هدأ أمس السجال بين بعض القوى السياسية، ليسود تشنّج نسبي على طاولة الحوار بين رؤساء الكتل النيابية أحدَثه تبايُن في المواقف حول أولويتَي إقرار قانون الانتخاب النيابي وانتخاب رئيس الجمهورية، إذ حلَّ تفعيل العمل التشريعي وقانون الانتخابات النيابية طبقاً دسماً على المداولات، حيث طرَح راعي الحوار ومديرُه رئيس مجلس النواب نبيه بري صيغةً لعقدِ جلسة تشريعية تحدّد هيئة مكتب المجلس جدولَ أعمالها وتطرَح خلالها إعادة النظر في قرار مجلس النواب القاضي بعدم إقرار قانون انتخابي قبل انتخاب رئيس الجمهورية، فإذا حصَلت الموافقة، تُعقد جلسة تشريعية قبل نهاية الدورة العادية الحاليّة للمجلس آخِر أيّار المقبل لإقرار هذا القانون. وأمهلَ برّي الكتلَ النيابية أياماً للردّ على مبادرته هذه قبل أن يقرّر خطواته المقبلة، وحدَّد 18 أيار المقبل موعداً لجولة الحوار الرقم 18. وفي غضون ذلك كان الحدث الاقليمي ـ الدولي امس لقاء القمة الذي دام ساعتين في الرياض بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وخادم الحرمين الشريفين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز حيث ركزا خلاله على تعزيزالعلاقات بين البلدين، وتطرّقا إلى النزاعات الدائرة في إنحاء الشرق الأوسط، ومخاوف الولايات المتحدة في شأن حقوق الإنسان في المملكة. وجدّد الزعيمان تأكيد «الصداقة التاريخية والشراكة الإستراتيجية العميقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية»، و»ناقشا قضايا بينها اليمن وسوريا والعراق ولبنان»، وفق ما قال بيان اصدره البيت الأبيض كذلك بحثا في »الحاجة إلى تعزيز وقف القتال في سوريا والإلتزام بدعم عملية إنتقال سياسي، بعيداً من الرئيس السوري بشار الأسد. وذكر البيت الأبيض أنّ أوباما ووليّ عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إتفقا خلال لقاء خاص سبق قمة زعماء دول الخليج التي ستنعقد اليوم، على الحاجة الى تسوية سياسية في النزاع اليمني والحاجة الى الدعم الدولي لحكومة الوفاق الجديدة في ليبيا ولتجنّب «الأعمال التي تؤدي إلى أضرار محتملة». في غمرة الاهتمامات المحلية والتطورات الجارية محلياً وإقليمياً ودولياً، علمت «الجمهورية» أنّ رئيس الحكومة تمام سلام سيسافر اليوم الى نيويورك للمشاركة في الاحتفال الذي سيقام في الأمم المتحدة لمناسبة توقيع وثيقة «قمّة المناخ» التي كانت «قمّة الأرض» توصّلت إليها في 12 كانون الأوّل الماضي لدى انعقادها في باريس.

وفي وقت يسافر سلام لثلاثة أيام بمفرده، قالت مصادره أن لا لقاءات محدّدة يمكن أن يعقدها على هامش القمّة التي سيشارك فيها عدد من قادة العالم ورؤساء الحكومات من مختلف القارّات، والذين سيوقّعون الوثيقة التي تلزم الدوَل الغنية بالعمل للتخفيف من حرارة الأرض «أدنى بكثير من درجتين مئويتين»، ومراجعة التعهّدات الإلزامية لهذه الدول «كلّ خمس سنوات»، وزيادة المساعدة المالية لدول الجنوب، إضافةً إلى دعم البيئة والتنمية المستدامة.

الحريري وبن سلمان

إلى ذلك، علمت «الجمهورية» أنّ الرئيس سعد الحريري الذي غادر بيروت قبل أيام من دون إعلان، زارَ الرياض والتقى فيها بعض أركان القيادة السعودية للتشاور في مجمل التطورات المحلية والإقليمية والدولية وحصيلة المشاورات الجارية في عواصم عدة بعد زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز القاهرة والتي انتقل منها إلى اسطنبول حيث شاركَ في قمّة منظمة التعاون الإسلامي.

وقالت مصادر مطّلعة إنّ الحريري عَقد لقاءً طويلاً مع وليّ وليّ العهد ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأفادت المعلومات القليلة التي وردت إلى بيروت أنّ هذا اللقاء «كان إيجابياً وتخلّله توضيح لكثير من القضايا التي أثيرَت أخيراً على أكثر من مستوى، ما يضع حدّاً لِما أثيرَ حول علاقة الحريري مع القيادة السعودية».

نصيحة روسية

في سياق آخر، كشفَت مصادر روسية معنية بالملف اللبناني لـ«الجمهورية» أنّ الحريري تبلّغَ خلال زيارته الأخيرة لموسكو والتقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين «أنّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني لم تنضج ظروفه بعد».

وتلقّى الحريري نصيحة من القيادة الروسية التي تنظر إليه كصديق قديم، بعدمِ استنزاف طاقاته السياسية، في محاولة لتأمين نصاب لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في القريب العاجل والاهتمام بقضايا أُخرى إلى حين نضوج اللحظة الرئاسية المرتبطة بالحلّ السياسي في سوريا والمنطقة».

الجولة 17

إلى ذلك، انعقدت جلسة الحوار الرقم 17 بين رؤساء الكتل النيابية أمس في عين التينة، وغاب عنها رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون.

ودعا المعاون السياسي لبرّي الوزير علي حسن خليل القوى والأطراف إلى التفكير بالصيغة التي طرحَها رئيس المجلس لعقدِ جلسة تشريعية، مؤكّداً أنّ جلسة الحوار «كانت جيّدة»، وأنّ بري «أكّد حرصَه على الميثاقية التي كرّسها خلال كلّ ممارسته، وكان وما زال حريصاً عليها».

قبل أم بعد؟

وشدّد سلام على أنّ «إقرار قانون الانتخاب يجب أن يكون بعد انتخاب رئيس الجمهورية لأنّ لهذا الرئيس حقوقاً بمبدأ المراجعة وردّ القانون».
وبدوره، أكّد الرئيس نجيب ميقاتي «ضرورة الاتفاق على قانون جديد للانتخاب من دون إقراره بغياب رئيس الجمهورية، لأنّ الرئيس هو المخوّل دستورياً إعطاءَ الموقف النهائي في القوانين، سواء لجهة إقراها أو ردّها إلى المجلس النيابي مع الملاحظات التي يراها ضرورية، بما يتوافق مع القسَم الدستوري الذي يؤدّيه الرئيس».

واعتبَر وزير الاتّصالات بطرس حرب أنّ «انتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يتمّ قبل إقرار قانون الانتخابات»، واصفاً الصيغة التي طرَحها برّي بأنّها «صيغة عقلانية»، وأكّد أنّه «لا يجوز أن نمنع رئيس الجمهورية من حقّين أساسيَين: حقّ ردّ القانون، وحقّ طلب إعادة النظر فيه مرّةً ثانية في مجلس النواب، وتالياً حقّ مراجعة المجلس الدستوري في قانون بأهمّية قانون الانتخابات».

وعن موقف «التيار الوطني الحر» وطرحِ برّي، وما إذا كان تمّ التوافق، قال وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل: «لم نتّفق على شيء، ورأينا أنّ المشكلة هي مشكلة مساواة وعدالة بين اللبنانيين، وهي أبعد بكثير من مؤسسة ومن موقف، فموقف العدالة بين اللبنانيين انتفى».

وبدوره نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، قال: «إذا أردنا البحث في موضوع التشريع، فيجب أن نبحث فيه مع قانون الانتخاب، لا أن نبحث في كلّ موضوع على حِدة».

وإذ ذكّرَ بأنّ اللجنة النيابية المكلّفة إعداد قانون الانتخاب بَحثت في الاقتراح المشترَك لتيار «المستقبل» و»القوات واللبنانية» والحزب التقدّمي الاشتراكي، والاقتراح الذي قدّمه النائب علي بزّي، وتوصّلت إلى نقاط مشتركة بنسبة 90 في المئة، وبقيَت نسبة عشرة في المئة لم يتمّ الاتفاق عليها، قال إنّ «الأحزاب المسيحية وكثيراً من المسيحيين يعتبرون أنّ أوّل جلسة يجب أن تتضمّن قانون الانتخاب، وسعياً إلى حلّ هذه المشكلة، وتالياً العودة إلى التشريع فيما بعد، فلنطرح المشروعين اللذين بحثَتهما اللجنة ونأخذ برأي المجلس في النقاط المتوافق عليها، ويبقى القسم المختلف عليه».

وأضاف: «ما أقوله أنّ هذه النقاط المختلف عليها يتمّ إنهاؤها بالإقناع أو بالتصويت خلال جلسة للهيئة العامة». وخَتم: «توخّياً لحلّ عقدة رفضِ التشريع قبل قانون الانتخاب، فلنعطِ قانون الانتخاب الأولوية ولنخصّص الأسبوعين المقبلين له أوّلاً، لكي نزيلَ الحظر».

فيّاض

وأشار عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي فيّاض إلى أنّ برّي سينتظر حتى نهاية الأسبوع ليحصل على ردود الأطراف في شأن العمل التشريعي وإمكان إقرار قانون الانتخابات، وقال: «إنّ هناك مؤشّراً إلى إمكانية الاتّفاق».

بقرادونيان

ومن جهته، قال النائب آغوب بقرادونيان: «قد ننتظر حتى نهاية الأسبوع الحالي ليتمكّن الرئيس برّي من جمعِ بعض الآراء، وإذا كان من قرارات متطابقة فيمكننا التوجّه نحو جلسة تشريعية لتشريع الضرورة، ومن ثمّ إقرار قانون الانتخابات».

مجدلاني

وقال عضو كتلة «المستقبل» النائب عاطف مجدلاني لـ«الجمهورية» إنّه «كانت هناك مرونة من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، لكنّ «التيار الوطني الحر» قابَلها بتشنّج». وكرّر تأكيدَ «التزام تيار «المستقبل» عدمَ مشاركته في جلسة تشريعية إلّا إذا كان إقرار قانون الانتخابات النيابية على رأس جدول أعمالها».

الانتخابات البلدية قائمة

وفي هذه الأجواء، أكّدت مصادر وزارة الداخلية والبلديات لـ«الجمهورية» أنّ استعدادات الوزارة لإجراء الانتخابات البلدية والاختيارية قائمة على قدم وساق. وقالت: «بعد وضعِ الخط الساخن أمس في خدمة المواطنين، فإنّ الوزارة ستطلِق قبل نهاية الأسبوع النسخة الجديدة للموقع الإلكتروني المخصّص لهذه الانتخابات».

وردّاً على بعض التسريبات السياسية في وسائل الإعلام عن وجود أكثر من سيناريو لتأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، لأسباب أمنية حيناً أو لأسباب سياسية مقنعة حيناً آخر، جدّدت المصادر موقفَ الوزارة القائل «إنّه إذا كان هناك من قوى سياسية راغبة في التأجيل، فلتتوجّه إلى مجلس النواب وليس إلى وزارة الداخلية والبلديات، ذلك أنّ الأخيرة منهمكة في الإعداد الجدّي لإجراء هذه الانتخابات في مواعيدها، وهي غيرُ معنية بأيّ حديث عن تأجيلها».

ملف الإنترنت

وفي ملف الإنترنت غير الشرعي، كلّفَ المدّعي العام التمييزي القاضي سمير حمود أمس رئيس قسم المباحث الجنائية المركزية العميد موريس أبو زيدان التوسّع في التحقيق، في ضوء محضر التحقيق الذي نظّمته مخابرات الجيش، وإفادته بالنتائج.

الجدير ذكرُه أنّ التحقيق سيتوسّع في النتائج التي أفضى إليها تحقيق مخابرات الجيش الذي سلّمه وزير الدفاع سمير مقبل أمس الأوّل إلى الأجهزة القضائية والحكومية المعنية بالملف خلال الاجتماع الوزاري ـ القضائي ـ الأمني في السراي الحكومي وفي لجنة الاتصالات والإعلام النيابية في ساحة النجمة.

وقالت مصادر مطّلعة لـ«الجمهورية» إنّ التحقيقات تتركّز حول طريقة إدخال المعدّات التي كانت تَعمل في المحطات الفضائية الخاصة بالإنترنت عبر المعابر الشرعية والتي تمّت مصادرتها، وثبتَ أنّها دخَلت بأذونات مزوّرة لا تشير إلى نوعيتها وسعتِها وطريقة استخدامها بالوجهة الحقيقية والصحيحة التي كانت تُستخدم فيها، ما يَستدعي التوجّه في التحقيق الجديد إلى المديرية العامة للجمارك والدوائر المالية.