ومن تتبع آيات القرآن التي حث بها على قتال المشركين وجهادهم يجد الكثير منها يحمل السبب الموجب للقتال وإن السبب هو الردع عن البغي والعدوان والدفاع عن المستضعفين وضمان حرياتهم وأقواتهم لا لمجرد الشرك والإلحاد قال تعالى { وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا } { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } { وإن قاتلوكم فاقتلوهم } وغير ذلك كثير من الآيات إن القوانين العصرية كافة تحاسب المعتدي لكنها تترك حرية العقيدة للناس ولا تتعرض لأحد بسؤ بسبب عقيدته إن هو عزل شره عن غيره ولم يتعرض لعقيدة الآخرين وهكذا يجب أن يكون فقه الفقهاء وهكذا يجب أن يكون فقه الإسلام وبخاصة أن الدين اعتقاد وتصديق ولا مكان له إلا القلب ولا سلطان على أعماقه إلا لخالقه وإذا إكراه الناس على الإيمان أمراً مستحيلاً فإن التكليف به تكليف بالمستحيل وبناء على هذه البديهة إذن لا يأمر الله بالقتال من أجل إدخال الناس بالدين بقوة السلاح رغم أنوفهم !؟ بل إن القتال لإرغام الناس على الإيمان هو بغي وعدوان وجريمة أعظم من جريمة الكفر .
وتحت أيدينا كلام دقيق وخطير وعظيم خلاصته أن المؤمن المسلم إذا بغى وظلم فهو يُعَامل في الدنيا معاملة المسلم وفي الآخرة عليه ما على المشركين والملحدين وفي كتاب أصول الكافي عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال { ما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عند الله كافر } راجع في ظلال نهج البلاغة ج2ص542 طباعة دار العلم للملايين آن الأوان لكي نجعل فقه الفقهاء فقه الشريعة فقهاً إنسانياً بمعنى أن نتعامل مع الإنسان بوصفه إنساناً لا بوصفه يهودياً أو مسيحياً أو بوذياً أو سنياً أو شيعياً وهذا الإعتقاد يفرض علينا الإيمان بدولة الحداثة بالدولة العصرية دولة المواطنة حيث كل مواطن يعيش في ظل هذه الدولة له ما لسائر المواطنين وعليه ما على سائر المواطنين من دون تمييز في الحقوق والواجبات بين مواطن وآخر على أساس ديني أو مذهبي أو عرقي ونستطيع أن نقول بأن هذه الدولة ( الإنسانية ) التي اخترع فلسفتها فلاسفة ومفكرون هي أعظم إنجاز إنساني على وجه الأرض منذ آدم وحتى يومنا هذا وهذه الدولة هي الأقوى من كل الدول الدينية والمذهبية على كل صعيد وهي أعظم حامي لحقوق الإنسان وكرامته تلك الكرامة التي قدسها الله في نصوصه حيث قال سبحانه { ولقد كرمنا بني آدم ) نعم الإنسان في هذه الدنيا مكرم الهيا لكرامته قداسة أعظم من قداسة الكعبة مهما كان دينه ومذهبه ومبدأ كرامة الإنسان فوق كل المبادئ وفوق كل الفلسفات وفوق كل الفقه الديني الذي يريد أن ينتقصها بحجج دينية ما أنزل الله بها من سلطان صريح وواضح .