نجحت ضغوط أميركية إيرانية شديدة على فرقاء الصراع السياسي في العراق، في تطويق الأزمة التي كادت تعصف بأسس النظام القائم على المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية بقيادة الأحزاب الشيعية، والذي كان قد أرسي بتعاون بين واشنطن وطهران بعد الإطاحة بنظام صدّام حسين، وبدتا مجدّدا مهتمتين بحمايته من التفكّك بفعل الصراع الذي نشب بين مكوناته على المناصب في حكومة التكنوقراط التي أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي نيته تشكيلها في إطار الإصلاح ومحاربة الفساد وفشل في ذلك إلى حدّ الآن.
وقالت مصادر عراقية مطّلعة إنّ الاتصالات الإيرانية الأميركية، عبر الهاتف وعن طريق مبعوثين في سفارتي البلدين ببغداد، اتجهت صوب رؤساء الأحزاب والتيارات السياسية والكتل البرلمانية، وحتى رجال الدين، وخصوصا الشيعة، واتخذت أحيانا صبغة الأوامر الصريحة بوجوب الانضباط والتهدئة، والحفاظ على العملية السياسية.
وبحسب ذات المصادر، فإنّ أولى نتائج تلك الاتصالات، سحب كتل برلمانية لنوابها المعتصمين في مبنى مجلس النواب بهدف تكريس إقالة رئيسه وتعيين رئيس بديل، ثم العمل لاحقا على استخدام المجلس في إقالة رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وهو ما لم يعد متاحا الآن بعد تناقص عدد المعتصمين وعجزهم بالتالي عن جمع النصاب المطلوب لعقد جلسة برلمانية.
وكان من أبرز المنسحبين من الاعتصام أعضاء كتلة بدر النيابية، بعد أن أظهروا بادئ الأمر حماسا لدعم المعتصمين تحت قبّة البرلمان.
ومعروف عن هذه الكتلة ارتباطها الشديد بطهران بتأثير من قائدها هادي العامري الذي قضى أغلب سنين عمره بإيران وحارب إلى جانبها ضدّ العراق في حرب الثماني سنوات.
وكان أسامة النجيفي زعيم كتلة ائتلاف متحدون قد كشف بوضوح عن دور إيراني في دفع الفرقاء العراقيين إلى التهدئة عقب لقاء جمعه بالسفير الإيراني حسن دنائي وتوجّه على إثره بالشكر لإيران «على مساعدتها القادة العراقيين في تجاوز أزمة البرلمان».
أما الجهد الأميركي في ذات الاتجاه فكشف عنه بوضوح زلماي خليل زاده السفير الأميركي الأسبق في بغداد عبر صحيفة نيويورك تايمز قائلا إنّ «من الأرجح أن تعمل واشنطن وطهران معا بالتوازي للوصول إلى تسوية بين الأحزاب السياسية ورئيس الوزراء العراقي».
ويأتي هذا الوفاق الأميركي الإيراني بشأن الأزمة السياسية في العراق، امتدادا للوفاق الذي جمعهما دائما، تجاه هذا البلد، بدءا من المسار نحو إسقاط نظام حزب البعث، وصولا إلى غزوه سنة 2003 وإرساء نظام الحكم الحالي القائم على الطائفية والعرقية، والذي بدا فاعلا في إضعاف العراق سياسيا وعسكريا واقتصاديا، وفي قطعه عن محيطه العربي.
وأكّد الحرص الأميركي الإيراني على التدخّل في الأزمة الراهنة، اهتمام طهران وواشنطن بحماية النظام القائم والذي يكفل لهما مصالحهما في العراق، وخصوصا مصلحة إبقاء هذا البلد ذي الإمكانيات المادية والبشرية الكبيرة خارج المعادلة الإقليمية والدولية.
وبعد الخطاب التصعيدي من قبل أغلب الفرقاء العراقيين، سواء المناصرين لشقّ الحكومة ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري، أو الساعين إلى إقالة الرئاسات الثلاث؛ البرلمان والحكومة والجمهورية، ساد الإثنين خطاب التهدئة.
ودعا إياد علاوي زعيم ائتلاف الوطنية في البرلمان العراقي إلى الحوار لحل الأزمة، مثنيا خلال اجتماعه بالرئيس فؤاد معصوم على «دور النواب المعتصمين في رفضهم للطائفية السياسية والحزبية».
وقال إنه «تم الاتفاق على ضرورة التهدئة وأعطاء الحوار والتفاهمات دورا في حلّ الأزمة الراهنة وتقرر تشكيل لجنة من جميع الأطراف بضمنها النواب المعتصمون لتقديم تصورات للخروج بحلول تؤدي الى نزع فتيل الأزمة الحالية».
ومن جهته دعا رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، الاثنين، البرلمان إلى الانعقاد «فورا» من أجل التصويت على قائمة الوزراء التكنوقراط.
وأكد العبادي في بيان أذاعه التلفزيون الحكومي، أنه سيمضي قدما بالإصلاحات التي تعهد بتنفيذها، «لاحتواء الفساد المستشري على نطاق واسع».
وقال إن «التغيير الوزراي ما هو إلا حلقة ضمن الإصلاحات الشاملة، إضافة إلى تغيير الهيئات المستقلة والوكالات، لاختيار شخصيات من الكفاءات والخبرات بعيدا عن المحاصصة السياسية، مع مراعاة تمثيل شرائح الشعب العراقي المختلفة».
ودعا رئيس الوزراء العراقي، البرلمان إلى الانعقاد فورا «لتجاوز العقبات، والمساهمة في وضع الحلول للتحديات التي تواجه البلاد».
وأضاف العبادي أنه يتطلع «إلى أن يتمكن مجلس النواب من أن يقوم بدوره التشريعي والرقابي على أكمل وجه، والتصويت على التعديل الوزاري خلال الأيام المقبلة وبأسرع وقت ممكن، وكذلك التصويت على الهيئات المستقلة والوكالات في مرحلة لاحقة».
ولا يعتبر إرغام واشنطن وطهران الساسة العراقيين المتصارعين، على التهدئة، نجاحا كاملا في إنهاء الأزمة التي انطلقت أساسا من مطالبة الشارع بالإصلاح وتحسين الأوضاع المعيشية ومحاسبة الفاسدين، وهو ما لم يتحقّق أي شيء منه، ما يجعل الشارع مرشّحا بقوّة للانفجار مجدّدا.
وخلال موجة الاحتجاجات السابقة تم التعويل على كاريزما رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في ضبط الشارع وتوجيه حركته، غير أنّ متابعين للشأن العراقي يؤكّدون أن ذلك لكن يكون متاحا دائما، خصوصا مع انكشاف لعبة الصدر ومناوراته لحماية حكم الأحزاب الدينية.
صحيفة العرب