تسير التطورات العراقية هذه الأيام بوتيرة متصاعدة، دون ان يلوح في الافق القريب حلّ جوهري للازمة السياسية الخانقة التي فرضتها جبهتا "الموالاة" و"المعارضة" في مجلس النواب، حين تصرّ الأولى وقوامها نحو 170 نائبا من مختلف الكتل السياسية، على اطاحة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ونائبيه بعد ان صوّتت على إقالتهم الخميس الماضي، فيما تصر جبهة المولات وقوامها اعضاء من "المجلس الاسلامي الاعلى" وكتلتي "بدر" و"الفضيلة" الى جانب "التحالف الكردستاني" وأعضاء من "اتحاد القوى" السنّية على التمسك بهيئة الرئاسة المقالة. على ان تجمع المولاة لم ينجح في انتخاب هيئة رئاسية للبرلمان، واضطر الى تأجيل عملية الانتخاب الى الخميس (اليوم) ولا يتوقع ان تمرّ عملية الانتخابات لهيئة رئاسية جديدة بسهولة.
هذه التطورات، الى جانب محاصرة جموع المحتجّين الصدريين الى مختلف الوزارات العراقية لإرغام وزرائها على الاستقالة، انعكست على شكل موجة قلق حبست أنفاس كثير من المواطنين، خاصة ان عمليات الاعتصام ومحاصرات الوزرات عرقلت انسيابية السير في معظم مناطق العاصمة، حتى ان السيد مقتدى الصدر طالب اتباعه بعدم "تعطيل الخدمات الضرورية للشعب حتى ولو تم الاعتصام أمام الوزارات"، وبرغم ترحيب كثيرين بـ"التصدع" الذي طال معظم الكتل السياسية نتيجة الضغوط الشعبية المتواصلة، الا ان عدم الوضوح الذي يكتنف عملية التغيير والاصلاح المرتقبة، يغذي عوامل القلق والخوف من المستقبل في اوساط المواطنين العاديين.
انتخابات مبكرة
وفي اطار الضغوط السياسية المتواصلة من قبل السيد مقتدى الصدر على الكتل السياسية لإجراء التغيير المطلوب، اصدر الصدر بيانا، طالب فيه الامم المتحدة ومنظمة الدول الاسلامية "التدخل من اجل اخراج الشعب العراقي من محنته وتصحيح العملية السياسية ولو من خلال فكرة انتخابات مبكرة". وبرغم تشديده على استمرار الاحتجاجات الشعبية، طالب نواب "تيار الاحرار" الصدري المعتصمين في مجلس النواب فضّ اعتصامهم لأنه اصبح "يؤثر سلبا على هيبة الثورة العراقية الشعبية الاصيلة"، لأن "الكثير من السياسيين يحاولون حرف الثورة الشعبية العراقية الاصيلة عن مسارها الذي خط لها محاولين بشتى الطرق تحويلها الى نزاعات سياسية برلمانية" في اشارة الى اشتراك بعض اتباع "غريمه اللدود" نوري المالكي في اعتصام البرلمان. على ان بعض المراقبين لاحظ، تحكّم قادة الكتل، بما فيهم السيد مقتدى الصدر حتى الآن بنوابهم في مجلس النواب، بحيث اصدرت الهيئة السياسية لتيار الصدر انسحاب نوابها من الاعتصام حال طلب الصدر منهم ترك الاعتصام، وذلك يتقاطع مع ما سبق واعلنه النواب المعتصمين من خروجهم عن انتماءاتهم الحزبية والسياسية.
زعيم المجلس الاسلامي الاعلى عمار الحكيم المعارض لاعتصام البرلمانيين، رحب في خطوة الصدر الجديد واعرب في بيان اصدره عن "تقديره العالي"، لبيان مقتدى لصدر الاخير، عادا اياه "خطوة نوعية لدعم المؤسسة التشريعية وفض الاعتصام فيها". على ان "القلق من المجهول" مازال حاضرًا بقوة، اذا ما أخذ بنظر الاعتبار المواقف المتقاطعة بين الافرقاء السياسيين والرفض القاطع لـ"التحالف الكردستاني" و"اتحاد القوى" السنّية لما جرى تحت القبة النيابية، الى جانب الضغوط الكبيرة التي تمارسها الاحتجاجات الشعبية على مجمل صناع القرار.