يتصاعد القلق داخل قيادات حزب الله اللبناني إثر الإجراءات والتدابير والقرارات التي تتالى لمحاصرته داخل وخارج لبنان، وبعد أن تحولت إجراءات الإدانة والمقاطعة إلى الدول العربية والإسلامية بعد أن كانت مقتصرة على بعض الدوائر الغربية.
وأشارت مصادر سياسية لبنانية إلى إدراك قيادات حزب الله ومن خلفها إيران، أن المناخ بات توجها نهائيا في العالم لإنهاء “حالة حزب الله”.
وأعلنت المحكمة العليا الأميركية اجتزاء مبلغ ملياري دولار من الأصول المجمدة لإيران ومنحها على شكل تعويضات للجرحى وأهالي الضحايا من تفجير ثكنة لقوات المارينز الأميركيين في بيروت عام 1983، اتهمت إيران وحزب الله بتنفيذه.
ولا تستبعدُ المصادر أن تستغل إسرائيل المزاج الدولي الإقليمي الراهن ضد حزب الله لشنّ حرب ضده تحت مسميات الدفاع عن أمن إسرائيل، كما لا تستبعدُ أن تأتي تلك الحرب كأمر مطلوب دوليا لتتويج التدابير لمحاصرة الحزب والتي أضحت تتخذ إطارا تنفيذيا قانونيا موجعا لأجهزة الحزب.
وتتحدث أوساط قريبة من حزب الله عن أن الحزب يدرك حجم المخاطر التي تتراكم واحتمالات شنّ إسرائيل حربا ضده، وربما هذا ما دعا أمينه العام حسن نصرالله إلى تحويل مادة خطبه مؤخرا ضد إسرائيل، مهددا إياها بردّ أليم، وبأن كارثة ستحلّ على مدينة حيفا وشمال إسرائيل نتيجة إصابة ممكنة لمنشأة مادة الأمونيا في معامل تكرير النفط في خليج حيفا.
ومع ذلك، تقول تلك الأوساط إن تلك الحرب المحتملة لا تقلقُ الحزب بقدر قلقه من البيئة الإسلامية والعربية المعادية التي بدأت تحاصره والتي قد تجعله وحيدا في أي حرب مقبلة مع إسرائيل.
وتتحدثُ أنباء عن حالة تململ داخل حزب الله جراء الأوضاع التي آل إليها، وأن هذه الحالة ارتقت لتطال الجسم القيادي الذي يتساءل عن مستقبل المغامرات التي يخوضها الحزب في سوريا والعراق واليمن.
ويتسرّب من مصادر متابعة لشؤون الحزب أن قياداته لم تأخذ الموقف السعودي الخليجي على محمل الجد ولم تدرك جسامة التغيير الذي طرأ ونجاعة تأثيره على الدائرتين العربية والإسلامية.
ويشرح أحد السياسيين الشيعة المعارضين للحزب أن موقف هذا الأخير متناسل أساسا من موقف إيراني متعجرف لم يأبه للموقف الخليجي وسخر مما أعلنته الرياض عن استعداد للتدخل البري في سوريا إذا ما قرر التحالف الدولي ذلك.
ويؤكد المصدر أن النقاش داخل حزب الله يدور حاليا حول إمكانية بناء خيارات محلية مستقلة عن خيارات إيران الاستراتيجية، بما في ذلك خيار الانسحاب من سوريا.
ويلفت مراقبون إلى أن الحملة الإقليمية العربية والإسلامية التي تُشنّ ضد الحزب استفادت أيضا من أجواء دولية جدية، لا سيما في الولايات المتحدة.
ويُنقل عن مصدر داخل المصرف المركزي اللبناني أن العقوبات المالية الأميركية ضد الحزب هي الأكثر إيلاما، وأن وقعها قد يكون شبيها بوقع ورطة الحزب في سوريا.
ويتحدثُ المصدر عن أن وزارة الخزينة الأميركية التي كانت في السابق تتحفّظ على حسابات بنكية مشبوهة تابعة للحزب كانت تطلب سابقا إقفال تلك الحسابات، فيما تهددُ الإجراءات هذه الأيام بإقفال بنوك، على ما جرى مع البنك اللبناني الكندي، وهو أمر أقلق الحزب وأقلق النظام البنكي اللبناني.
ويعرف اللبنانيون كما المعنيون في العالم أن تمويل الحزب لا يمر أكثره عبر القنوات البنكية الرسمية، بل من خلال شحنات نقدية تصل مباشرة من طهران إلى مطار بيروت الدولي، وأن مدرجا لا يخضع لمراقبة الدولة اللبنانية، أو بالتواطؤ مع سلطات المطار، مخصص لهذه العمليات، وأن وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، والذي زار لندن مؤخرا، سمع انتقادات للنظام الأمني لمطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، ما أيقظ انتقادات في عواصم عديدة.
وتعتبرُ أوساط قريبة من الخارجية الأميركية أن واشنطن جادة في محاصرة الحزب، على الرغم من الانفتاح على إيران.
ويُنقل عن مصادر أمنية لبنانية أن طوق الحصار يضيق على حزب الله، وأن العواصم الدولية تضغط لضبط أمن المطار ووقف حالة التسيّب التي تجعله متنفسا ماليا وأمنيا مشبوها للحزب، وأن وضع الحزب على لائحة المنظمات الإرهابية من قبل مجلس التعاون ومجلس وزراء الداخلية والخارجية العرب ثم من القمة الإسلامية سيجعله حزبا مطاردا.
وتلفت مصادر متابعة إلى تطوّر الموقف المصري ضد حزب الله بعد أسابيع على استقبال وفد للحزب للتعزية بوفاة الصحافي الراحل محمد حسنين هيكل، من خلال ملاحظة قرار إدارة نايل سات وقف بث قناة المنار التابعة للحزب، ومن خلال الانتباه إلى ما انفردت مجلة روز اليوسف بنشره حول توجه لدى المحكمة الدولية بشأن اغتيال الرئيس الحريري لاتهام نصرالله واستدعائه.
وترى أوساط مراقبة أن السياق الحالي المحاصر لحزب الله لا بد أن يليه ما هو أخطر، إلا إذا استطاع الحزب التقاط هذه الإشارات والقيام بانعطافات كبرى، وإلا إذا استطاعت طهران فهم هذه التحوّلات وسحب الحزب من مغامراته الإيرانية.
صحيفة العرب