لعله سها عن بال الجمهورية الغارقة في فراغها وأزماتها المتعاقبة والمتراكمة تباعاً وبترف قواها السياسية أولاً وأخيراً ان اليوم يصادف الذكرى الحادية عشرة لانسحاب القوات السورية من لبنان في 26 نيسان 2005، هذا الحدث الذي دخل التاريخ اللبناني من بابه العريض بعد الاغتيال الدراماتيكي المزلزل للرئيس رفيق الحريري في 14 شباط من العام نفسه. تحل الذكرى الـ11 لجلاء القوات السورية ومعها ما كان يفترض عملياً ان يشكل جلاء الوصاية السورية التي حكمت لبنان طويلاً وأقامت فيه "نظامها " القسري الحديد ولبنان لا يزال داخل القفص ولو بظروف مختلفة وبأوضاع مأزومة قد يكون الأشد قسوة فيها ان معظم اسبابها ودوافعها ومنطلقاتها متصل بقصور داخلي قياسي عن اثبات أهلية القوى السياسية والمجتمع المدني سواء بسواء على اقامة الدولة المستقلة السيدة الحرة بكل ما تعنيه الكلمة، وبكل ما يحقق ولو الجزء اليسير من آمال وطموحات عريضة للبنانيين بالتخلص من التبعيات الى كل خارج. واذا كان للمصادفات ان تسخر من واقع اللبنانيين الذين يحبطهم حلول هذه الذكرى وهم يتخبطون في لجج الأزمات المتسلسلة، فليس قليلاً ان تسبق الذكرى بوقت قصير بداية السنة الثالثة لأزمة فراغ رئاسي حطمت الرقم القياسي في تاريخ الأزمات المماثلة، بما يصح معه القول إن لبنان يرزح منذ بدء هذه الازمة تحت نير وصاية الفراغ ورعاته وحراسه المعروفين اقليمياً وداخلياً.
استعصت الأزمة التي لا مجال للتبحر في سرد ظروفها المعروفة الى حدود تصاعدت معها في الأيام الاخيرة نغمات وغرائب من النوع الذي يجري فيه التلاعب ببالونات اختبار لا يعرف أحد من يطلقها ولأي غايات مثل بالون انتخاب رئيس للجمهورية لسنتين كأنه لا يكفي الدستور محنة الفراغ التي تنتهكه في الصميم فيما الدولة عالقة عند معارك أهل السلطة وانقساماتهم حول الفراغ الرئاسي وتعطيل المؤسسة الدستورية الأم ومن ثم تعطيل مجلس النواب حول التشريع "ضرورياً" كان أم طبيعياً ومثله تعطيل موسمي للحكومة عند كل هبة ريح. وسارعت بكركي أمس، بعدما راجت موجة تسريبات واجتهادات تحدثت عما سمي مذكرة سرية من صفحتين قدمها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وربما تناولت مرحلة انتقالية رئاسية الى نفي هذه "الوثيقة" وأكدت ان وثيقة البطريرك تختلف عنها تماماً واشارت الى تلقي الراعي الكثير من الكتابات والاقتراحات لمناسبة زيارة هولاند "لكن مذكرة البطريرك تختلف عنها تماماً".

بري: الكرة الى اللجان
في أي حال، لم تتأخر ملامح تأزيم جديد – قديم عن التصاعد في ما يتعلق أيضاً بمسألة تشريع الضرورة التي تصطدم بتعقيدات لم تعد خافية على أحد جراء الاشتباك السياسي الواسع الذي تتسبب به أزمة الفراغ الرئاسي والتي لمح الرجل الثاني في "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم قبل يومين بشفافية تامة الى انها ستكون طويلة جداً. وجاءت الخطوة الجديدة التي اعلنها رئيس مجلس النواب نبيه بري في مؤتمر صحافي مفاجئ بعد ظهر أمس لتثبت عدم التمكن من الوصول الى تسوية توافقية للجلسات التشريعية فرمى بري الكرة الملتهبة في مرمى اللجان النيابية المشتركة شكلاً، فيما بدا واضحاً انه يرميها ضمناً في مرمى القوى المسيحية الرافضة لعقد الجلسات التشريعية الا بشرط اقرار قانون الانتخاب أولاً. وبدا بري واضحا في دلالات خطوته اذ قدم لها برسم خط بياني سياسي عريض "يؤكد الموت السريري لما يسمى 8 و 14 آذار واختلاف الامور والمعايير كلها". وانطلق من ذلك ليقول ان 17 اقتراحاً ومشروع قانون انتخاب "صيغت بغالبيتها بهدف التغلب على الفريق الآخر" وأعلن انه سيدعو اللجان المشتركة الى اعادة درس كل هذه المشاريع والاقتراحات والجواب عن سؤالين فقط: أولاً ماهية الدوائر الانتخابية وثانيا ماهية النظام الانتخابي (نسبي أو اكثري أو مختلط أو فردي). وحض على التوصل الى حصر المشاريع باثنين او ثلاثة قبل نهاية شهر ايار والذهاب الى المجلس "برؤية واحدة ".
لكن مصادر نيابية بارزة اعتبرت عبر "النهار" ان خلاصة موقف الرئيس بري أمس هي ان لا جلسة تشريعية في الدور العادي الحالي الذي سينتهى آخر أيار المقبل.واوضحت أن بري من خلال قراره تحويل 17 مشروعاً تتعلق بقانون الانتخاب الى اللجان يعني انه من المستحيل إنجاز دراستها في المدة المتبقية من الدورة العادية وخصوصاً في ضوء تجربة اللجنة السباعية التي أعطيت الوقت اللازم ولم تتمكن من التوصل الى نتيجة فكيف باللجان التي تضم عشرات النواب وتجتمع لمناقشة هذه المشاريع دفعة واحدة؟ وتخوفت المصادر من ألا يعقد المجلس جلسة تشريعية قبل نهاية سنة 2016 ما لم تبرز معالم تسوية قسرية تضع الجميع امام أمر واقع يصعب تجاوزه مثلما حصل لدى انعقاد الجلسة التشريعية التي أقرت فيها القوانين ذات الصلة بمعاهدات دولية مالية ملحة.

 

بلديات
في غضون ذلك، بدا المناخ المتصل بالانتخابات البلدية والاختيارية الى تحمية في بعض المناطق البارزة. وعلمت "النهار" ان الجهود التي يبذلها الرئيس سعد الحريري لإعلان لائحة "تيار المستقبل" للمجلس البلدي في بيروت شارفت الانتهاء وسط معطيات إيجابية على هذا الصعيد. وإذ بات معلوماً أن رئاسة اللائحة هي للمهندس جمال عيتاني على أن يكون نائبه المهندس إيلي أندريا الذي هو من الفريق الارثوذكسي، تأكد أن من أسماء هذا الفريق الذين حسم ترشحهم راغب حداد وماتيلدا خوري، فيما بقي أسم العضو الارثوذكسي الرابع غير معلوم حتى الان. وأكدت مصادر مواكبة أن النقاش حول من تبقى من أسماء المرشحين المسيحيين الـ12 كان ناشطا أمس ومن المتوقع أن يتبلور في الساعات المقبلة.وفهم ان زيارة مستشار الرئيس الحريري النائب السابق غطاس خوري لرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع أمس تناولت هذا الاستحقاق الى ملفات أخرى.
وفي جونية التي كانت مرشحة لمعركة قاسية، أثمرت الاتصالات التي أجريت طوال الأيام الأخيرة عن اتفاقاً بنسبة 90 في المئة على لائحة توافقية تدعمها العائلات والأحزاب والفاعليات، وتضم 18 مرشحاً، ومن المتوقّع إعلانها في الأيام المقبلة. وتضم اللائحة: يوسف حبيش رئيساً، فادي فياض نائباً للرئيس، كارول أشقر، دوري صافي، نيكول ريشا، زياد شاهين، بشير باسيل، سيلفا صبيح، زياد شايب، سيلفيو شيحا، طانيوس مطر، روي الهوا، روجيه عضيمي، رودريغ فنيانوس، سهاد أبو شبكة، شادي بعينو، ادي بويز، سامي برجي.

"اشتباك طالبي"
في سياق آخر اتخذ حادث طالبي في الجامعة الاميركية أمس طابعاً سياسياً حزبياً سلبيا بعدما سعت مجموعات من طلاب الحزب السوري القومي الاجتماعي وانصاره الى منع احتفال مقرر لطلاب "القوات اللبنانية" والكتائب احياء لذكرى الرئيس بشير الجميل. ومع ان الاحتفال أقيم ولم يحل دونه اشتباك بالايدي في شارع بلس، فان القوى الامنية اضطرت الى الفصل بين مجموعات قومية حاولت محاصرة المحتفلين الذين كان بينهم النائب نديم الجميل وطلاب "القوات " والكتائب.