إذا لم تنضج «الطبخة» الدولية والإقليمية الموعودة لتوجيه «ضربة عسكرية نوعية» إلى تنظيم «داعش» في كل من سوريا والعراق، خلال شهري أيار وحزيران المقبلين، فإن التأجيل سيحكم معظم ملفات المنطقة، في انتظار إدارة أميركية جديدة، لن يكون بمقدورها أن «تقلع» خارجياً، قبل ربيع العام 2017، وهذا الواقع يسري على لبنان، برغم تأكيد أحزاب سياسية لبنانية وازنة أن قرار الحل والربط ما زال لبنانيا.. إلى حد كبير.
في هذا السياق، برّأ رئيس مجلس النواب نبيه بري ذمّته السياسية، متكئاً على المثل القائل «يلّي ما بيجي معك.. تعا معو»، فقرر رمي كرة القانون الانتخابي في ملعب اللجان النيابية المشتركة، بعدما تعذر على اللجنة النيابية المعنية التوصل إلى قانون يرضي جميع الأطراف، فإذا توافرت الإرادة السياسية يمكن للجان أن تجيب عن سؤالين مركزيين، أولهما ماهية الدوائر (التقسيمات)، وثانيهما ماهية النظام الانتخابي (نسبي أو فردي أو مختلط).
وقال بري مخاطبا الكتل النيابية «تفضلوا ولنعمل ليل نهار للخروج برؤية واحدة أو متقاربة أو محصورة ولو باقتراحين أو ثلاثة (من أصل 17 مشروع واقتراح قانون) بشكل يمكن الذهاب إلى الهيئة العامة ونفاضل بينها ليبنى على الشيء مقتضاه».
بدا واضحا من خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بري، أمس، في عين التينة، أنه لا يستطيع أن «يكسر الجرة» مع النواب المسيحيين، خصوصا أن المضي في خيار «تشريع الضرورة» كان يمكن أن يستدرج ردات فعل لا يستطيع أحد التنبؤ بتداعياتها. فمن جهة، هناك محظور تجدد الانقسام الطائفي (إسلامي ـ مسيحي) وهو أمر لا يرغب به لا «تيار المستقبل» ولا «حزب الله» ولا «الاشتراكي» أو رئيس حركة «أمل» نفسه.
ومن جهة ثانية، هناك محظور تبديد ما كان قد راهن بري عليه بالوصول إلى نصاب لا يقل عن 75 إلى 80 نائبا، نتيجة تردد «المستقبل»، خصوصا عشية الانتخابات البلدية والاختيارية في العاصمة، وبالتالي، أعطت رسائل الساعات الأخيرة مفعولها بوجوب عدم حشر سعد الحريري في الزاوية، في ظل ما تواجهه اللائحة الائتلافية في بيروت من «فِخاخ مسيحية متنقلة»!
أما النقطة الثالثة التي جعلت الكل يتريث، فتتمثل في ما بلغ العديد من المراجع الأمنية الرسمية من معطيات عن توجه كان قيد التبلور لدى كل من الرابية ومعراب والصيفي بإطلاق «انتفاضة مسيحية» غير مسبوقة، سياسيا، كما في الشارع، من أجل فرض تراجع بري وباقي المكوّنات الإسلامية عن خيار التشريع قبل انتخاب رئيس جديد للجمهورية وإقرار قانون انتخابي جديد. وتردد أن من بين السيناريوهات التي كانت قيد التداول قطع كل الطرق التي يسلكها النواب في العاصمة والمناطق وصولا الى محاصرة ساحة النجمة من كل الجهات.
وفي السياق نفسه، بدا أن المناخ الديبلوماسي الدولي في بيروت (سفراء الدول الخمس الكبرى والأمم المتحدة) كان ضاغطاً باتجاه عدم القيام بـ «دعسة ناقصة» يمكن أن تهدد الاستقرار برغم عدم التشكيك بنيات رئيس المجلس، خصوصا أن ثمة استحقاقات داهمة، وبينها قروض خارجية لا بد من إقرارها سريعا في مجلس النواب، ناهيك عن استحقاقات مالية تتعلق بأجور ورواتب الموظفين في القطاع العام قبل نهاية هذه السنة.

مساع حريرية لدى موسكو لانتخاب فرنجية
وبينما تنصل كل من نبيه بري وسعد الحريري والبطريركية المارونية من صيغة انتخاب رئيس للجمهورية لفترة انتقالية لسنتين، علمت «السفير» أن الرئيس الحريري حاول خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، وخصوصا في اللقاء الذي جمعه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إطلاق دينامية دولية ـ إقليمية تفضي إلى انتخاب زعيم «تيار المردة» رئيساً للجمهورية قبيل صيف العام 2016، وتمنى رئيس «المستقبل» على القيادة الروسية أن تضغط على القيادة السورية لكي تضغط على حلفائها اللبنانيين لتأمين نصاب الثلثين للمجلس، وصولا إلى انتخاب فرنجية ولو مضى ميشال عون بترشيحه.
ولم تمض أيام قليلة على الرحلة الحريرية إلى موسكو، حتى كان السفير الروسي في دمشق ألكسندر كينشاك يطلب موعدا للقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم، ونقل خلاله رسالة من القيادة الروسية بالمضمون نفسه، فما كان من الوزير السوري إلا أن أبلغه رسالة واضحة: «لا تعذبوا أنفسكم كثيرا، اذهبوا إلى لبنان.. القرار بيد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله». ولاحقا، بعث الجانب السوري برسالة إلى قيادة «حزب الله» تضمنت مضمون الاقتراح الذي سلمه الحريري إلى القيادة الروسية.
وتردد في هذا الإطار، أن كلام رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط في مقابلته التلفزيونية الأخيرة مع الزميل مرسيل غانم، بأن السيد نصرالله «شريك في الملفات الإقليمية» (اليمن وسوريا والعراق ولبنان)، جاء بعد تواصله مع قيادة «حزب الله» من جهة، وفي ضوء معلومات وصلت إليه عن طبيعة مسعى الحريري في موسكو من جهة ثانية.

ايرولت يستكمل في ايار ما بدأه هولاند
وعلى خط المساعي الدولية باتجاه لبنان، علمت «السفير» أن وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت سيصل إلى لبنان في السابع والعشرين من أيار (مع قرب انتهاء الانتخابات البلدية)، وذلك في إطار استكمال جدول أعمال زيارة الرئيس فرنسوا هولاند الأخيرة لبنانيا، وخصوصا في محاولة فرنسية جديدة لإحداث اختراق في الملف الرئاسي، لكن هذه المرة على قاعدة اعتماد سلة متكاملة تتضمن مجموعة عناوين بينها انتخاب مجلس للشيوخ وفق «القانون الأرثوذكسي»، وهو الاقتراح الذي تبناه بعض سفراء مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، ونقله أحدهم من بيروت الى باريس قبل أسابيع قليلة لتحويله الى اقتراح فرنسي.
وفيما كانت أكثر من جهة سياسية تتنصل من الاقتراح الذي نشرته «السفير» يوم الخميس الماضي عن طرح انتخاب رئيس للجمهورية لمدة سنتين، كشف عضو مجلس المطارنة الموارنة النائب البطريركي العام المطران سمير مظلوم لـ «السفير» ان بكركي ليست مصدر هذا الاقتراح، بل الرئيس حسين الحسيني (اقتراحه لسنة)، موضحا ان الامر عُرض على البطريركية المارونية كما عُرض على آخرين، وقال ان البطريرك بشارة الراعي لم يبد رأياً قاطعاً فيه، لان القرار في مثل هذه المسائل يعود الى النواب بالدرجة الاولى، مشددا على ان ما يهم بكركي هو انتخاب الرئيس بأسرع وقت ممكن للخروج من دوامة الفراغ. وأضاف: «أما إذا كان انتخاب رئيس لست سنوات متعذراً أو شبه مستحيل حاليا، وحصل نوع من تفاهم وطني، بمشاركة عون، على حل انتقالي، فإن بكركي تبارك عندها مثل هذا التفاهم على قاعدة تحقيق مصلحة لبنان».