اختتمت القمّة الأميركية ـ الخليجية الثانية أمس في الرياض بمساحة واسعة من الاتفاق على مختلف الملفات وخصوصاً الرئيسية منها، وأثبتت أن الشراكة بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة هي مسألة استراتيجية وبما يؤمن استقرار وأمن وازدهار المنطقة، وفق بيان القمّة، ولا تنتقص منها أي اختلافات في الرأي في ملف أو آخر، كما أكد الرئيس باراك أوباما في مؤتمر صحافي عقده في ختام القمَة. والطرفان متفقان ومتحدان ضد الإرهاب الذي يهدد الأمن العالمي كله، وفي مواجهة استفزازات طهران، وفق أوباما، وهذا يسحب نفسه على ملفات أخرى مثل العراق وسوريا واليمن.

أوباما

أوباما وبعدما شكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وقادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذين كرسوا كل وقتهم لتكون هذه القمة ناجحة، أكد في المؤتمر الصحافي أن «العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، قائمة منذ عقود طويلة عبر عدة إدارات حكومية أميركية«، لافتاً النظر إلى أن دول الخليج في تعاون دائم مع بلاده في مجال مكافحة الإرهاب وقطع تمويل نشاطات المجموعات الإرهابية وفي كل الجهود بالتحالف ضد تنظيم «داعش« الإرهابي.

وأشار إلى أنه تم تحقيق تقدم في الملفين السوري والعراقي، وأن حدة التوتر تخف في اليمن بسبب الجهود المشتركة الجماعية مع دول مجلس التعاون، وكذلك في ليبيا التي تشهد حكومة جديدة تسعى جاهدة لكي تنظم نفسها، مؤكداً أن هذا لم يكن إلا بالجهود والمساعي الديبلوماسية الحثيثة والمؤثرة مع الولايات المتحدة والأمم المتحدة .

وقال أوباما «هنالك اليوم مطالب بوقف الأعمال العدائية لكي يسمح ببناء مسيرة للسلام وتخفيف حدة معاناة الناس»، مشيراً إلى أن ذلك يمكن أن يتحقق في سوريا من خلال التعاون بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك في العراق .

ولفت الرئيس الأميركي النظر إلى أنه قد يكون هناك فروق وتباينات في الآراء، ولكن الهدف اليوم والهدف من اجتماعات كامب ديفيد هو التأكد من التشارك في رؤية مشتركة حول الرفاه والاستقرار والسلام وكيفية تحقيق ذلك في المنطقة، وكيفية التصدي للإرهاب والعنف .

وبشأن الملف الإيراني وبرنامجها النووي المثير للجدل قال: «ندرك ما يفعله كل من الفرقاء، عندما دخلنا في مفاوضات مع إيران كانت هناك مشاغل ونواحي قلق ولكن في مصلحة أن يكون هناك اتفاقية قد ننظر إلى الجهة الأخرى«، مؤكداً في الوقت ذاته أن إيران اليوم تفعل ما يجب أن تفعله بموجب الاتفاق الذي وقع حيال برنامجها النووي، وأن تهديدها بحيازة سلاح نووي قد انخفض كثيراً .وأشار إلى أنه «من خلال الاتفاق النووي الإيراني تم التخلص من مخزوناتهم من الأسلحة النووية«، عاداً ذلك إشارة قوة وليست ضعفاً« 

وشدد أوباما على أن «الجميع يتفق على وجوب دحر الاستفزازت الإيرانية وأن تخضع إيران للمساءلة والمحاسبة إذا ما قامت بتصرفات تخالف الأنظمة الدولية«، داعياً إلى «الدخول في حوار للتخفيف من حدة التوتر وتحديد السبل التي تكون فيها إيران أكثر اعتدالاً وعقلانية وأن تتفاوض مع الدول في المنطقة ومع دول الجوار لكي لا يكون هناك توتر وتقاتل عبر الوكلاء في المنطقة« .وقال «هناك الكثير من انعدام الثقة متراكم بسبب الاستفزازات الإيرانية، الناس يتوخون الحذر ويريدون التأكد من أنه ما من أحد يخدعنا حول ما قد تفعله إيران لإثارة المشاكل والفتن في الدول الأخرى، نحن أظهرنا لهم بأننا واعون حتى خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي عندما كان الاتحاد السوفياتي يتحدى الولايات المتحدة أبقينا على الحوار والتواصل لتخفيف حدة التوتر وتلافي الحروب والفوضى»، دعياً إلى اتخاذ هذا النهج .

وقال «بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي تم منع إيران من إرسال شحنات السلاح إلى الميليشيات في اليمن»، مؤكداً أن «هذا عزز من الثقة في حين أن المنطقة تشهد الكثير من الصعوبات والتحديات، وهناك حاجه إلى المزيد من التماسك في التواصل على مستوى المؤسسات في الحكومات وهذا ما تم تحقيقه خلال هاتين القمتين« الخليجية، وكامب ديفيد .

وأكد أوباما أنه يعمل على أن يتعزز ذلك مع الإدارة القادمة، وقال: «إن احتمالات سوء الفهم تتنامى عندما يكون هناك الكثير من النشاطات في داخل العراق، طبعاً هناك مشاغل يمكن أن يتفهمها المرء مثلاً عن نفوذ إيران على الحكومة العراقية« .وفيما أكد شراكة رئيس الوزراء حيدر العبادي مع الولايات المتحدة، أشار إلى أن «الحكومة العراقية قامت بدور حيوي في مكافحة داعش ومن الضروري تمكين الحكومة العراقية من الكفاح والتصدي لداعش بشكل مؤثر«، داعياً إلى العمل على مساعدة المناطق التي عانت كثيراً من داعش لبناء نفسها وإعادة حياة أبناء هذه المناطق ومساعدة الحكومة العراقية على ذلك، ومؤكداً أن هذا ينطبق على سوريا التي يتجه فيها اتفاق وقف الأعمال العدائية إلى الانهيار بسبب تصرفات النظام السوري واعتداءاته المستمرة .

وأشار أوباما إلى أنه تحدث مع قادة دول مجلس التعاون حول السبل المتاحة إذا ما انهارت اتفاقية وقف الأعمال العدائية في سوريا، مشيراً إلى أنه يرى أنه «يجب التوصل إلى حل سياسي وأن على كل الأطراف الالتزام بذلك واستناداً الى ما يريده الشعب السوري«، مذكراً بأن «أي خيار لا يرتكز على تسوية سياسية يعني المزيد من المعارك لسنوات والمتغلب فيها سيكون واقفاً على دولة أو بلد يكون قد انهار وتدمر ويستغرق بعد ذلك سنين طويلة لإعادة بنائه« .

وقال الرئيس الأميركي إنه «تم خلال القمة التركيز على رحيل رئيس النظام السوري ليس فقط لأنه قتل شعبه وقصفهم بالبراميل المتفجرة وقصف النساء والأطفال، بل أيضاً لأنه من الصعب أن يتصور المرء بأنه سيكون على رأس حكومة يُنظر إليه على أنه شرعي ومشروع« .

وأكد أن هناك توافقاً مع دول مجلس التعاون «بشكل كلي وشامل في مساعدة بعضنا الآخر وتأمين أمننا الجماعي«. وقال: «لا يمكن لنا أن نعمل بشكل مؤثر عسكرياً في المنطقة إذا لم يكن ذلك بمساعدة بعض دول الخليج. إن التشارك في المعلومات الاستخباراتية أيضاً حيوي في مكافحة الإرهاب ولطالما هو في تحسن نرى أيضاً الحاجة إلى التعاون على التهديدات الجديدة مثل الاعتداءات الالكترونية وعالم الفضاء الافتراضي وأن يكون هناك نظم دفاعية مشتركة للصواريخ البالستية« .

بيان القمّة

وصدر عن قادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون والرئيس الأميركي، بيان في ختام أعمال القمة، شدد على الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والتي تهدف إلى تحقيق الاستقرار والأمن والازدهار للمنطقة.

وقال إنه «بالنظر الى جسامة التحديات التي تشهدها المنطقة، أبدى القادة التزامهم باتخاذ المزيد من الخطوات العاجلة لتكثيف الحملة لهزيمة تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وتنظيم القاعدة، وتخفيف حدة الصراعات الإقليمية، والسعي لإيجاد الحلول لها، وتعزيز قدرة دول مجلس التعاون على التصدي للتهديدات الخارجية والداخلية، ومعالجة الأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار، والعمل معاً للحد من التوترات الإقليمية والطائفية التي تغذي عدم الاستقرار«.

وأكد الطرفان أنه «ما من حل عسكري للصراعات الأهلية المسلحة في المنطقة التي لا يمكن حلها إلا من خلال السبل السياسية والسلمية، واحترام سيادة جميع الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وكذلك الحاجة لحوكمة شاملة تشمل حماية الأقليات واحترام حقوق الإنسان في الدول التي تمر بتلك الصراعات«.

وأعرب القادة الخليجيون والرئيس الأميركي «عن تضامنهم مع الشعب السوري مؤكدين أهمية التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن 2254 القاضي بالسماح بالوصول الفوري للمساعدات الإنسانية الى المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها، وإطلاق سراح جميع المعتقلين عشوائياً. وأكد القادة أيضاً عزمهم ترسيخ وقف الأعمال القتالية، والحاجة للانتقال السياسي بدون بشار الأسد، مع الحفاظ على مؤسسات الدولة، والتركيز على محاربة داعش وجبهة النصرة. وأعرب الجانبان عن قلقهم العميق بشأن معاناة اللاجئين والنازحين داخل البلاد. كما رحبا بخطط الولايات المتحدة لعقد قمة رفيعة المستوى حول وضع اللاجئين في أيلول 2016 ومما يتيحه ذلك من فرص لحشد المزيد من الدعم الدولي، مؤكدين الحاجة الى تقديم المزيد من المساعدات للاجئين خلال الفترة القادمة«.

وشجع الطرفان تحقيق المزيد من التقدم في العراق نحو تخفيف التوترات الطائفية والعمل على تحقيق حوكمة شاملة ومصالحة بين كافة العراقيين بما في ذلك معالجة المظالم المشروعة لجميع مكونات المجتمع العراقي من خلال تنفيذ الإصلاحات. ورحبا بوقف الأعمال القتالية في اليمن، وعبرا عن دعمهما له، مناشدين كافة الأطراف اليمينة الالتزام به. 

في ما يخص الشأن الليبي، رحب القادة الخليجيون والرئيس الأميركي بتولي حكومة الوفاق الوطني في طرابلس مقاليد الحكم وأعربوا عن وجهة نظرهم القوية بأن يتجاوز كافة الليبيين في كافة أرجاء البلاد المعوقات التي يحاول المعرقلون وضعها واحترام سلطة وشرعية الحكومة وانتهاز هذه الفرصة الهامة لتحقيق مستقبل يعمه السلام والرخاء. وأكدت دول مجلس التعاون والولايات المتحدة على ضرورة حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على أساس اتفاق سلام عادل ودائم وشامل يفضي الى قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ومتماسكة جغرافياً تعيش جنباً الى جنب مع إسرائيل بأمن وسلام. ولتحقيق ذلك، جدد القادة تأكيدهم على أهمية مبادرة السلام العربية لعام 2002 وقرروا استمرار التنسيق الوثيق بينهم بشأن الجهود الرامية الى حث الطرفين على إبداء التزامهما، من خلال السياسات والأفعال، بحل الدولتين.

وتأكيداً لالتزامهما المشترك بمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله، رحب مجلس التعاون والولايات المتحدة بالتقدم المحرز في تقويض مكاسب «داعش« على الأرض في كل من سوريا والعراق. كما رحبت الولايات المتحدة بمشاركة ودعم دول مجلس التعاون في التحالف الدولي ضد التنظيم هذا، وأشادت بالجهود الحازمة لدول مجلس التعاون في منع الهجمات الإرهابية، وتبادل المعلومات حول المقاتلين الأجانب في التنظيمات الإرهابية، والأعمال التي قامت بها دول المجلس في مكافحة خطاب وفكر تنظيم «داعش« ورسائله الإرهابية.

وأكدت الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون على تأييدهما للخطة الشاملة للعمل المشترك مع إيران منوهين إلى أن تنفيذ الخطة حتى الآن قد حال دون سعي إيران الى امتلاك السلاح النووي مما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة. وأكد القادة على ضرورة اليقظة حيال تصرفات إيران المزعزعة لاستقرار المنطقة، بما في ذلك برنامجها للصواريخ الباليستية ودعمها الجماعات الإرهابية مثل حزب الله وغيره من وكلائها المتطرفين في كل من سوريا واليمن ولبنان وغيرها. 

واستمع القادة إلى تقرير عن الاجتماع المشترك لوزراء الدفاع في دول المجلس والولايات المتحدة، الذي أكد أهمية التمارين العسكرية بين مجلس التعاون والولايات المتحدة، وأعلنوا أن دول المجلس والولايات المتحدة ستبدأ على الفور في التخطيط لإجراء تمرين عسكري مشترك في آذار 2017 لعرض القدرات العسكرية المشتركة للجانبين. 

وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز أعرب في ختام القمّة باسمه واسم قادة دول مجلس التعاون عن شكره أوباما على حضوره «هذه القمة البناءة والمثمرة، والتي ستسهم في تعزيز التشاور والتعاون بين دول المجلس والولايات المتحدة«، مشيداً بالمحادثات «البناءة وما تم التوصل إليه« ومؤكداً «حرص والتزام دول المجلس على تطوير العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين دولنا والولايات المتحدة خدمة لمصالحنا المشتركة وللأمن والسلم في المنطقة والعالم».