لعلها من غرائب السياسة في لبنان ان تحفل المنابر الاعلامية بمعارك كلامية وسجالات وتراشق بالاتهامات بالفساد بين أفرقاء سياسيين، ثم يجتمع ممثلوهم في اليوم التالي لينسقوا تحالفهم في المعارك الانتخابية البلدية والاختيارية المقبلة كما يشاركون معا في اعتصامات احتجاجاً على التسيب في قطاع الانترنت غير الشرعي. هذا الجانب "النادر " العجيب من المشهد الداخلي تمثل امس في اعتصام المنظمات الشبابية لقوى 14 آذار والحزب التقدمي الاشتراكي على خلفية ملف الانترنت غير الشرعي، وانسحب أيضاً على اجتماع لقيادتي "تيار المستقبل" والحزب التقدمي الاشتراكي في بيروت اللتين اكدتا "وحدة الحال والتحالف القائم في ما بينهما وقد تم الاتفاق على ابقاء الاجتماعات مفتوحة في ما بينهما خلال هذه المرحلة".
لكن ذلك لم ينسحب على الملفات السياسية المأزومة الاخرى والابعد أثراً مثل جولة الحوار الجديدة التي خرجت بنصف مخرج شكلي يصعب الجزم في ما اذا كان سيؤدي الى توفير حل لانعقاد جلسات التشريع التي وضعت على نار دفع قوي يتولاه رئيس مجلس النواب نبيه بري وسط تعقيدات لم تتأخر في التعبير عن نفسها من خلال مواقف معظم القوى المسيحية خصوصاً.
وقبل الخوض في وقائع هذه الجولة يجدر التوقف عند الحديث الذي أدلى به رئيس "تيار المردة " المرشح الرئاسي النائب سليمان فرنجية لدى زيارته أمس مكاتب "النهار" للمرة الاولى ولقائه رئيسة مجلس الادارة النائبة نايلة تويني وعدداً من أفراد أسرة "النهار" وتناول فيه معظم الملفات المطروحة. واختصر النائب فرنجية ما آلت اليه أزمة الفراغ الرئاسي بعبارة "أنا أو غيري... المهم يمشي البلد ". وانطلاقاً من مجريات جولة الحوار التي انعقدت أمس وحضر فرنجية الى "النهار" عقب مشاركته فيها، تساءل "هل في تعطيل مجلس النواب نسرع انتخاب رئيس الجمهورية؟ وماذا يربح المسيحي اذا عطّل التشريع؟".
ولا يعتبر فرنجية نفسه في منافسة مع العماد ميشال عون، ذلك أن "ظروفه غير ظروفي"، لكنه يشدد على انه "في مكان ما ثمة أمر يجب ان يحرك الامور". ولا يخفي رؤيته "ان الجميع ضائعون للمرة الاولى ولا فريق يعرف ماذا يريد". ويؤكد ان "للمسيحيين دوراً أساسياً في تحسين وضعهم اذا ما احسنوا اغتنام الفرصة ولعب هذا الدور في شكل صحيح... واذا لم يصل شخص محدد الى رئاسة الجمهورية فهذا لا يعني ان المسيحيين انتهى دورهم وان المسلمين لا يريدونهم ". ويضيف: "بصرف النظر عمن يكون الرئيس، المهم ان يشعر المجتمع المسيحي بوجود الدولة وان ثمة مستقبلاً له في هذا البلد مع شريكه". ويدعو فرنجية المسيحيين الى ان يكونوا جاهزين " لكل المراحل وما يهمني ان يصل رئيس مسيحي يمثل وينبثق من بيئته وآدمي وشريف". واذ يؤكد انه ليس ضد انتخاب العماد عون، يشير الى ان "الوقائع تقول بوجود مرشحين الآن هما فرنجية وعون والطرح الذي سيأتي برئيس هو الوفاق الوطني وبموافقة الجميع".
الحوار
أما جولة الحوار الـ18 التي انعقدت أمس في عين التينة وخصصت في معظمها لمناقشة موضوع التشريع وحملت معها احياء للتعقيدات التي يصطدم به مسعى الرئيس بري لعقد جلسات تشريع الضرورة، فقالت مصادر وزارية شاركت فيها لـ"النهار" إنها إستنتجت بعد المناقشات ان الرئيس بري يتجه الى عقد جلسة تشريعية في اقرب وقت.فقد تبيّن أن موقف الوزير جبران باسيل عبّر عن رفض "التيار الوطني الحر" وحزب "القوات اللبنانية" جلسة التشريع ما لم يلتزم إقرار قانون الانتخاب، فيما عبّر رئيس الكتائب النائب سامي الجميل عن موقف مماثل ضد الجلسة ولكن من منطلقات مختلفة. وفي المقابل برز تأييد من أكثرية الحضور للجلسة التشريعية عبّر عنه تباعاً النواب وليد جنبلاط وفرنجية وطلال أرسلان ونائب رئيس المجلس فريد مكاري والرئيس نجيب ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة الذي قال إنه يجب عدم وقف التشريع وربطه بإي شرط.ونفت المصادر أن تكون ذيول السجالات بين الفريق الجنبلاطي و"المستقبل" قد تركت تأثيراً على اجواء الحوار، بل على العكس ظهر جنبلاط منشرحاً وقال لأحد المشاركين إنه لن يمضي في السجالات وتساءل: "هل أنا قدّ هملر؟" في إشارة الى هاينريش هيملر أحد أقوى رجال أدولف هتلر وقائد "الغستابو".
وكانت للنائب الجميّل مداخلة أكد فيها تلهّفه ونواب حزبه الى التشريع، عارضاً موانع دستورية صارمة وردت في المادتين 74 و75 من الدستور اللتين تلاهما وعلّق عليهما قائلاً إن لا مادة أوضح منهما. وهما تنصان على أن المجلس النيابي لا يمكنه التشريع عندما يلتئم سواء بدعوة من رئيسه أو من دونها بعد أن يتحوّل هيئة ناخبة إلا لانتخاب الرئيس. وحذر بإسهاب من مغبة الخروج على الدستور والإجتهاد في تطبيقه. واقترح الجميّل حلاً لانتخاب رئيس الجمهورية باعتماد أكثرية الثلثين في الدورة الاولى وأكثرية النواب الحاضرين في الجولات التالية، ولقي طرحه قبولاً ضمنياً من رئيس الوزراء تمام سلام والرئيسين السنيورة وميقاتي والنائب بطرس حرب.
وكانت للرئيس ميقاتي مداخلة أيّد فيها عقد جلسة نيابية تشريعية بالحد الادنى من أجل اقرار المشاريع العاجلة واعطاء رسالة ايجابية عن استمرار عمل المؤسسات الدستورية. وفي ما يتعلق بقانون الانتخاب شدد على ضرورة الاتفاق على قانون جديد من دون اقراره في غياب رئيس الجمهورية، لأن الرئيس هو المخول دستوريا اعطاء الموقف النهائي في القوانين سواء لجهة اقرارها أو ردها الى المجلس مع الملاحظات التي يراها ضرورية. وأضاف: الاولوية الثانية بعد جلسة التشريع، وحتى في اسرع وقت، هي وجوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية ليكتمل عقد المؤسسات الدستورية وتنتظم دورة الحياة السياسية، وبعد انتخاب الرئيس يصار الى اقرار قانون الانتخاب الجديد واجراء الانتخابات على اساسه".
مبادرة بري
ثم طرح الرئيس بري اقتراحاً لاجتماع هيئة مكتب المجلس قريباً جداً لتحديد جدول أعمال الجلسة التشريعية التي يفترض ان يدعو اليها مطلع أيار المقبل وتبحث الهيئة العامة للمجلس في القرار الذي سبق لها ان اتخذته العام الماضي باولوية انتخاب رئيس الجمهورية قبل اقرار قانون الانتخاب وطلب من الجميع ردودهم على الاقتراح قبل نهاية الاسبوع الجاري.
البلديات ماشية
الى ذلك، أكدت امس مصادر قريبة من وزير الداخلية نهاد المشنوق لـ"النهار" ان كل الاستعدادات والاجراءات لاجراء الانتخابات البلدية والاختيارية جارية في شكل طبيعي وخصص أمس خط ساخن لمراجعات المواطنين كما سيبدأ خلال أيام بث موقع الكتروني خصصته الوزراة لهذه الانتخابات. واشارت الى ان الوزارة ليست معنية بكل ما يثار من سيناريوات حول تأجيل الانتخابات ولا مكان لهذه المزاعم لدى الوزراة والذي يريد التأجيل ليس أمامه الا طريق واحد هو مجلس النواب واتباع المسالك الدستورية والقانونية.