ليست حقيقية، وليست صادقة، عبارات المجاملة التي «يتراشق» فيها بين الحين والآخر بعض نواب تيار المستقبل و«حزب القوات اللبنانية»، تحت السطح كلام من «كعب الدست». الزرق يتهمون الدكتور سمير جعجع بأنه استشف من تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون رينان، ومدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه، ان رياح التقسيم تهب على المنطقة، ايضاً رياح الفديرالية والكونفديرالية...
ويقولون ان الرئىس سعد الحريري تعاطى بتوجس شديد مع ما يتردد في الدوائر الغربية الحساسة، وهو لذلك بادر الى ترشيح النائب سليمان فرنجية عل ذلك يفضي الى تأمين الحد الادنى من التلاحم الداخلي (يؤكدون ان «الشيخ سعد» كان مؤمناً فعلاً بذلك). اما جعجع فقد تلقف تلك «اللحظة الذهبية» ليذهب بعيداً في خياراته...
يتحدثون في تيار المسقبل عن «حنين الى الكانتونات» التي هي الاساس في الفلسفة السياسية، والايديولوجية، لرئيس «القوات اللبنانية». وكان ان اخترق على ذلك النحو الدراماتيكي جدار الكراهية بينه وبين الرابية، وتأبط ذراع العماد ميشال عون، تأبط الابن لذراع أبيه، لرفع شعار «حقوق المسيحيين»، كمدخل الى ما هو ابعد من ذلك بكثير.
بعض رفاق الرئيس الراحل رفيق الحريري يعتبرون ان «الشيخ سعد» الذي لا يزال طري العود في السياسة التي لا يستسيغها من الاساس، بالغ كثيراً في التفاؤل حين اعتقد ان «حزب الله» سيقرع الطبول ابتهاجاً بترشيح حليفه التاريخي رئىس تيار المردة، لكن الخطأ الأكبر حين ابلغ مسؤولين سعوديين، وبعضهم لا يكن له الود، بل ويتمنى له التعثر، وحتى السقوط السياسي، بأن رهانه صائب ودقيق، و«لسوف تلاحظون كيف اغير قواعد اللعبة في لبنان».
لـ«حزب الله» حساباته، وشكوكه، وأيضاً التزاماته، دائماً قراءة السطور، وما وراء السطور، وما تحت السطور، وما فوق السطور، مثلما يخوض المعارك العسكرية يخوض المعارك السياسية...
الرهان ارتطم بالجدار. السعوديون فوجئوا بكيفية تعاطي «طفولية» الحريري مع اللعبة السياسية اللبنانية المعقدة، ثمة مخاوف لدى رفاق الحريري الاب من ان تكون الرياض تبحث عن زعيم آخر للطائفة السنية في لبنان، وان كان احد لا يغفل اهمية الارث السياسي الذي تركه رئيس الحكومة الراحل..
احد هؤلاء الرفاق» يقول لـ«الديار» ان «لا احد مثل اللبنانيين لديه تلك القابلية للنسيان» واذ يبدو واضحاً اي ازمة تواجهها «سعودي اوجيه» ومن يتربص داخل المملكة لوراثتها او لتدميرها، فان المال كان العصب الرئيسي في بناء البيت السياسي لآل الحريري حتى اذا ما نضب المال وكبرت ازمة الشركة، وهي «جوهرة هذا البيت» كما وصفها «رفيق رفيق»، فالمشكلة ستكون ضاغطة جداً.
المخضرمون في تيار المستقبل لا يتوقعون، في اي حال، اعتزال رئيسه للسياسة، لكنهم يقولون ان هذا الاخير في ما يشبه «ازمة علاقات» مع المملكة، لا تمكن مقاربة المشكلة المالية بمنأى عن البعد السياسي، تحديداً «البعد السعودي».

زبال في مقاديشو

ويقول هؤلاء ان «الشيخ سعد» لطالما كرر ضاحكاً مقولة النائب وليد جنبلاط «ان يعمل المرء زبالاً في نيويورك افضل من ان يعمل سياسياً في لبنان». قال ذات مرة «ان يعمل المرء زبالاً في مقاديشو».
قبل وقت قصير كان يقال كلام كثير داخل التيار الوطني الحر، البعض استعار كلام السفير السعودي علي عواض عسيري حول «ما قيل لنا»، اي ما قاله الحريري للسعوديين في صدد الاجماع (الذي لم يتحقق) على مرشحه لرئاسة الجمهورية.
وهذا البعض دأب على استخدام تعبير Game Over للدلالة على ان السيناريو الذي وضع في باريس قد انتهى بمجرد ان ادلى عسيري بتصريحه الشهير.
ما الذي حدث حتى عاد «الاحتكاك الكهربائي» بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر؟

الحكيم استوعب الجنرال

اللقاءات لا تزال في بدايتها، لكن الاسئلة تذهب بعيداً، وبعدما تردد ان هناك في الرياض من يحتضن جعجع ويمتدح خياراته السياسية، كما ماضيه السياسي، حتى ان رجل اعمال صيداوياً يرتبط بعلاقات وثيقة بالسعودية، يؤكد ان هناك في المملكة من يعتبر ان «الحكيم» استوعب «الجنرال» على المستوى المسيحي كما على المستوى اللبناني...
يضيف انه سمع كلاماً مباشراً بأن جعجع قام بخطوة ذكية حين اقترب من عون الذي بات حديثه محصوراً بالمسائل الداخلية، ولم يعد يدلي بأي تصريحات تعكس نوعا من التقاطع الاستراتيجي مع «حزب الله» لا سيما في ما يختص بالملف السوري.
من الاسئلة التي تذهب بعيدا هل طلبت الرياض من الحريري التخلي عن رئىس تيار المردة الذي بدا وكأنه على قاب قوسين او ادنى من قصر بعبدا، ومد اليد الى رئيس تكتل التغيير والاصلاح ولكن بشروط محددة او لان سياق التسويات في المنطقة ان انطلق فلا بد ان يؤثر على الكثير من العلاقات او المواقف.
«الديار» سألت قيادات في تيار المستقبل نفت ان يكون حدث اي «انقلاب في المسار» اذاً هل يتصور الحريري ان باستطاعته، ولو زلزلت الدنيا ان يقنع عون بالتنحي او بالقبول بفرنجية الذي في لفتة غزل وصفه الوزير السابق سليم جريصاتي بـ«الاحتياطي الذهبي».
اللافت امس محاولة الاوساط السياسية لا سيما داخل قوى 14 آذار تحليل المواقف الاخيرة لجنبلاط في المقابلة التلفزيونية والتي وصفها احد الوزراء بـ«خطبة الوداع».
من التعليقات البعيدة عن الضوء «هل من تحولات وشيكة في المنطقة جعلت زعيم المختارة يستعد للتحول؟ باعتبار ان بعض المواقف بدت وكأنها عودة كاملة عن مواقف سابقة. هل هي ساعة التجلي ام هي ساعة التخلي؟
البلبلة الداخلية تبدو وكأنها تتداخل مع البلبلة الاقليمية. المعلومات الواردة الى الخليج لا تترك مجالا للشك في ان حكومات خليجية قرأت بدقة كلام الرئيس باراك اوباما الذي اطلق بعض العبارات الحادة ضد ايران مسايرة للمضيف.
هذه الحكومات، وبحسب تأكيد جهة خليجية على تواصل مع صانعي القرار، تعتبر ان استمرار الصراع مع ايران يستنزف الجميع، ويزعزع الجميع، ولا بد من الانتقال الى مرحلة اخرى من العلاقات ما دامت الديبلوماسية الاميركية والديبلوماسية الروسية تضع نفسها بتصرفنا في هذا المجال.
اكثر من ذلك تلك الحكومات ترى ان من الافضل للمملكة ان تغسل يديها من الازمة السورية وحجتها في ذلك ان تجربة السنوات الخمس المنصرمة كفيلة بالاثبات ان بقاء النظام، وبالرغم من الامكانات الهائلة التي وضعت في تصرف المعارضة. مسألة ترتبط بمصالح دولية واقليمية تبينت استحالة كسرها.
والمثير هنا ان يقول وزير خارجية خليجية لنظيره السعودي اذا سقط النظام، فسوريا ستذهب الى رجب طيب اردوغان والى بنيامين نتنياهو وليس لكم.
لا تتوقع الجهة اياها تبدلاً سريعاً في المشهد، وقبل ان يتصاعد الدخان الابيض من الردهة التي يلتقي فيها طرفا الصراع في اليمن في الكويت، على الاقل، لكن ما قاله باراك اوباما، لا بد انه لاقى آذاناً صاغية، مد اليد الى الضفة الاخرى من الخليج.
الرئيس الاميركي قال فاوضناهم واتفقنا معهم بالرغم من انهم يعتبروننا الشيطان الاكبر، لم يقولوا فيكم هكذا، ومصلحتكم، ومصلحة المنطقة ان يحصل التفاهم.