاف» الشهيرة في 18 كانون الثاني الماضي أو حتى تفجيرها.
الدكتور جعجع ثابر على تأكيد التمسك بـ14 آذار لانها روح. امس، قال بري ان 8 و14 آذار في موت سريري. منذ اكثر من عامين توقع ان تؤدي انتخابات رئاسة الجمهورية الى تفكيك الاصطفاف الثنائي (لم يقل الاصطفاف... اللعين)، اللاانتخابات ايضاً غيرت، بصورة دراماتيكية، في المشهد، قال بري «العوض بسلامتكم». الجثة تحلّلت، متى مراسم التشييع؟