باختصار شديد، خيم الاشتباك واللاثقة على اقتراحات المخرج لعقد جلسة تشريعية عرضت على طاولة هيئة الحوار الوطني بنسختها السابعة عشرة في عين التينة.
لعب «التيار الوطني الحر» على الطاولة «صولد الميثاقية» وقال رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل بصفته ممثلاً للنائب ميشال عون الذي دأب على عدم المشاركة شخصياً في الحوار منذ اشهر: «لم نتفق على شيء، والمشكلة مشكلة عدالة ومساواة وليست مشكلة مؤسسة».
ادرك الرئيس نبيه برّي ان الجواب الذي طلب ان يصله بعد أيام حول مبادرته التي توفق بين جلسة التشريع التي يتمسك بانعقادها مهما كلف الأمر، والأخذ بعين الاعتبار تمسك الأحزاب المسيحية لا سيما المشاركة منها في طاولة الحوار، أي «التيار الوطني الحر» وحزب الكتائب بإقرار قانون جديد للانتخابات قبل نهاية العقد العادي للمجلس في 31 أيّار المقبل، ادرك ان جواب باسيل وصله، واصفاً مبادرة الرئيس برّي بأنها «مناورة»، مما رفع الحرارة لدى رئيس المجلس، ورد على الملاحظات والانتقادات بكلمات ثلاث تنطوي على ما يشبه الانذار: «لا تحرجوني فتخرجوني».
ومع هذه النتيجة، لم يتردد أحد الوزراء الذي آثر ترك الجلسة والذهاب إلى واجب اجتماعي في وصف الجلسة بأنها ليست «حرزانة».
بدا الموقف صعباً، وأن ممثلي الكتل والأحزاب وضعوا طاولة الحوار وانفسهم امام المأزق، في وقت وضعت فيه إدارة الرئيس باراك أوباما المراسيم التطبيقية لقانون مكافحة تمويل «حزب الله» على الطاولة، وأصبحت المصارف اللبنانية ملزمة بتطبيق هذه المراسيم. وقررت الإدارة إيفاد مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب في «مكتب شؤون الإرهاب والاستخبارات المالية» دانيال غلازر إلى بيروت في الأسبوع الأوّل من أيّار، بعدما أصبح قانون «منع التمويل الدولي لحزب الله» والذي حمل الرقم 2297، ساري المفعول اعتباراً من يوم الجمعة الماضي، وأصبحت الخزانة الأميركية معنية بمراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) الذي تضمن لوائح بـ95 اسماً لمسؤولين سياسيين ورجال أعمال وشركات ومؤسسات تعتبرها واشنطن مرتبطة «بحزب الله»، وفي مقدمها الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله والمسؤول العسكري مصطفى بدر الدين (أحد الأربعة الذين تتهمهم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، ورجال أعمال على صلة بالحزب، إضافة إلى مؤسسات الحزب الاعلامية: تلفزيون «المنار»، واذاعة «النور».
وبالتزامن، كان وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر يصف «حزب الله» بأنه «احد الأنشطة الخبيثة التي تقوم بها طهران في المنطقة»، مؤكداً استمرار بلاده بفرض العقوبات على إيران من جرّاء دعمها الإرهاب، إضافة إلى تجارب الصواريخ البالستية التي تعد خرقاً لبنود الاتفاق الموقع بشأن برنامج إيران النووي.
وقبل وصول المسؤول الأميركي المكلف بمراقبة تطبيق العقوبات في المصارف اللبنانية، أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان المصارف اللبنانية تتحمل مسؤولية تطبيق قانون مكافحة تمويل حزب الله، ولديها الخيار، فإذا لم ترغب بتطبيقه فلا يكون لها عمل مع الخارج»، أي مع المؤسسات المالية الدولية.
المهم، بالنسبة لحاكم المركزي ان على المصارف اللبنانية ان تطبق المراسيم الأميركية لجهة علاقتها مع زبائنها فتقفل ما تشاء من الحسابات، أو تمتنع عن فتح حسابات لأشخاص مشمولين بالعقوبات الأميركية، وعليها (أي على المصارف) ان تبلغ هيئة التحقيق في مصرف لبنان المسار الذي ستتعامل بموجبه مع المراسيم التطبيقية الأميركية لا سيما لجهة حجم الأموال في العمليات المصرفية.
وأكد سلامة ان «مسؤولية المصارف ان تعرف كيف تعمل على الموضوع، وسيكون لها إمكانية ان تبلغ قراراتها لهيئة التحقيق، وإذا كان هناك أي أمر نجده مبالغ به يمكننا ان نتدخل».
ولا تتردد المصادر النيابية المقربة من عين التينة من ربط إصرار الرئيس برّي على عقد جلسة تشريعية وتمرير ما بين 8 و9 مشاريع واقتراحات قوانين معظمها قروض ومعاهدات، بالاجراءات الأميركية والدولية المشار إليها، وذلك لعدم إلحاق اذى بالقطاع المصرفي وبتحويلات اللبنانيين العاملين بالخارج، التي تشكّل دعماً قوياً للاقتصاد اللبناني الذي بلغ أمس النمو فيه في العام الحالي حدود الصفر، وفي ظل غياب الموازنة للعام الثاني عشر، فضلاً عن قطع الحساب واستمرار الأزمة السياسية.
ويؤكد قطب شارك في جلسة الحوار أمس ان الرئيس برّي يتجنب الوقوع في «شرك» يعمق الأزمة السياسية، ويحرص على عقد الجلسة التشريعية بمشاركة الكتل المسيحية الوازنة، خارج نغمة الميثاقية والحقوق المسيحية أو التشريع في ظل غياب رئيس الجمهورية، لكنه يُصرّ على عقد الجلسة، وانه لهذا الهدف طرح مبادرة تنص على ان تنعقد هيئة مكتب المجالس لوضع جدول أعمال الجلسة العتيدة وفق تشريع الضرورة، يكون من ضمنه قانون الانتخاب، فإذا وافقت تعقد الجلسة وسيتعين على الهيئة العامة للمجلس عندها ان تعيد ترتيب اولوياتها، فتعيد النظر بما اقرته سابقاً لجهة ان قانون الانتخاب يجب الا يُقرّ في غياب رئيس الجمهورية، فإذا تراجعت عن هذه التوصية نبحث جميع القوانين وتقر واحداً قبل انتهاء الدورة العادية نهاية أيّار.
وأشارت مصادر سياسية إلى ان تأييد كتل «المستقبل» و«اللقاء الديمقراطي» وكتلة «المردة» و«الطاشناق» والنواب المسيحيين المستقلين، يوفّر العدد اللازم لنصاب الـ65 وبالتالي إقرار مشاريع القوانين، لكن رئيس المجلس أبقى الباب مفتوحاً امام كتل «القوات» و«التيار العوني» والكتائب لاتخاذ القرار اللازم بالمشاركة، في ظل الحاجة القصوى لجلسة تشريعية شبيهة بالجلسة التي عقدها المجلس قبل نهاية العام الماضي.
ولئن كان الرئيس برّي أعطى الكتل المعترضة على عقد الجلسة التشريعية مهلة لا تتجاوز نهاية الأسبوع الحالي للرد على مبادرته، فإن مخاوف تصاعدت من ردّ مسيحي عوني - قواتي سلبي على المبادرة التي وصفها وزير الاتصالات بطرس حرب بالمعقولة.
ومع نجاح التدخلات لوقف الحملات بين النائب وليد جنبلاط والوزير نهاد المشنوق، وارتفاع أوار الخلافات المتصاعدة حول التحالفات والتفاهمات والترشيحات للانتخابات البلدية، فإن الأنظار تركزت على النتائج غير المريحة التي آلت إليها جلسة الحوار أمس، وشرّعت الأبواب أمام تجاذبات جديدة - قديمة تخطت قانون الانتخاب والتشريع إلى التجاذب حول الرئاسة الأولى التي دخلت في المجهول، مع إشارة وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب إلى أن «حزب الله» لن يمارس أي ضغط على النائب عون للإنسحاب من الانتخابات الرئاسية، وأن التيار العوني ينتظر تبني تيار «المستقبل» ترشيح عون، الأمر الذي يعني أن مأزق الانتخابات مقبل على تفاقم في ظل وضع إقليمي متفجّر، لا سيما على الجبهة السورية.
جلسة الحوار
فماذا دار على طاولة الحوار، وما هو تقييم النتائج التي انتهت إليها؟
في تقدير قطب مشارك في الحوار أن القيادات المشاركة ما تزال في حالة من الظلام، لافتاً إلى أن الرئيس برّي كان يريد من الحوار أمس أمرين إثنين:
الأول: فتح مجلس النواب لتشريع الضرورة.
والثاني أنه غير مستعجل لإقرار قانون الانتخاب.
وكشفت القطب لـ«اللواء» أن الرئيس برّي أورد لائحة تضمنت41 مشروع واقتراح قانون قال أن من بينها ثمانية مشاريع يعتبرها ضرورة لأنها تتعلق بقروض ومعاهدات، وطلب بموجب هذه اللائحة أن يمشي الأقطاب بالتشريع.
وبحسب المعلومات فإن الرئيس فؤاد السنيورة والنواب وليد جنبلاط وسليمان فرنجية وطلال أرسلان وافقوا على طرح الرئيس برّي بالنسبة للتشريع، فيما عارضه رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، معتبراً أن التشريع مخالف للدستور في ظل غياب رئيس الجمهورية، وقرأ في هذا السياق نص المادتين 75 و76 من الدستور، لافتاً نظر الرئيس برّي إلى أن اعتماد نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس أمر مستحب ولكنه لم يعد واقعياً.
وأعلن الوزير باسيل أنه باسم «التيار الوطني الحر» وباسم «القوات اللبنانية» لا يمشي بتشريع الضرورة قبل أن يكون قانون الانتخاب على جدول أعمال الجلسة.
وردّ النائب فرنجية قائلاً: نحن لم نأت إلى هنا لنبحث في الدستور، ولا في القوانين، نحن بصفتنا قيادات يجب أن نسعى لحل المشاكل المستعصية، لا أن نشرّع أو نبحث في القوانين.
أضاف: أنا بصفتي ممثلاً لأكبر بلدة مسيحية في الشمال لا أرى أن التشريع يمكن أن يمسّ بالميثاقية ولا بالمسيحيين ولا باللبنانيين، لكن ما يمسّ اللبنانيين هو عدم انتخاب رئيس للجمهورية.
وتابع: في انتخاب الرئيس لا نستطيع أن نكسر إرادة أحد، وأنا متأكد أنه لو تمّ انتخابي رئيساً غصباً عن فريق معيّن، فستقوم حرب في اليوم الثاني.
أما الرئيس نجيب ميقاتي فكانت له مداخلة لاحظ فيها تناقضاً بين طرح قانون الانتخاب والتشريع، لافتاً الى أن تمرير 8 أو 9 مشاريع قوانين لتسيير عجلة الدولة هو أمر طبيعي وضروري لكن طرح قانون الانتخاب يجب أن لا يكون قبل انتخاب رئيس الجمهورية، فدعونا نذهب إلى تشريع الضرورة ونسعى في الوقت نفسه لانتخاب الرئيس.
وقال ميقاتي: لو افترضنا أننا أقرّينا قانوناً للإنتخاب وتمّ حلّ المجلس الحالي، وأجرينا إنتخابات نيابية، ثم لم ننجح في انتخاب رئيس ماذا ستكون الحالة عندئذٍ، لا رئيس جمهورية ولا حكومة في ظل حكومة مستقيلة، لماذا نُدخل أنفسنا في المحظور؟
وأضاف: ما يُطرح غير واقعي على الإطلاق.
وتابع متسائلاً: ثم من يضمن أننا نستطيع أن نجري انتخابات نيابية، في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية، ومن يضمن أن يخوض المسيحيون معركة من أشرس المعارك وهم يتنافسون على من يمثلهم في المجلس القادم وتغليب فريق على آخر، دعونا إذن نمشي في تشريع الضرورة، وأن يكون إقرار قانون الانتخاب بعد انتخاب الرئيس.
وفي تقدير المصدر أن الرئيس برّي عازم على الدعوة الى عقد جلسة تشريعية، بعد أن يستشير هيئة مكتب المجلس في وضع جدول أعمالها، يكون من ضمنه مشروع قانون الانتخاب، على أن تصوّت الهيئة العامة على إلغاء التوصية الصادرة عن المجلس بأنه لا يجوز وضع قانون الانتخاب قبل انتخاب رئيس الجمهورية أو استمرار السير بها وهو المرجح، لكن الرئيس برّي يكون قد نجح في هذه الحالة بفتح المجلس لتشريع الضرورة فقط.