تتآكل يوما بعد يوم التصورات والمواقف المقللة من أهمية التقارب الحاصل بين التيار الوطني الحر وحزب القوات اللبنانية. ويترسخ الرأي القائل بأن هذا التقارب جدي وليس ظرفيا على خلاف ما يروج له البعض لدوافع عدة.

ويتجسد هذا التقارب، الذي هو أقرب إلى التحالف، في عدة خطوات لعل أهمها تجانس مواقفهما وتماهيها حيال أمهات القضايا في لبنان بدءا برئاسة الجمهورية مرورا بالانتخابات البلدية وصولا إلى جلسة تشريع الضرورة، الأمر الذي يشكل تهديدا للتحالفات التقليدية القائمة في لبنان منذ العام 2005.

وأبدى، الجمعة، أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان ورئيس جهاز التواصل والإعلام في القوات اللبنانية ملحم الرياشي، خلال لقاء مشترك تحت عنوان “من الوحدة المسيحية إلى الوحدة الوطنية” تمسكهما بمقاطعة أي جلسة تشريعية تعقد ما لم تتضمن في بنودها قانون الانتخاب.

وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد أكد خلال جلسة الحوار الوطني هذا الأسبوع، إصراره على عقد جلسات تشريعية قبل نهاية العقد النيابي العادي في 31 مايو المقبل.

وشدد بري على أن هناك جلسة تشريعية ستقام بعد أيام، لأن هناك عدة ملفات حيوية تهم مباشرة المواطن اللبناني تحتاج إلى المناقشة والمصادقة عليها، ولا يجوز تأجيلها خاصة المتعلقة بالجوانب المالية.

ويرى متابعون أن بري لن يجد صعوبة في عقد هذه الجلسة، حتى وإن تمت مقاطعتها من قبل التيار والقوات، حيث من المتوقع مشاركة نواب المستقبل وحزب الله وحركة أمل، واللقاء الديمقراطي، وعدد من المستقلين ما سيؤمن النصاب.

وهناك خلاف بين القوى السياسية اللبنانية حيال طرح قانون انتخابي جديد، فحزب الله على سبيل المثال رافض لطرح حليفه التيار الوطني الحر بخصوص القانون، كما أن المستقبل لا يبدي حماسة للأمر وهو ما يثير غضب حليفه القواتي.

وقال كنعان إن “المشكلة اليوم في البلد، والتي ستظهر في الأسبوع المقبل أكثر فأكثر، هي المطالبة بقانون انتخاب. وهناك من يأخذ على خاطره ويتهمنا لأننا نريد قانونا يؤمن صحة التمثيل، في الوقت الذي نحن لا ندعو فيه إلى ثورة، بل إلى ما يؤمن الشراكة الحقيقية”.

وشدد كنعان “اليوم وبعد الوحدة المسيحية (القوات والتيار)، بات هناك رأي واحد لا يمكن تجاوزه بسهولة. ومن يتجاوز التوازن والمساواة والديمقراطية الصحيحة، يضر نفسه، لأنه يضرب مفهوم الدولة”.

تصريحات كنعان وصفها كثيرون بأنها رد على حزب الله، الذي انتقد ضمنيا التيار بسبب إصراره على وضع العصا في العجلة أمام جلسة تشريع الضرورة عبر إصراره على طرح القانون الانتخابي.

ويؤشر هذا الخلاف البادي على السطح بين الحليفين على أن العلاقة بينهما ليست على ما يرام، فالحزب الشيعي يتوجس من التقارب بين عون وجعجع (المناوئ له) وتداعيات ذلك عليه مستقبلا.

وقد أعرب الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله منذ فترة، ضمنيا عن هذه المخاوف حين وجه اتهامات لرئيس القوات سمير جعجع بالسعي لضرب علاقة الحزب مع التيار، مشددا على أنه لا يفكر مطلقا في الوقت الحالي في تذويب الخلافات مع الأخير ولقائه.

ولا يبدو أن الوضع أفضل لدى المستقبل الذي ينظر هو الآخر إلى خطوات القوات بريبة، وهو لن ينسى لجعجع إقدامه على إسقاط مبادرته بتولي سليمان فرنجية منصب رئاسة الجمهورية عبر إعلان تأييده لميشال عون.

كما أن المستقبل لا يمكنه تجاهل رؤية الحليف القوي لديه على الساحة اللبنانية وهو يتحالف مع الطرف المقابل أي التيار الوطني الحر في الانتخابات البلدية.

وبالتالي فإن تعهد رئيس التيار الأزرق، سعد الحريري، منذ فترة بعدم المشاركة في أي جلسة لتشريع الضرورة لم يعد له قيمة، خاصة وأن القوات يبدو أنه يتجه لمسار مغاير لا يخدم رؤى المستقبل ومصالحه.

وقال القيادي في التيار الوطني الحر، إبراهيم كنعان، “المصالحة بين القوات والتيار باتت أساسا لبناء عصب مسيحي من أجل لبنان، ومن أجل وحدة وطنية قائمة على الشراكة”.

وأضاف “هدفنا ليس أن نجمع بعضنا فقط، بل همنا أن نجمع المسيحيين على مشروع وطني له علاقة ببناء الدولة في لبنان، ويأخذنا لا إلى إلغاء التنافس المسيحي المسيحي، بل يسمح بأن تكون كلمتنا واحدة في ما يتعلق بالحقوق والنظرة إلى الدولة”.

ويرى محللون أن حرص كل من القوات والتيار على تعزيز العلاقة بينهما وتوحيد صفهما، نابع من وجود رغبة فرضتها المتغيرات الإقليمية، فللطرفين مصلحة كبيرة في تقوية القرار المسيحي وفرضه رقما صعبا بالنسبة إلى الحلفاء قبل الخصوم.

ويقول المحللون إن الفريقين سيسعيان في الفترة المقبلة لصيانة التحالف بينهما في كل مجالات العمل المشتركة سواء في الموقف من الاستحقاق الرئاسي والموقف مما يطلق عليه بتشريع الضرورة لعقد جلسة لمجلس النواب اللبناني، إضافة إلى تثبيت أقصى درجات التنسيق في الانتخابات البلدية.

ولكن هذه الرغبة القواتية العونية تلاقي في المقابل موقفا سلبيا من بقية التيارات المسيحية، لا سيما حزب الكتائب اللبنانية، التي تجد في الثنائية المسيحية تشابها مع الثنائية الشيعية المعمول بها بالتحالف ما بين حزب الله وحركة أمل، كما تجد ذلك التحالف إقصائيا.

إضافة إلى ذلك تنطلق تصريحات واضحة من قبل شخصيات مسيحية في مقدمتها الرئيس السابق ميشال سليمان والدكتور فارس سعيد المنسق العام لقوى 14 آذار تحذر من الاصطفافات الطائفية الخطرة على الاستقرار في لبنان.

فيما يرى بعض المتابعين للشأن المسيحي أن التحالف ضرورة حالية يستفيد منها حزب القوات اللبنانية سواء في جرّ عون إلى خيارات السيادة واتفاق الطائف بعيدا عن حزب الله، أو في تجهيز الأرضية للقوات لوراثة الكتلة الاجتماعية العونية في حال اختفاء ميشال عون أو سقوط إمكانات انتخابه رئيسا وبالتالي سقوط مشروعه السياسي برمته.