فيما تستمرّ حالة الاستنفار عند مختلف القوى المعنية بملف الانترنت غير الشرعي، بدا لافتاً في الجلسة التي عقدتها لجنة الإعلام والاتصالات النيابية أمس، التركيز على «تورّط» مدير عام «أوجيرو» عبد المنعم يوسف. أمس كان يوسف «تحت المجهر»، وبدأت أصابع الاتهام تطاله «كمشتبه فيه». لم يجِد من يغطّيه سياسياً، ولا حتى نواب تيار المستقبل. فهل قرر «المستقبل» رفع الغطاء عنه؟ ما حصل في الجلسة يؤشر على ذلك.
وجد يوسف نفسه في مجلس النواب وحيداً، ومعظم التصرفات والتصريحات التي خرجت على لسان النواب والوزراء تثبت أن ما يتعرض له «مخطط» متعمّد لجعله «كبش فداء». وكانت لافتة مسارعة وزير الصحة وائل أبو فاعور، الذي سجل حضوره اجتماعات اللجنة لأول مرة، إلى المطالبة بإخراج يوسف من الجلسة، على اعتبار أنه «مشتبه فيه»، علماً بأن نائب تكتل التغيير والإصلاح زياد أسود كان قد سبقه إلى ذلك منذ أيام حين أكد خلال مقابلة تلفزيونية «أننا لن نرضى بالجلوس إلى طاولة فيها شخص مدان، ويوسف يجب أن يكون في السجن أو يحاكم». لكن رئيس اللجنة النائب حسن فضل الله، بحسب المصادر، رفض طرد يوسف من الجلسة، معتبراً أنه «لا يجوز اتهامه قبل أن يثبت القضاء تورطه، وأن من حق أي وزير اختيار موظف من وزارته لحضور الجلسة». وفيما تراجع الوزير بطرس حرب عن الدفاع عن يوسف، بحث رئيس اللجنة عن مخرج لائق يمنع إحراج مدير عام أوجيرو، فقرر إخراج كل الموظفين، ليقتصر حضور الجلسة على النواب والوزراء. بدا الأمر كما لو أن يوسف سقط، وكثر «سلّاخوه»، فارتأى فضل الله عدم «إهانته». واللافت في كل ما جرى أن نواب كتلة المستقبل التزموا الصمت، ولم ينبرِ أيّ منهم للدفاع عن يوسف الذي لطالما رسموا حوله خطاً أحمر يمنع التعرض له.
وتشير المعلومات المتداولة بين نواب وسياسيين إلى «خلاف كبير بين يوسف ومدير مكتب الرئيس سعد الحريري، نادر الحريري، له علاقة بشبكة الألياف الضوئية التابعة لكاميرات المراقبة التي يجري تركيبها في بيروت»، إضافة إلى صفقات تخصّ مقرّبين من الحريري يعرقلها يوسف. ويُقال أيضاً إن «الرئيس سعد الحريري بات يرى في عبد المنعم يوسف عبئاً كبيراً عليه، نتيجة المشاكل التي افتعلها مع الوزراء المتعاقبين على الاتصالات، ومع النائب وليد جنبلاط والقوات اللبنانية والمؤسسة العسكرية، وأنه لا ضير في التضحية به». ولا يجد يوسف سنداً له سوى رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة. وقد دعت الكتلة في بيان لها أمس «الى ترك أمر الكشف عن الوقائع الحقيقية (في قضية الانترنت غير الشرعي) إلى الأجهزة القضائية المختصة، بعيداً عن التدخل السياسي والمادي والإعلامي من أجل التعمية على حقيقة الارتكابات والمرتكبين عن طريق محاولة النيل من الشرفاء من المسؤولين والموظفين وإلصاق التهم الملفقة بهم، كمثل التطاول على الدكتور عبد المنعم يوسف الذي حصل على أكثر من 120 براءة قضائية».
أنكر يوسف أيّ صلة له
بحيسو فأبرز بعض النواب صوراً فوتوغرافية تجمعهما في
أكثر من جلسة
جلسة لجنة الإعلام والاتصالات النيابية كانت مخصّصة في جزء منها أمس لاستكمال البحث في موضوع شبكة الألياف الضوئية، التي لم تشغّلها هيئة «أوجيرو» بعد، رغم أنها تمكّن المواطنين من الحصول على «إنترنت» بجودة عالية. وبحسب مصادر اللجنة، «تبيّن أن الملف المُقدّم من وزارة الاتصالات تنقصه الكثير من المستندات، وآخر تقرير فيه يعود تاريخه إلى آب عام 2014»، ما يعني أن «لا تحقيقات حصلت بعد هذا التاريخ». وبحسب الكتاب المقدم من وزارة الاتصالات فإن «الشركة المتعهّدة بتنفيذ مشروع الفايبر أوبتيك، الذي من شأنه أن يحسّن قدرات شبكة الإنترنت الشرعي، نفّذت 85 في المئة من مهمتها، إلا أن الدولة لم تستفد منه». وقالت المصادر إن يوسف «حاول تبرير الأمر بأن أموالاً تقدر بحوالى 17 مليون دولار لم تُدفع». لكن المصادر رأت أن «كل ما قيل لا يبرر عدم المباشرة بتشغيل الشبكة، وأن يوسف ليس لديه أي حجة عقدية أو تقنية أو قانونية». كذلك فإن «التقصير الذي يتحمّل هو مسؤوليته في مقابل تعاظم حاجة السوق، كان الهدف منه تقوية سوق الإنترنت غير الشرعي، وتشجيع المؤسسات على اللجوء إلى الشركات غير المرخص لها»، معتبرة أن «هذا الأمر هو أول إدانة موثقة ليوسف في تورّطه في هذا الملف».
وكشفت مصادر تكتل التغيير والإصلاح أن الوزيرين جبران باسيل ونقولا صحناوي «أبرزا أمس في اجتماع التكتل جميع الشكاوى والمراسلات التي كانت قد وُجّهت إلى أوجيرو، للاستيضاح حول عدم تصحيح الخلل في هذا القطاع، ولماذا لا تزال حاجة السوق أكبر من طاقة أجيرو على تأمينها، مع ذلك لم يُصر إلى وقف الخلل ولم نسمع أي تجاوب»، مع العلم بأن القاضي سمير حمود أكد خلال جلسة لجنة الاتصالات أن القضاء لم يتسلّم أيّ شكاوى من هذا القبيل، ما يطرح علامات استفهام حول مسار التحقيقات التي حصلت في السابق. وكشفت المصادر النيابية أن «الوزير بطرس حرب اعتمد أسلوب المناورة للدفاع عن يوسف الذي أنكر علاقته بتوفيق حيسو، ما دفع ببعض النواب إلى إبراز صور فوتوغرافية تجمع الأخير بيوس ف في أكثر من لقاء». واشتكى بعض النواب من إصرار حمود على عدم كشف التحقيقات بحجة أنه «لا يستطيع رفع النقاب عنها»، مع العلم بأنه كان أول من «تحدث في الإعلام عن مسارات التحقيق». أما عن تصريح الوزير حرب بأنه « ليس هو من يستطيع كفّ يد يوسف بل هناك أصول يجب أن تُتّبع»، قالت المصادر إن حرب حاول الدفاع عن نفسه داخل الجلسة من باب أنه «جهة مقدّمة للشكوى»، علماً بأن «هذا الأمر لا يعفيه هو الآخر من المسؤولية».