بأسى يصف سفير غربي الساحة اللبنانية بـ«السيرك السياسي». حديث عن الرقص (البهلواني) في الفراغ بين مسلسل الفضائح ومسلسل الازمات، وحديث عن الصوملة السياسية التي قد تستتبع، في لحظة ما، الصوملة الامنية.
ما دامت حدود لبنان، السياسية والامنية، تقع بين مخيم عين الحلوة، بكل احتمالاته الخطرة، ومخيمات عرسال التي لا تقل خطورة بأي حال.
وبعدما كان اكثر من سفير غربي يعتبر ان الخط الازرق بين لبنان واسرائيل هو «خط مقدس» بدأت التقارير التي ترد الى الجهات اللبنانية المعنية تثير المخاوف مما في رأس بنيامين نتنياهو الذي يقول احد هذه التقارير ان في رأسه هاجساً وحيداً هو «حزب الله»..
وكانت معلومات ديبلوماسية قد ذكرت ان زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية الاخيرة الى موسكو، ولقاءه الرئيس فلاديمير بوتين، هي للحصول على ضمانات روسية بأن أياً من بطاريات صواريخ «اس - 300» لن تصل الى ايدي الحزب.
نتنياهو لا يقبل تعهداً ايرانياً قاطعاً بعدم تسليم الحزب أياً من هذه البطاريات، بل هو طلب تفتيشاً روسياً دورياً على تلك الصواريخ التي قال انها تشكل خطراً مصيرياً على اسرائيل التي تعتبر سلاح الجو لديها، ومنذ حرب السويس عام 1965، «الذراع الالهية» لحماية الدول العبرية، بحسب تعبير رئيس الاركان السابق رفاييل ايتان...
مخاوف تل ابيب لا تتوقف هنا، بل هي ترى ان الايرانيين الذين يقلدون في الصواريخ الباليستية احدث الصواريخ حتى في الغرب، قد يستنسخون الــ«س-300» ويبعثون بنسخ الى «حزب الله» الذي لا يحتمل وضعه الحالي، فكيف اذا كان يمتلك الى جانب الارمادا الصاروخية (ارض - ارض وارض - بحر) ارمادا اخرى ارض - جو؟
وتؤكد المعلومات ان الاجهزة الاستخباراتية الاسرائيلية تنفذ الان خطة لتكثيف وجودها (ونشاطها) على الارض اللبنانية. وهناك معلومات لا يرقى اليها الشك بأن الاجهزة الاميركية لاحظت في اوقات مختلفة، ان بين قياديي «داعش» و«النصرة» من هم اعضاء في الموساد، وقد يكون لهم تأثيرهم في قرارات او خطط حساسة.
السلطات اللبنانية تدرك ذلك، كما تدرك ان مخيم عين الحلوة هو كمستنقع (او فردوس) لكل اشكال الاستخبارات، بما في ذلك الموساد الذي تقول حتى قيادات في «فتح» انها لا تستبعد ان يكون على تواصل لوجستي وعملاني مع مجموعات متشددة داخل المخيم.
وتقول احدى هذه القيادات ان الجماعات اياها ترفع كل انواع الشعارات باستثناء الشعارات التي تتعلق بفلسطين.
وكانت معلومات قد اشارت الى انه في اطار التنسيق بين اجهزة الاستخبارات الاسرائيلية واجهزة استخباراتية عربية، في مجال «تعقب» ايران و«حزب الله» نصحت تل ابيب احدى العواصم العربية بإيلاء مخيم عين الحلوة الذي يضم آلاف المقاتلين والذي يعاني من البؤس الشديد، اهتماماً خاصاً، حتى اذا ما بانت لديها القوة الضاربة هناك، يمكنها تحريك هذه القوة في واحد من اكثر الاماكن حساسية بالنسبة الى «حزب الله».
مثل هذا الامر وصل الى مسامع عدد من مسؤولي الفصائل الذين اتخذوا اجراءات لمواجهة اي محاولة اختراق من هذا القبيل، ولكن الى اي مدى يمكن لهؤلاء المسؤولين بامكاناتهم المحدودة، الوقوف في وجه الفيضان المالي الذي لا يأخذ بالاعتبار سلامة الغالبية الساحقة من سكان المخيم والذين يعنيهم الخدمات اكثر مما يعنيهم الخبز بعدما ذاقوا الامرين من التوترات الامنية المتلاحقة.
وحين لامس الرئيس فرنسوا هولاند جواً منطقة عرسال، ففي جعبته الكثير مما زودته به الاستخابرات الفرنسية حول المعركة المزدوجة، والبالغة الحساسية مثلما هي البالغة الخطورة، ان لمواجهة مسلحي الجرود الذين لديهم وسائلهم «الغريبة» في القتال او في التسلل او في الانقضاض، او لرصد الخلايا المنتشرة داخل مخيمات النازحين في محيط عرسال وداخلها والتي تشكل الاحتياطي التكتيكي والاستراتيجي لتنظيم الدولة الاسلامية، كما لـ«جبهة النصرة».
ولقد بات معروفاً ان الولايات المتحدة تدرك مدى المخاطر التي يواجهها الجيش اللبناني والدولة اللبنانية بوجه عام، من ثنائية الجرود والمخيمات، والى جانب المعدات والاسلحة اللازمة لذلك النوع من المواجهة والتي تقدمها للمؤسسة العسكرية، هناك المعطيات الاستخباراتية التي افادت السلطات والاجهزة اللبنانية على نحو مؤثر جداً.
ولم يعد سراً ان هناك جماعة غربية تعتبر ان قواعد المسلحين في سفوح السلسلة الشرقية، ومن جرود عرسال الى جرود رأس بعلبك والقاع، تشكل خطراً حقيقياً على الدولة اللبنانية، وهذا الخطر لا بد ان يزداد حدة في ضوء التطورات على الارض السورية. من هنا ارتأت والى درجة الالحاح «بدافع الضرورة القصوى»، التنسيق مع سلطات دمشق...
ربما كان طريفاً للوهلة الاولى، قول احدى تلك الجماعة ان النازحين السوريين باتوا يشكلون الطائفة الاولى في لبنان، وقد يطالبون، في اي لحظة، ان تكون رئاسة الدولة لهم، وان يكون لهم حضورهم في البرلمان او في الحكومة.
ومع ان المسألة تبقى، هكذا، في دائرة الطرافة، فإن الجماعة المذكورة تعتبرا ن المعالجة التدريجية لمشكلة النازحين في لبنان يفترض الا تقتصر على انتظار المساعدات التي تأتي من الخارج، وبالصورة، وربما بالشروط، التي تشي بأن وجود هؤلاء النازحين سيمتد لسنوات طويلة، مع زيادة سنوية في الولادات لا تقل عن 70 ألفاً.
التنسيق يعني الانفجار
المعالجة الحقيقية هي في التفاهم مع دمشق لدرء مخاطر الجرود والمخيمات، ودون ان يبقى سراً ان هناك مسؤولين لبنانيين تمنوا على الجهات الغربية عدم اثارة هذه المسألة لأن اي تفكير في التعاطي مع النظام في سوريا لا بد ان يؤدي الى انفجار سياسي وربما الى ما هو أبعد من الانفجار السياسي.
مع الويك اند، لا يزال الجدل البيزنطي قائماً على قدم وساق، من موضوع الاستحقاق الرئاسي، الى موضوع تفعيل المجلس النيابي، واستطراداً تفعيل العمل الحكومي، الى قانون الانتخاب ليبقى اللبنانيون ضائعين في الوقت الضائع...
حتى الآن الفاتيكان يكتفي بإشارات حول «الشعور بالقلق»، والى حد ابداء الخوف ليس فقط من ان يؤدي الخلاف المسيحي - المسيحي الى أن يفقد المسيحيون الموقع الرئاسي، وانما ايضا ان يفقد اللبنانيون هذا الموقع مع «الزلزال الديموغرافي» الذي حدث...
الفاتيكان: أزمة دولة
ومع مراعاة الحاضرة البابوية للبعد الانساني والاخلاقي في موضوع النزوح، ومع الحذر الشديد من اظهار اي موقف علني حول تأثيرات ذلك بالواقع اللبناني، بل بالوجود اللبناني خشية ان يستغل سياسياً في اتجاهات أخرى، فإن شخصيات على تواصل مع مسؤولين في الفاتيكان يؤكدون ان هؤلاء المسؤولين ينظرون الى الازمة في لبنان على انها أزمة دولة قبل ان تكون ازمة رئاسة او أزمة برلمان...
وتنقل الشخصيات عن مسؤولي الفاتيكان قولهم ان ليس باستطاعتهم ان يفعلوا شيئا، تدخلوا مع باريس التي اوفدت مبعوثين نحو العواصم المعنية فعادوا بخفي حنين، فيما واشنطن تعتبر أن اقصى ما يحتاجه لبنان في الوقت الحاضر هو الاستقرار الامني. الانتظام السياسي او الدستوري مؤجل الى حين ينتظم الوضع في سوريا وتنتظم العلاقات في الاقليم...
لا شيء سوى الانتظار داخل الثلاجة. الثلاجة التي بين الحرائق، على أمل ان يتحرك الاطفائيون في المدى المنظور، وفي ضوء القمة الخليجية - الاميركية الأخيرة. اما اسرائيل فلها حساباتها الخاصة في لبنان وفي سوريا أيضاً.