لم تُفلح دعوة الهيئات الناخبة إلى إجراء الانتخابات النيابية في منع طرح السؤال الذي يشغل بال الكثيرين من المهتمين ومتابعي العمل السياسي: هل حقاً ستُجرى الانتخابات البلدية؟ والسؤال يُطرح بقوة، إلى درجة أن صدور قرار عن وزير الداخلية بإرجاء الانتخابات البلدية في قريتين في البقاع الأوسط، أشعلَ شائعة تأجيل الانتخابات في كل لبنان.
سيناريو تهرّب القوى السياسية من البلدية كان مرسوماً في ذهن من تبنّوه: «تدعو وزارة الداخلية الأجهزة الأمنية إلى اجتماع لبحث الوضع الأمني قبل الانتخابات، فتُجمع الأجهزة على كونها عاجزة عن تأمين حماية الانتخابات. بدوره، يقول الجيش إنه غير قادر على تخصيص نحو 7 آلاف عسكري لحماية العملية الانتخابية، بسبب انشغاله بالحرب في الجرود». لكن هذا السيناريو سقط. فبحسب مسؤول عسكري رفيع المستوى، فإن الجيش أكّد للسلطة السياسية، وللأجهزة الأمنية الأخرى، جاهزيته لتأمين إجراء الانتخابات. وأكّد المسؤول العسكري لـ»الأخبار» أن حماية عمليات الاقتراع لن تؤثر في وحدات الجيش القتالية في السلسلة الشرقية (عرسال وجرودها ومحيطها). كذلك أكدت وزارة الداخلية أنها ماضية في التحضيرات اللازمة لإنجاز الاستحقاق البلدي، وأنها غير معنية بأي دعوة لتأجيل الانتخابات أو إلغائها. «وإذا كان أي فريق يرغب في الهروب من الانتخابات، فليلجأ إلى الحكومة أو مجلس النواب طالباً ذلك».
أجواء الداخلية توحي بأنها تتعمّد تحديداً الرد على ما يُشاع عن أن خلاف النائب وليد جنبلاط والوزير نهاد المشنوق سببه رغبة الأول في عدم إجراء الانتخابات البلدية. وفي إطار هذا الخلاف تحديداً، هدأ السجال بينهما أمس بمسعى من الرئيس سعد الحريري، فيما كادت تفتح جبهة أخرى. فقد اعتبر الوزير وائل أبو فاعور أن بيان كتلة المستقبل الذي هاجم جنبلاط هو مجرد تشويش على العلاقة الجنبلاطية الحريرية «مِن قبَل من باتوا في موقع الإبعاد». إلا أن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة، لم يردّ. وتواصل الهجوم الجنبلاطي على المدير العام لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف، الذي كرر نواب المستقبل المفاخرة بربحه أكثر من 120 دعوى قضائية رُفِعت ضده، مؤكدين عدم رفعهم الغطاء عنه. وفي الموعد المحدد لاعتصام مجموعة «بدنا نحاسب» أمام وزارة الاتصالات أمس، حضرت المنظمات الطلابية لحزب الوطنيين الأحرار والقوات والكتائب والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي للمطالبة بإصلاح قطاع الاتصالات. وطالبت منظمة «الشباب التقدمي الاشتراكي» بـ»تجميد صلاحيات يوسف إلى حين انتهاء التحقيق في ملف الإنترنت غير الشرعي، ومحاسبته على سوء الإدارة وهدر المال العام والوضع المتردي للاتصالات». علماً أن حملة «بدنا نحاسب» بادرت إلى الانسحاب من الاعتصام، متهمة المتظاهرين الحزبيين بالمعاناة من «انفصام» يدفعهم إلى التظاهر ضد وزراء احزابهم.
فرنجية: إذا انتُخبت
رئيساً وهناك فريق مكسور في البلد فلن أستطيع أن أحكم
في هذا الوقت، انعقدت جلسة الحوار الوطني أمس في عين التينة، لتتمحور حول الجلسة التشريعية التي ينوي الرئيس نبيه بري عقدها، في ظل رفض معظم الأحزاب المسيحية لانعقادها، ما لم يدرج مشروع قانون الانتخابات النيابية بنداً أول على جدول أعمالها. وقد أمسك بري العصا من نصفها، مقترحاً أن «تنعقد هيئة مكتب المجلس لوضع جدول أعمال جلسة جديدة تحت عنوان تشريع الضرورة، على أن يدرج عليه قانون الانتخاب». وأكد أن «قانون الانتخابات سيناقش بعد بتّ كل البنود الضرورية المدرجة على جدول الأعمال». وذكّر بالتوصية التي أقرها مجلس النواب في أثناء إقرار التمديد للمجلس عام 2014، وتنصّ على عدم بحث قانون الانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية. «وإذا قرر النواب التراجع عن توصيتهم يبحث القانون، وقد يقر قبل انتهاء دورة المجلس نهاية أيار، وإن لم يتراجعوا عن التوصية، يمكنهم الاتفاق على قانون ليقرّوه لاحقاً بعد انتخاب الرئيس». وقانون الانتخابات يمثل جزءاً أساسياً من السلة المتكاملة التي يطالب التيار الوطني الحر بها. ورغم إمهال بري الأطراف السياسية أسبوعاً لدرس الاقتراح والعودة إليه بأجوبة، وصلته الردود من على باب عين التينة فور انتهاء الجلسة على لسان الوزراء والنواب. وتبين أن كل طرف لا يزال عند موقفه، باستثناء الموافقة المبدئية المستجدة للحزب التقدمي الاشتراكي الذي انضم إلى تيار المردة وحزب الله والطاشناق والمستقبل الذي رأى في طرح بري «مخرجاً لائقاً للتنصل من الوعد الذي قطعه الرئيس سعد الحريري لحلفائه المسيحيين عدم حضور أي جلسة لا يطرح فيها قانون الانتخابات». وقد أبدى الوزير جبران باسيل امتعاضه أمس من طرح رئيس المجلس، مجدداً التمسك بضرورة إدراج قانون الانتخاب على رأس جدول الأعمال للمشاركة في الجلسة. ونقلت قناة «أو تي في» عن «مصدر متابع» قوله إن مبادرة بري تأتي في إطار الالتفاف الدائم على إقرار قانون انتخابات جديد، وهو ما ينبئ بتوتر جديد في علاقة الرابية وعين التينة. وتناقش المجتمعون أمس في تقرير لجنة قانون الانتخابات الذي قدّمه النائب جورج عدوان، والذي لم يتضمن كما بات معلوماً سوى عرض مواقف القوى السياسية التي تختلف بشأن اعتماد النظام النسبي أو الأكثري وتوزيع الدوائر. فرأى باسيل أن قانون عدوان والمستقبل والاشتراكي لا يعتمد معياراً واحداً لتوزيع الدوائر، ووافقه رئيس كتلة حزب الله محمد رعد والنائب طلال أرسلان بصبّ القانون لمصلحة فريق محدد. وهنا تدخل الرئيس فؤاد السنيورة قائلاً: «نحن وزعنا شكل النظام والدوائر حسب مصلحتنا، حتى نخفف من ضغط سلاح حزب الله»! فردّ عليه النائب أسعد حردان بالقول: «بدك تسمحلي، مش كل ما بدنا نحكي بشي بدك تحشر سلاح الحزب، والكل عندو سلاح». فقال السنيورة: «نحنا ما عنا سلاح»، فرد حردان: «مبلا عندكن والكل بيعرف». كما علق رعد بقوله: «بلا ما نضحك على بعض. نحن مش متفقين على شي. لا قانون انتخابات ولا رئيس جمهورية». وبالنسبة إلى الملف الرئاسي، قال رعد: «نحن لا نختلف على شكل الرئيس ولا مواصفاته، لكننا لن ننتخب رئيساً نتناتع معو أو عليه أو حوله كل الوقت»، ونحن «نفضل أن يكون هناك اتفاق». وهنا تدخل الوزير سليمان فرنجية قائلاً: «لنكون واضحين. الأفق مظلم، وكل منا يعمل في الملف الرئاسي وفق مصلحته. أعرف أن هذا الكلام لا يخدمني. إذا انتُخبت رئيساً وهناك فريق مكسور في البلد فلن أستطيع أن أحكم. دعونا نعمل على تسيير الأمور الملحّة لأن موضوع الرئاسة لن يحل في هذه المرحلة».
عودة الحديث الحريريّ عن سلاح حزب الله تتزامن كالعادة مع التصعيد الأميركي ضد الحزب. وفي أول ردّ لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة على بدء سريان القانون الأميركي الخاص بمعاقبة حزب الله، قال سلامة لقناة «أل بي سي آي» أمس إن على المصارف «عدم القيام بعمليات ذات حجم كبير يمكن أن تكون لمصلحة حزب الله»، محمّلاً المصارف مسؤولية قراراتها. وطلب سلامة من المصارف التي ستقفل حسابات من شملتهم العقوبات الأميركية أو تمتنع عن فتح حسابات لهم أن تبلغ هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان وانتظار جوابها. وكان وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر قد صرح بعد لقائه وزراء الدفاع في دول الخليج في الرياض أمس بأن التعاون الأميركي الخليجي متواصل لمواجهة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، معتبراً أن «حزب الله هو مثال لنشاط إيران الخبيث في المنطقة».