حتى تصل أجوبة الكتل النيابية على المبادرة التي طرحها الرئيس نبيه بري، في جلسة الحوار الوطني، أمس، لتأمين تفاهم حول عقد جلسة تشريعية توفق بين المنادين بأولوية قانون الانتخاب حصرا والمتمسكين بتشريع الضرورة الأوسع مدى، تستمر وقائع ملفات الفساد بالاستحواذ على اهتمام اللبنانيين الذين يساور معظمهم شعور بأن هذه الملفات ستطوى عاجلا أم آجلا بالتي هي أحسن، وبأقل الخسائر الممكنة، استنادا إلى حصيلة التجارب السابقة المريرة، خصوصا في زمن «جمهورية الطائف ـ الطوائف».
ولعل الأجهزة القضائية والأمنية تقف، أكثر من غيرها، على المحك في هذا الامتحان، باعتبار أن الوجهة التي يمكن أن تسلكها الفضائح المتدحرجة، سواء نحو اللّفلفة أو الحسم، إنما تتوقف على طريقة تعاطي تلك الأجهزة معها، ومدى اكتسابها المناعة أو العكس، إزاء «فيروس» المداخلات السياسية الذي اعتاد على التجوال في جسم الدولة الرخو والضعيف.
وفي انتظار تبيان نتائج الاختبار، تقفز الى الواجهة أسئلة، مبني بعضها على معلومات غير مطمئنة، حول المسار القضائي المحتمل لفضائح الفساد، خصوصا تلك التي تكشفت مؤخرا وتنطوي على طابع أمني، وبينها مغارة الانترنت غير الشرعي واختلاسات قوى الامن الداخلي وأبعاد ملف كاميرات بيروت.
«السفير» تقارب هذه الملفات من زاوية هواجس الرأي العام الذي لم يحصل حتى الآن على أجوبة شافية، بل ان أسئلته تتكاثر مع مرور الوقت.
مغارة الإنترنت
وبهذا المعنى، فإن مغارة الانترنت لا تزدحم فقط بالفضائح المتناسلة، بل بتساؤلات ملحة من نوع:
÷ الى أي حد تبدو السلطة على القدر المطلوب من الجدية والمصداقية في التعامل مع فضيحة الانترنت غير الشرعي، التي لو حصلت في أي دولة ديموقراطية ومؤسساتية حقا، لكان وزراء ومسؤولون قد استقالوا على الفور، أقله من باب تحمل المسؤولية المعنوية؟
÷ لماذا لم يبادر المعنيون بهذا الملف الى تعليق مهامهم، بالحد الأدنى، في انتظار انتهاء التحقيقات القضائية وثبوت براءتهم من أي ارتكاب أو إهمال؟
÷ هل يصح أنه بعد مرور أسابيع على انكشاف «دويلات الانترنت»، لا تزال القوى الأمنية عاجزة عن تقديم أجوبة واضحة للبنانيين حول كيفية دخول التجهيزات العائدة الى المحطات المخالفة عبر المرافئ الشرعية ببيانات مزورة، ومن هي الجهات التي تولت تغطية هذا التسلل، وكيف جرى تركيب المعدات الضخمة في الجبال والتلال من دون أن ترصدها القوى الأمنية التي لا يفوتها في المقابل أن تضبط مخالفة صغيرة تتعلق بغرفة أو شرفة مبنية من دون ترخيص؟
÷ ويروى في هذا الإطار، أن مواطنين باتوا يواجهون عناصر أمنية تلاحق بعض المخالفات الفردية بالقول: كيف تلتقطون هذه التفاصيل الصغيرة، بينما فاتكم أن تضبطوا تجهيزات ضخمة لاستجرار الانترنت غير الشرعي، جرى زرعها في مناطق مكشوفة؟
÷ ما الذي يضمن ألا تكون هناك معدات ومواد خطيرة أو ربما أسلحة ايضا قد هُربّت أو تهرب بالطريقة ذاتها الى الداخل اللبناني؟
÷ لماذا لا تزال صورة المتورطين الكبار في ملف الانترنت غامضة وضبابية برغم الاستماع حتى الآن الى عشرات المشتبه فيهم، وهل يجوز أن تكون هوية من يقف خلف محطات التهريب الاساسية (الزعرور، الضنية..) غير واضحة أو مكتملة بعد؟
÷ الى أي حد سيلتزم القضاء بالشفافية في التحقيق وبالتخفف من الحسابات السياسية والشخصية التي قد تكبل أو تضيّق مساحة الحرية في المساءلة والمحاسبة، علما أن أحد النواب قال لقاض يتابع ملف الانترنت: هل تريدنا أن نصدق أن أحداً لا يتصل بكم للتأثير عليكم، فما كان من القاضي إلا أن أجابه.. بابتسامة خبيثة.
÷ هل سيرفع السياسيون أيديهم عن القضاء ويمنحونه «الأمان»، ام ان أصابعهم ستظل تتغلغل بين أوراق ملف الانترنت لحماية اسم هنا أو للتمويه على حقيقة هناك؟
÷ لماذا بدا الجسم الوزاري متشظياً في اجتماعات لجنة الاتصالات والإعلام النيابية بدل أن تكون الحكومة حاضرة بمقاربة واحدة، حتى أن أحد النواب اعتبر ان الوزراء المعنيين يظهرون في النقاشات كأنهم يمثلون حكومات عدة، بعدما تبين أن لكل من وزراء الدفاع والمال والاتصالات والصحة روايته للأحداث والوقائع المتصلة بملف الانترنت، بينما يستمر غياب وزير الداخلية الذي يوحي بأن في فمه ماء، يمنعه من البوح بكل ما يعرف في هذا الملف.
÷ هل ثمة صفقة بدأ ترتيبها للملمة الفضيحة واختصارها برئيس هيئة «أوجيرو» عبد المنعم يوسف، الذي يجب أن يخضع بالتأكيد الى المساءلة والمحاسبة، لكن ليس وحده، لان يوسف إذا ثبتت إدانته في الاتهامات الموجهة اليه، لن يكون سوى رأس جبل الجليد؟
÷ هل صحيح أن الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط تفاهما حول ضرورة إزاحة يوسف عن موقعه، وأن الأمر سيطرح بأسرع وقت ممكن على مجلس الوزراء، لاستثمار زخم الحصار السياسي المطبق على رئيس «أوجيرو» في هذه اللحظة من أجل الدفع في اتجاه اتخاذ قرار بإقالته، بعد تحميله الجزء الأكبر من المسؤولية عن فضيحة الانترنت؟
÷ هل بدأ «تيار المستقبل» تسويق اسم بديل ليوسف، يرجح أن يكون أحد موظفي الإدارة الرسمية من أصحاب الخبرة، وهو نبيل يموت؟
÷ لماذا حاول البعض تجميد عمل اللجنة النيابية عند الحد الذي وصلت اليه، وما مدى صحة المعلومات المتسربة حول سيناريو وُضع لإنهاء مهمة اللجنة، بحجة انها ليست لجنة تحقيق برلمانية وان المطلوب ترك القضاء يعمل بهدوء وبالتالي تحريره من رقابة اللجنة النيابية، وضغط الإعلام الذي يواكب عملها.. لكن هذا السيناريو أحبط في ظل إصرار اللجنة على متابعة المهمة؟
÷ لماذا بدأ وزراء ونواب وكتل نيابية يعربون عن تذمرهم من دور الإعلام، محاولين وضعه في إطار التشويش على المسعى المبذول للوصول الى الحقيقة؟
الكاميرا.. الخفية!
وما قبل الانترنت وبعده، ما هي حقيقة صفقة كاميرات بيروت؟
÷ هل يجوز أن تُعتبر مسألة حيوية بهذه الحساسية والدقة من اختصاص بلدية العاصمة حصراً، بدل أن يشرف مجلس الوزراء على تفاصيلها انطلاقا من كونها تتصل بأمن بيروت في مواجهة الارهاب والتحديات الاخرى الداهمة؟
÷ ألا يُخشى من أن يؤدي تفرد المجلس البلدي، في إقرار مشروع الكاميرات وتنفيذه، الى الانزلاق نحو ما يشبه «الأمن الذاتي» المقونن؟
÷ هل كان المجلس البلدي للعاصمة مجرد واجهة لفرع المعلومات في قوى الامن الداخلي، والذي يراد لداتا الكاميرات أن تصب عنده، من دون ان يكون للجيش أو الأمن العام أي علاقة بهذا المشروع؟
÷ أين المصلحة في تكريس صراع الأجهزة وجزرها الأمنية، في حين ان المطلوب رفع مستوى التنسيق بينها الى أعلى الدرجات؟
÷ ما هي حقيقة الشق المالي في هذه الصفقة، وأي ملابسات كان ينطوي عليها عقد الـ20 مليون دولار المتعلق بـ«الفايبر اوبتيك» قبل أن يؤدي تدخل عبد المنعم يوسف الى تجميده؟
÷ كيف يمكن تفسير النقص في بعض المعطيات الجوهرية لدى وزير الاتصالات بطرس حرب الذي أكد خلال أحد اجتماعات اللجنة النيابية أن بلدية بيروت حاولت مد خط «الفايبر» لوصل الكاميرات به، لكن طلبها رُفض لان أي أمر من هذا النوع يحتاج الى قرار من مجلس الوزراء، فما كان من يوسف إلا ان انتقل الى جانبه وتكلم معه، ليعدّل الوزير بعد ذلك أقواله، موضحا ان رئيس «أوجيرو» أخبره للتو أن البلدية قبلت بالشروط المحددة ومدت «الفايبر أوبتيك» عبر الدولة، ما يدفع الى التساؤل: كيف لم يكن حرب يعرف بهذا المعطى، في حين ان الموافقة على طلب بلدية بيروت تحتاج الى توقيعه وأين دور وزارتي الداخلية والدفاع حيال أمر سيادي أمني خطير كهذا؟
اختلاسات قوى الأمن
وفي سياق متصل، تحوم مجموعة من الاسئلة - الهواجس حول ملف اختلاسات قوى الامن، من بينها:
÷ لماذا تأخر فتح ملف الاختلاس حتى اليوم برغم ان معطياته كانت متوافرة، وأي وظيفة للتوقيت؟
÷ هل المخفي أعظم في أدراج المدير العام لقوى الامن اللواء ابراهيم بصبوص، خصوصا أن هناك فسادا متسربا من مزاريب مالية أخرى كانت مفتوحة خلال السنوات الماضية؟
÷ ما هو المدى الذي ستصل اليه المحاسبة، صعودا نحو الرتب العالية، وهل ثمة حصانات قد تحمي بعضها؟
÷ برغم أهمية المحافظة على معنويات رجال الامن وهيبة المؤسسة.. ما هي إمكانية التعامل مع نتائج التحقيق بشفافية، والإعلان رسميا عن بعض جوانبها، لاستعادة ثقة الرأي العام في قوى الامن الداخلي، وتحويل الفاسدين الى عبرة لمن يعتبر، بغية ردع أي ارتكابات محتملة مستقبلا؟
هذه عينة من علامات الاستفهام والتعجب التي تحوم حول بعض الملفات، فهل من مجيب ام ان الانتظار سيطول؟