تعرف "ديلما روسيف" كيف تقود المعركة، فالناشطة السابقة التي تعرضت للتعذيب إبان النظام العسكري الديكتاتوري كانت تتحدى منتقديها بنظرة.

روسيف لا تسمح بكشف الكثير من جوانب حياتها الخاصة: فهي تؤمن بالخرافات ولا تستطيع النوم ما لم تقرأ بضع صفحات من كتاب ما ومعجبة بمسلسل "Game of Thrones"، وتحب النزهات الليلية على دراجة نارية في برازيليا من دون أن يتعرف إليها أحد.

خضعت لعدة عمليات جراحة تجميلية، وبدت إثرها أكثر نضارة وتخلت عن نظاراتها السميكة التي كانت تعطيها صورة المجتهدة أكثر منها الذكية. كما أنها أعلنت أنها خضعت للعلاج من سرطان ما أسهم في تخفيف حدة صورتها لدى الجمهور، ويقول الأطباء إنها شفيت من المرض.

روسيف تزوجت مرتين، وهي اليوم مطلقة، ولديها ابنة تدعى "باولا" وأصبحت جدة لحفيد يبلغ الرابعة من العمر.

غير أن الرئيسة التي أعيد انتخابها لولاية ثانية بعد حملة واسعة عززت سمعتها "كامرأة حديدية" في هذا البلد، فقدت كثيراً من شعبيتها وباتت تترنح على هاوية الإقالة.

وباتت ولايتها معلقة بخيط رفيع: فالنواب "الانقلابيون" مهدوا الأحد الطريق لإقالتها من قبل مجلس الشيوخ ما قد يقصيها مؤقتاً عن السلطة ابتداء من أيار.

وروسيف (68 عاماً) الوفية لنفسها، وعدت بمواصلة الكفاح "حتى الدقيقة الأخيرة" قبل التصويت، وستضطر إلى خوض النضال الأصعب والأكثر يأساً بالنسبة إليها.

وكانت روسيف قالت في خطاب تنصيبها في الأول من كانون الثاني 2011 إن "الحياة تتطلب منا الشجاعة"، وقد تولّت حينها الرئاسة خلفاً لراعيها الرئيس السابق "إيناسيو لولا دا سيلفا" في أكبر بلد في أميركا اللاتينية، وأصبحت بذلك أول امرأة تتولى رئاسته.

وأضافت عند تسلمها الوشاح الرئاسي من لولا "أنا سعيدة، ولم أشعر بذلك إلا نادراً في حياتي، للفرصة التي منحني إياها التاريخ بأن أكون أول امرأة تترأس البرازيل".

نشأتها

 

ولدت ديلما روسيف في كانون الأول 1947 في "ميناس جيريس" لأب بلغاري مهاجر وأم برازيلية وناضلت في صفوف حركة المقاومة المسلحة في أوج الدكتاتورية في البرازيل.

وتم توقيفها في كانون الثاني 1970 في ساو باولو وحكم عليها بالسجن ست سنوات غير أنه أفرج عنها في نهاية 1972 دون أن تخضع تحت وطأة التعذيب.

وفي بداية 1980 ساهمت في إعادة تأسيس الحزب الديموقراطي العمالي (يسار شعبوي) بزعامة "ليونيل بريزولا" قبل انضمامها لحزب العمال في 1986.

حصن

 

اكتشف لولا هذه الخبيرة الاقتصادية التي تتمتع بمواهب إدارية مهمة وعينها وزيرة للمناجم وإطلاقة ومديرة لمكتبه. ثم أصبحت وريثته بعد فضيحة أولى للفساد طالت قيادة حزبهما، ولم تكن قد انتخبت من قبل.

فقبل فوزها في الولاية الرئاسية الأولى، لم تكن روسيف قد خاضت أي انتخابات في السابق وكانت شبه مجهولة بالنسبة إللى البرازيليين. وقد فرضها لولا في 2009 كمرشحة لحزب حزب العمال (يساري) بينما لم تكن ضمن الشخصيات التاريخية في الحزب.

وروسيف التي لا تتمتع بقدرات خطابية وتتسم بالتسلط وتقمع وزراءها علناً مع ازدراء بالبرلمان حيث عليها التشاور مع تحالف مفكك اليوم، اضطرت لملازمة قصر الرئاسة كما لو أنها في حصن.

وقد وجه نائبها ميشال تامر الذي سئم من دوره الشكلي منذ 2010 ضربة لتحالفها بسحب حزبه، وهو اليوم يتطلع إلى شغل منصبها.

اقتصاد متدهور

 

وخلال 4 سنوات من الرئاسة، تابعت روسيف بنجاح المعركة التي بدأها لولا لمكافحة التفاوت الاجتماعي في البرازيل. لكن للمفارقات فإن أداءها خلَّف خيبة أمل لدى البرازيليين لا سيما في الشق الاقتصادي.

وفي بداية ولايتها الأولى كانت شعبيتها تبلغ 77%، وقد أعجب البرازيليون بهذه "المرأة الحديدية". لكن منذ 2015 بدأت شعبيتها تتراجع إلى أن وصلت إلى عتبة تاريخية تبلغ 10% وبات أكثر من 60% من البرازيليين يرغبون في رحيلها. وهي تستيقظ في الساعة السادسة من صباح كل يوم لتمارس ركوب الدراجة لمدة 50 دقيقة للتخفيف من الضغوطات الحياتية.

سياسة اقتصادية خطيرة

 

الاقتصاد هو مجال خبرة روسيف. لكن بينما كان الاقتصاد البرازيلي يشهد تباطؤاً خطيراً في منتصف ولايتها الأولى أصرت على اتباع سياسة مخالفة للدورة الاقتصادية ومكلفة، وقد شهدت البلاد عجزاً وديناً وتضخماً حتى قبل تراجع أسعار المواد الأولية.

ومع ذلك، أقسمت خلال حملتها الانتخابية في 2014 أن الوضع "تحت سيطرتها". وبعد إعادة انتخابها عهدت بوزارة المالية إلى المصرفي "جواكيم ليفي" الاقتصادي الصارم، لخفض النفقات بشكل كبير مما أثار غضب ناخبيها اليساريين.

لم يشكك أحدٌ بنزاهتها وهو أمر ملفت في السياسة البرازيلية. وتقول "لم يحقق القضاء يوماً بهذه الدرجة من الحرية في الفساد"، وهذا صحيح.

لكن فضيحة بتروبراس جاءت لتوجه ضربة قاسية لحزبها، وقد اتهمها عضو مجلس الشيوخ عن حزب العمال ديلسيديو دي أمارال بأنها "كانت على اطلاع مباشر واستفادت من الأموال لتمويل حملتها".

وتنفي روسيف بشدة هذا الاتهام مع أنها كانت وزيرة للمناجم والطاقة ورئيسة مجلس إدارة بتروبراس في الماضي.

ووجدت روسيف نفسها في مأزق فلجأت إلى لولا في آذار، وقد تفلت من الإقالة بمعجزة وقد يسمح القضاء للولا بالمشاركة في إدارة البرازيل معها بصفة شبه رئيس للوزراء.

(هافينغتون بوست)